عالمية

هل دخلت تركيا حلبة الصراع على القارة السمراء؟

مع نهاية الجولة الأفريقية الحالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتي تشمل أربع دول أفريقية هي الجزائر وموريتانيا والسنغال ومالي سيكون قد زار 32 دولة أفريقية، وسيكون أكثر رئيس دولة وحكومة في العالم زار القارة السمراء.

ماذا يعني ذلك؟ بشكل بديهي يؤشر الأمر وفق القراءة الأولية على اهتمام متزايد بقارة شابة ذات موارد هائلة وشعوب فقيرة.

فقبل نحو شهرين عاد أردوغان من جولة أفريقية قادته إلى السودان وتشاد وتونس، وهي ثاني جولة أفريقية له في العام 2017، ومن اللافت أن الجولات “الأردوغانية” في أفريقيا لم تنقطع منذ العام 2004، فباستثناء العام 2008 دأب الرجل على القيام بجولة أفريقية كل عام.

رسائل وأهداف
يمكن قراءة رسائل وأهداف زيارات الرئيس أردوغان إلى البلدان الأفريقية في إطار خاص يشمل الدول المزورة، وآخر أشمل يتعلق بتعاطي تركيا عموما مع القارة الأفريقية ومساعيها الحثيثة لبناء شبكة تحالفات وعلاقات سياسية واقتصادية مع أهم أقطابها ومكوناتها.

وبالنسبة لجولته الحالية ومن خلال إلقاء نظرة على مكونات الوفد المرافق له والذي يشمل مسؤولين سياسيين وعشرات من رجال الأعمال تبدو الطبيعة الاقتصادية للزيارة واضحة، بينما تبقى الدوافع والمحركات السياسية غير خافية، فالسياسة والاقتصاد توأمان لا ينفصلان كما يقال.

تنظر تركيا وفق التصريحات الرسمية إلى الجزائر باعتبارها أكبر شريك تجاري لها في أفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 3.5 مليارات دولار، وتمثل الزيارة الحالية رابع زيارة يقوم بها أردوغان للجزائر، بينما بدأت العلاقات بين تركيا والسنغال تأخذ مسارا تصاعديا واضحا تجاريا وسياسيا توج بزيارات متبادلة بين قادة البلدين، وزيارته الحالية لدكار هي الثالثة له إلى هذا البلد الأفريقي الصاعد.

في المقابل، تستقبل نواكشوط وباماكو الرئيس التركي لأول مرة، ويتطلع الجانبان في كلا البلدين -وفق التصريحات الرسمية- إلى تعزيز وتقوية العلاقات السياسية والاقتصادية وزيادة حجم التبادل التجاري.

الأدوات الناعمة
بيد أن الأهم في الزيارة الحالية لأردوغان ليس الأبعاد الخاصة المتعلقة بها بقدر ما يجب النظر إليها ضمن سياقاتها الأوسع والأشمل والمتعلقة بالوجود التركي في القارة الأفريقية ضمن سياسة الانفتاح وبسط الأشرعة السياسية والاقتصادية التي انتهجتها السلطات التركية خلال السنوات الماضية.

تطرق تركيا أبواب القارة من البوابة الاقتصادية لا “السياسية”، وتسعى للتسلل إلى قلوب الأفارقة عبر الخدمات الإنسانية والتنموية، فهي تساهم في مهام قوات حفظ السلام بالقارة، وتقترب مساعداتها الإنسانية للقارة من نحو 2.5 مليار دولار.

وتعزز باستمرار حضورها الدبلوماسي عبر أكثر من أربعين سفارة ونحو ثلاثين قنصلية تتوزع في أرجاء قارة هي الثانية مساحة بين قارات العالم.

ويثمر هذا الحضور الدبلوماسي تعزيزا للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدولة والقارة، حيث كان حجم التجارة السنوي بين الطرفين عام 2004 في حدود 5.6 مليارات دولار، ومقارنة بحجم التجارة عام 2016 نجد أن حجم التبادل التجاري ارتفع بنسبة 200% ليبلغ 16.7 مليار دولار.

