الصحفيون وقضايا النشر!!
تجمع أكثر من رئيس تحرير أمس بمحكمة الصحافة أو محكمة المعلوماتية بالخرطوم (2) عند الثامنة صباحاً في بلاغ تقدم به جهاز الأمن والمخابرات ضد رؤساء التحرير الذين نشرت صحفهم خبر منسوب إلى الدكتور المشهور علي بلدو عن انتحار عدد من الأطفال الذين لم يحصلوا على الدواء بسبب ارتفاع أسعاره، فقضايا النشر أحياناً لم تكن مقصودة أو مستهدفة من أحد ففي الغالب إن سرعة النشر أحيانا تكون مضرة أكثر لو تريث الناشرون، ولكن نحن في السودان وفي الصحافة السودانية تعودنا أن نقوم بعملية النشر باعتبار النشر للمصلحة العامة، ولم تكن هذه هي القضية الأولى ولا الأخيرة التى تقدم إلى المحاكم ضد الصحف، سواء أكان أفراد أو مؤسسات، فقضايا النشر كثيرة وفي الغالب وبعد جرجرة في المحاكم تمتد إلى سنين طويلة، يتم التوصل إلى التسوية بين الطرفين، ونحن كأمة سودانية أكثر شعوب العالم تصالحاً وتنازلاً عن حقوقنا إذا فهم أي طرف مقصد الطرف الآخر، وإذا كانت عملية النشر لمرة واحدة بالتأكيد لن يكون فيها استهداف للطرف الآخر، ولذلك أعتقد أن المحاكم والقضاة أكثر تضرراً من عملية النشر الذي يمكن معالجته بطريقة ودية، طالما لم يكن هناك استهدافاً، فالمحكمة تخسر أحبار وأقلام ومياه وإنارة وغيرها من الأعمال التي تتوفر للقضاة بتلك المحاكم، لذلك من المفترض أن تكون النيابات حريصة على ألا تصل البلاغات التي يمكن معالجتها داخل النيابات، إذا كانت البلاغات لا ترقى إلى الجرجرة في المحاكم، وتستمر إلى سنين طويلة، صحيح من حق الشاكى أن يطالب برد حقوقه، ولكن يجب أن يفرق هذا الشاكي بين الخبر بحسن النية والخبر الذى يكون فيه استهداف، فكم من قضية توصل الأطراف فيها إلى التسويات، ولكن أنظروا كم من الوقت الذى ضاع بين الطرفين وبين المحكمة؟ وكم من المبالغ المالية دفعت إلى المحامين، وكم من عنت ومشقة واجهها رؤساء التحرير أو المحررين العاديين وحتى الشاكي الذي يأتي من أماكن بعيدة ربما لا تتوفر لديه سيارة، أو لم يتوفر له المال الذي يدفعه للمحامي، وأحياناً نجد هناك بعض الأشخاص الذين يزينون إلى الشاكين أن الصحف سوف تعوضهم مالاً كثيراً إذا استمروا في الدعوى، خاصة الذين لم يعرفوا العدالة السودانية، وكيف تحكم للطرفين، فهي عدالة تحكم بالعدل والميزان الذى يحقق العدل دنيا وآخرة، ولذلك أرى أن قضايا النشر في أغلبها ضياع لوقت المحاكم وتلتلة للأطراف المختلفة، وحسب ما ذكرت فنحن أمة متسامحة وتتنازل أحياناً عن حقوقها، حتى التعويض الذي يمكن أن تحكم به المحكمة أحيانا يتنازل عنه الشخص، ليس فى قضايا النشر وحدها، بل وحتى في قضايا القتل أو في ارتكاب المخالفات المرورية، نجد المتضرر يعفى ويسامح الطرف الآخر إذا تحطمت سيارته أو أصابها تلف جراء تصادم بين الطرفين، صحيح تعلو الأصوات عند ارتكاب الجريمة أو المخالفة، ولكن حينما تهدأ النفوس يعود العقل إلى صوابه ويتنازل كل للآخر، لذا وفى القضية التي طرفها جهاز الأمن والمخابرات يعلم المسؤولون أن النشر ليس فيه استهداف ولا عملية منظمة تضر بمصلحة الوطن، ولذلك هم تفهموا المقصد من الدكتور علي بلدو ومن رؤساء التحرير، وستطوى الصفحة في عهد القيادة الجديدة الفريق أول صلاح عبد الله (قوش) بعد الاعتذار الذي قدمه الدكتور بلدو، ونأمل في أن تكون المحاكم ساحة للتسامح، خاصة في القضايا التي لا ترقى إلى إهدار أزمان البعض، وإن كان هناك ما يستحق فالعدالة هي التي تحكم بين الناس بالعدل.
صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي