تحقيقات وتقارير

عمليات الاجهاض.. إزهاق أرواح لغسل العار

حملت الأنباء مؤخراً خبر إلقاء القبض على طبيب مشهور يقوم بإجراء عمليات الاجهاض للفتيات اللاتي يحملن سفاحاً داخل منزله بمساعدة زوجته، الأمر لا يقف عند القبض على هذا الطبيب الذي سبق وأن أدين بسبب هذه الممارسات، فالقضية أصبحت تمثل إحدى الجرائم التي تهدد الأمن المجتمعي، بعض الأطباء اتفقوا على أنها عادة دخيلة على المجتمع السوداني، بينما القابلات (الدايات)، لهن رأي مخالف للأطباء، فيما يرى آخرون أن تستر الأهالي زاد من تفشي الظاهرة داخل المجتمع، (آخر لحظة) حملت تلك القضية وتجولت بها بين ذوي الاختصاص والأطباء، وطافت على عدد من الجامعات، ولبشاعة تلك الجريمة وحساسيتها المفرطة امتنع البعض عن التحدث والخوض فيها، إلا أننا تمكنا من الحصول على بعض الإفادات والقصص المثيرة، معاً نتابعها من خلال هذا التحقيق الذي لا تنقصه الاثارة.

قصة ضياع

من إحدى الولايات الطرفية قدمت (س.م) للخرطوم، بعد أن تم قبولها بإحدى الكليات الخاصة لدراسة أحد التخصصات الإعلامية، تفاجأت (س.م) بالكم الهائل من الوسائل الترفيهية التي أتيحت لها بالعاصمة بعد أن كانت تعيش في ذلك المجتمع المغلق الذي يكبت حرية الفتاة ويسلبها حقها في الحياة، القصة تقول كما ورد على لسان صاحبتها إنها بعد أن جاءت للخرطوم، كانت تسكن مع أخيها وزوجته بأحد الأحياء الطرفية بأم درمان، وكالعادة تخرج في الصباح الباكر للذهاب للكلية لحضور محاضراتها الدراسية، وتعود فور انتهاء المحاضرات وظلت على هذا المنهاج إلى أن أكملت السمستر الأول من الدراسة، وبدأت في السمستر الثاني ولكن بمفهوم جديد وشكل آخر بتغيير كامل في شخصيتها من حيث المنظر والشكل وطريقة الكلام، كما أنها تعرفت على أحد النظاميين بالخرطوم، إذ ربطتهما علاقة عاطفية حتى وعدها بإحضار أهله لطلب يدها للزواج، وتضيف (س.م) قائلةً فرحت كثيراً بهذا الخبر مما زاد ثقتي به، وفي أحد الأيام أخبرني بأن والدته تريد رؤيتي بمنزلهم، فذهبت معه وتفاجأت بأن المنزل لا يسكنه أحد سواه وظل يقنعني بأني زوجته ويريدني أن أكمل واجبي معه كزوجة، فحدث ما يحدث بين كل الأزواج، بل قد أصبحت كثيرة الذهاب معه لمنزله حتى حملت منه وعندما أخبرته بذلك قال إنه لا مشكلة في ذلك، بل أخبرني بأن الأمر بسيط جد اً فأخذني لإحدى القابلات (الدايات)، بمنزلها، وعند دخولنا للمنزل سلمت عليه تلك القابلة بأحر التحايا، وهنا علمت بأنه يعرفها منذ فترة وأنه لطالما يأتيها هو وأصدقاؤه لمساعدتهم في مثل تلك المشكلة التي وقعت فيها، وتواصل (س.م) حديثها كنت خائفة في بادئ الأمر ولكن أخبرتني القابلة بأن أكون طبيعية فالموضوع بسيط، خضعت لعملية اجهاض بمنزل القابلة وعدت للمنزل بألم ونزيف حاد، فأخبرت زوجة أخي التي صدمت بالحديث فأخبرت أخي فخرج من المنزل وهو يضحك وكذلك والدتي التي ظلت تردد كلمة (ضريتينا) حتى أصيبت بحالة من الجنون، ولكن الكارثة الكبرى هي وفاة والدي بذبحة قلبية فور سماعه بالخبر، وتقول (س.م) بعد مرور شهر من الحادثة تم تزويجها لرجل في الثمانين من عمره لتكون له كخادمة.

ضعف القوانين

تحدث اختصاصي النساء والتوليد الطبيب حسن عبد القادر لـ(آخر لحظة) عن الأضرار الناتجة عن إجراء عمليات الاجهاض داخل المنازل التي وصفها بغير المجهزة لمثل تلك العمليات، حيث قال: تلك الممارسة عادة غير مسموح بها، فهي غير قانونية وممنوعة شرعاً وجنائياً، كما أن شرف المهنة يمنع الطبيب من ممارستها، فهي كارثة بالنسبة للطب، فعملية الاجهاض تحتاج لمسببات طبية كمثل الذين يعانون بعض الأمراض كالقلب والأمراض المزمنة، ولا تتم تلك العملية إلا عن طريق القانون، أما اجهاض الحمل الذي حدث سفاحاً هو أمر دخيل على المجتمع السوداني، والتخلص منه عبر الطرق غير القانونية يعرض حياة الفتاة (الأم) للخطر، فهو اجهاض غير مبرر وغير طبيعي يعرض حياة المريضة بخطر الإصابة بالالتهابات والنزيف الحاد الذي يحدث إثر إدخال جسم غريب داخل الرحم لتقطيع الجنين حتى يخرج، ويضيف دكتور حسن أنه كلما تقدم الجنين في النمو زادت خطورة عملية الاجهاض بعد كبر حجمه داخل الرحم، وأكد حسن على أن القوانين غير رادعة في مثل هذه الجرائم، والدليل على ذلك تكرارها من نفس المجرمين.

نشاط تجاري

دكتور حسن عبد القادر أكد أن أغلب عمليات الاجهاض تتم داخل البيوت وهي تمثل وظيفة لكسب العيش لكثير من العاملين عليها، وأشهر ممارسيها هم القابلات، وأضاف أنه في بعض الأحيان لا يحتاج الاجهاض لعملية، بل يتم إعطاء المريضة حبوب وهي مصدقة من وزارة الصحة ولا تتوفر في أي مكان، فلها أماكن محددة للحصول عليها ولا تمنح إلا بواسطة الطبيب عبر روشته عليها ختم المستشفى والطبيب الذي قام بوصفها، ولكن للأسف أصبحت تلك الحبوب تهرب من داخل غرفة العمليات وتباع للفتيات بمبلغ مليون جنيه وسعرها الحقيقي لا يتجاوز الـ(12) جنيهاً.
من باب الأمومة والعطف
وتقول القابلة (ح.س) إن الفتيات يحضرن بصورة تقطع القلب من شدة الذل والانكسار، ونظرات خوف الفضيحة والعار التي تحاصر أعينهن هي التي توقعنا في القيام بتلك العملية من باب الأمومة والعطف وليس من باب الحصول على بعض الجنيهات!!

جريمة مشتركة

وفي هذا الشأن يقول المحامي مجاهد عثمان عمر إن عملية الاجهاض جريمة نددت بها الشريعة الإسلامية، وحاربتها كذلك القوانين الوضعية، لما فيها من إزهاق روح جنين بدأت الحياة تدب في أوصاله، وتقوم المسؤولية الجنائية تجاه كل من الفتاة (الأم)، والطبيب الذي أجرى الاجهاض، فهي جريمة مشتركة ولا يجوز بداهة للمرأة التي حملت سفاحاً أن تحتج بحالة الضرورة لاجهاض نفسها، لأن حالة الضرورة تستدعي عدة شروط لقيامها، منها ألا تكون الحامل قد تسببت قصداً بالخطر المحدق، أما وأنها قد جاءت بفعل يقْبُح فى الحالة، ويُكره في الذّكْر، ويُشنأُ فى السّماع، فإنه يجب عليها قانوناً أن تتعرض للخطر، بل نجد أن القانون لا يأخذ بحالة الضرورة حتى ولو كان الحمل ثمرة اغتصاب، لأن القانون يشترط قيام تناسب بين الفعل والخطر، ولا تناسب مطلقاً بين حقها في الشرف والاعتبار الذي تريد أن تحميه وتصونه بالاجهاض، وحق الجنين في الحياة، وخلاصة القول في هذه المسألة (إنه ليس كل خطر يتهدد الحامل يبيح جرم الاجهاض، وإنما لا بد من التمييز بين خطر مصدره سلوك إرادي مشروع كالزواج مثلاً، وخطر مصدره سلوك إرادي غير مشروع كالزنا مثلاً، فالأول أم الثاني هو الذي يصلح أساساً لقيام حالة الضرورة وتبعاً إباحة الاجهاض، أما القانون السوداني أباح الاجهاض في حالة حدوثه نتيجة لجريمة اغتصاب ولم يبلغ تسعين يوماً ورغبت المرأة في إسقاطه.

استطلاعات الأسر

(آخر لحظة) حملت تلك القضية وتوجهت بها للشارع العام لسماع آراء الأسر حولها، وأول المتحدثين الحاجة زينب علي الطاهر التي التقينا بها في السوق العربي بموقف جاكسون، حيث قالت المرأة خلقها الله بمشاعر حساسة وقلب ينصاع خلف الكلمات الحلوة، وهذا ما يوقعها في ارتكاب جريمة الزنا والحمل سفاحاً، وفي هذه الحالة أنا لا أرفض مسألة قيامها بعملية اجهاض الجنين، وذلك لدرء الكثير من المشاكل التي تخلف تلك الجريمة، خصوصاً ونحن في مجتمع قاسي لا يرحم المرأة ويطبق عليها قانون القتل دون محكمة، أما العم يوسف أحمد المرضي له حديث آخر، فهو يقول أتمنى على كل من تأتيه ابنته بمثل هذا الفعل تسليمها فوراً للعدالة لتنال محاسبتها في الدنيا ليخفف الله عنها في الآخرة، وأكد عم يوسف أن تستر الأهالي على هذه الجريمة هو ما زاد من تضخمها وتفشيها في المجتمع السوداني المحافظ.

مُقرر دراسي

وأكدت طالبة بإحدى الجامعات السودانية، أن خلف أبواب تلك الجامعات يحدث (العجب)، فالحديث عن اجهاض حمل السفاح كالمقرر الدراسي يتم تداوله دون حياء أو خجل، وأغلبية الفتيات يحملن أرقام هواتف بعض القابلات الشهيرات بإجراء هذه العملية التي وصفتها بالشنيعة.

رأي رجال الدين

أما لعلماء الدين حديث آخر، ففي ذات السياق يقول عضو هيئة علماء السودان مولانا إسماعيل الحكيم إن الاجهاض محرم شرعاً باتفاق جميع المجامع الفقهية وعلماء الفقه في العصر الحديث والقديم، وعلة التحريم أن هذه النفس مملوكة لله سبحانه وتعالى، ولجهل الناس يعتقدون أن أي جنين يتكون في رحم أمه خارج نطاق العلاقة الشرعية ما لم يكمل الـ(4) أشهر يجوز للحامل به إسقاطه، وهذا الأمر لا أساس له من الصحة، فلا يجوز قتل الجنين سواء إن كان نكاحاً أم سفاحاً، ويضيف مولانا إسماعيل أنه جرت العادة على أن هذه الجريمة لا تتم إلا خارج العلاقات الزوجية، أما داخلها إن وجدت الأسباب فهنا لا يطلق عليها مصطلح الجريمة، وقد اعتدات الفتيات اللاتي يقعن في هذه الخطيئة معالجتها، ولكن بارتكاب خطيئة أفظع منها، وهي قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ومن هنا أوجه رسالتي لذوي الاختصاص في الدولة والقائمين على هذا الأمر، باتخاذ القوانين الصارمة وتنفيذ أقسى العقوبات ضد مرتكبيها سواء إن كانوا الفتيات أو الأطباء ليكونوا عبرة لغيرهم، وأضاف مولانا إسماعيل أن مرتكبي تلك الجريمة لا يمكن أن نصفهم بالأطباء، فالطبيب يعمل على إنقاذ البشر وحماية الأرواح، ومن يقوم بقتلها هو مجرم.

عدم استجابة

دفعت (آخر لحظة) بخطاب إلى المكتب الصحفي للشرطة ممهور بتوقيع رئيس التحرير الأستاذ عبد العظيم صالح، للحصول على معلومات وإحصائيات حول هذه القضية، إلا أن المكتب الصحفي ظل يماطل في إحضار الإذن من الإدارة المعنية بالخطاب.

احر لحظة.