كما لعبت الخطوط الجوية التركية التي تجوب سماء القارة دورا مهما في تعزيز أواصر الصلة بين تركيا ودول القارة السمراء من خلال زيادة عدد الرحلات المتجهة إلى المطارات الأفريقية، إذ يغطي الأسطول الجوي للخطوط الجوية التركية حاليا 51 نقطة في 32 دولة أفريقية.

دوافع وخلفيات
ويتأطر الاهتمام التركي بالقارة ضمن خطة وضعها حزب العدالة والتنمية الحاكم تحت مسمى “سياسة الانفتاح على القارة الأفريقية” التي تترجم سياسة تركيا بالتحول نحو الجنوب العالمي في ظل حالة الفراغ السياسي الكبير التي تشهدها مناطق واسعة منه مع تراجع أدوار القوى الاستعمارية السابقة وبروز قوى إقليمية منافسة وساعية لوضع نفسها على قاطرة التأثير العالمي.

وتجمع الدوافع التركية للتوجه تحديدا نحو أفريقيا أمور عديدة، بينها إرث التاريخ وإكراهات الحاضر ومطامح المستقبل، فهي اليوم تقف شبه عاجزة عن إقناع الأوروبيين بضمها لنادي القارة العجوز.

كما تصطدم باستمرار مساعيها لتعزيز نفوذها شرقا في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى بناء على أواصر التاريخ والجغرافيا ووشائج اللغة والثقافة بالنفوذ الروسي القوي هناك.

ورغم نفوذها المتزايد في منطقة الشرق الأوسط فإن حجم الصراع العالمي وتضارب المصالح حول هذه المنطقة لا يتركان فرصة لها للاستئثار بمنطقة يكثر اللاعبون في فضاءاتها المزدحمة بالمصالح والثروات.

وضمن هذه السياقات الجيوسياسية المعقدة عالميا وإقليميا اتجهت البوصلة التركية في سنواتها الأخيرة نحو القارة السمراء، وطفق ربانها (أردوغان) يرتاد الآفاق الأفريقية يجول بين مرابع أجداده العثمانيين، ويعقد الصفقات التجارية والاتفاقات الدبلوماسية مع هذه الدولة أو تلك.

صراع النفوذ
تبدو القارة السمراء في نظر القوى الكبرى منطقة بكرا ما زالت رغم قرون من النهب والاستعمار محتفظة بالجزء الأكبر من ثرواتها وخيراتها، وفي الوقت ذاته سوقا مفتوحة قادرة على استيعاب كل جديد، ولأجل ذلك يتزايد الصراع عليها بين مستعمريها السابقين وخطابها الجدد.

ورغم أن تركيا تتكئ في سعيها لتقوية نفوذها في القارة على إرث تاريخي متجسد في العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي كانت قائمة بينها وبين بلدان عديدة من القارة الأفريقية خلال فترة الحكم العثماني لهذه البلدان لكنها بالمقابل تدرك بوضوح أنها تسير فوق حقل ألغام، وأنها تلعب في حدائق خلفية لدول ذات حضور عالمي.

وتشي التصريحات الإعلامية وبعض مقالات الصحف الغربية عن امتعاض أطراف غربية عديدة من محاولات تركيا منافستها في ساحة ظلت إلى عهد قريب خالصة لها، ويبدو أن فرنسا لم تعد تخشى المنافسين التقليديين لها في أفريقيا مثل إسبانيا وإيطاليا، بل أصبحت تخشى المنافسين الجدد بشكل أكثر، ومن ضمنهم تركيا والصين.

وبما أن الزيارة الحالية تشمل بعض دول الساحل فمن الراجح أن الفرنسيين ليسوا سعداء بها، خصوصا في ظل محاولات أردوغان الأخيرة تعزيز حضور بلاده في المنطقة عبر إنشاء قوة مشتركة لمواجهة ما توصف بالمخاطر الإرهابية، وهي القوة التي نجحت فرنسا في حشد تمويلي من دول خليجية لا يحتفظ بود كبير لتركيا وسياساتها، حيث أعلنت السعودية عن المشاركة في تمويل هذه القوة بمئة مليون دولار، كما أعلنت الإمارات عن مساهمتها بثلاثين مليون دولار.

المصدر : الجزيرة