المسيرية وعدوان الجيش الشعبي
خلال مخاطبته لتأبين شهداء المسيرية بمنطقة الدبب وكيلك والذي أُقيم بقرية السلمة بالخرطوم، أكد نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن أن الدولة لن تسمح بتسليح المواطنين وأنها ستقوم باتخاذ إجراءات لتأمين الحدود مع دولة جنوب السودان، ثم قال (ما عاوزين عصا نايمة وعصا قايمة)!
ليت الأخ حسبو اختار مكاناً آخر غير مناسبة التأبين للإدلاء بذلك التصريح سيما وأنه لولا قيام السلطات بجمع السلاح من المسيرية لما سقط العشرات من أبنائهم بين شهيد وجريح ولما فقدوا الآلاف من أبقارهم التي نهبها الجيش الشعبي ودخل بها إلى دولته، فقد كان أولئك الجبناء قبل جمع السلاح من أبناء المسيرية، أضعف وأجبن من أن يتطاولوا على فرسان المسيرية الذين استغل أولئك الأوغاد تجريدهم من سلاحهم ليفعلوا بهم الأفاعيل و(ليحقروا) بهم ربما لأول مرة في تاريخهم الطويل.
تخوَّف كثيرون من ما يمكن أن يفعله أولئك الأشرار وحذّروا من جمع السلاح من المناطق الحدودية قبل توفير الحماية والتأمين، لكن حسبو أصر على المضي قدماً في جمع السلاح بل ونزعه من الرافضين متعهدًا بتأمين المناطق الحدودية، ولكن ذلك للأسف الشديد لم يحدُث فكان ما كان.
الآن بعد أن ثبت خطأ تلك المعالجات غير المدروسة يحزنني أن حسبو لا يزال يستخدم ذات اللغة، وكأن تلك الأرواح البريئة لا بواكي لها ولا قيمة!
كان الأولى بالأخ حسبو أن لا يتكلم حول مأساة المسيرية إلا بعد أن تستنفر القوات المسلحة والدعم السريع وتثأر لأولئك الشهداء وتعوّض تلك الخسائر الفادحة وتردع أولئك الأوباش.
نعم، فقد كان جمع السلاح قرارًا صائباً، وقد نزل برداً وسلاماً رأيتُ آثاره بعيني رأسي عند زيارتي لمدينة الفاشر، ولكن ما كان ينبغي أن يُطبَّق على كل ولايات ومحليات السودان بذات الكيفية وبغض النظر عن أحوالها الأمنية.
من جانب آخر ليس صحيحاً ما رشح من أخبار وتصريحات عن تحرّك إيجابي من جانب دولة الجنوب بشأن اعتداء جيشها الشعبي على أهلنا المسيرية، سيما وأن بعض تلك الأنباء مجرد كلام لا قيمة له، ولا يفعل غير التخدير وتقليل تفاعل أجهزة الدولة مع ذلك العدوان الغاشم، سيما وأن تلك التصريحات لم تصدُر عن جهة مختصة.
من ذلك مثلاً ما قاله البرلماني حسن صباحي حول تلقّيه اتصالاً هاتفياً من حاكم مقاطعة بانتيو ومن مستشار الرئيس سلفاكير تقدّم فيه بعرض مبلغ من المال لتعويض المسيرية!
أعجب أن تنشر بعض الصحف مثل هذا الكلام عن مصدر غير رسمي ولا يشغل أي منصب تنفيذي!
إذا كانت حكومة الجنوب أو أي من قياداتها تريد أن تُكفّر عن خطئها وجريمة جيشها الشعبي فينبغي أن يتم ذلك عبر القنوات الرسمية بحيث تأتي البيوت من أبوابها، فهناك حكومة في الخرطوم ينبغي أن تُخاطَب بمثل هذه (العروض) وسفارة للسودان في جوبا وهناك سفير لدولة جنوب السودان في الخرطوم هو الأولى بنقل مثل هذا الكلام، وهناك أساليب معلومة للتعامل مع مثل هذه القضايا، فالبرلماني الذي نُقِلت عنه تلك الأخبار لا يحمل أية صفة تُخوّله بالتصريح بالنيابة عن حكومة السودان أو عن شهداء وجرحى ومتضرري المسيرية.
أقوى دليل على صحة كلامي، ذلك التصريح الذي أدلى به الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية والذي استنكر العدوان الجنوبي، ولم يدلِ بأي حديث آخر حول ما قاله ذلك البرلماني.
خاطبتُ قبل يومين وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف طالباً منه اتخاذ الإجراءات الملائمة لردع أولئك الأشرار ولحماية حدودنا، وكنتُ أتوقع رداً يطمئن المواطنين خاصة من أهلنا المسيرية، بل وكل القبائل المتاخمة لدولة الجنوب بأن الدولة قد اتخذت التدابير اللازمة للحيلولة دون تكرار ما حدث لأهلنا المسيرية ولا أزال أنتظر .
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة