كيف يجوز للمهدي أن يختار مصر ملاذاً ومنفى؟!

لستُ أدري والله هل فكّر السيد الصادق المهدي في ما أقدم عليه قبل أن يحل ضيفاً على مصر السيسي الذي يحتل حلايب ويعمل على (تمصيرها)؟

المهدي يفعل ذلك رغم علمه بأن السيسي الذي تنازل بكرم حاتمي للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير يصر على احتلال أرضنا التي تُثبِت كل خرائط المنظمات الدولية أنها سودانية.

هل فكّر المهدي في الكلفة السياسية العالية التي يتكبدها في التاريخ على المستوى الشخصي والحزبي وهو يختار مصر منفى وملاذًا يُمارس من خلاله معارضة من يُخاشنهم من حكّام وطنه؟!

لو كانت مصر السيسي تُعادي حكومة السودان اعتراضاً على سياسات الحكومة السودانية ضد شعبها مثلاً، لربما التمسنا العذر للمهدي، ولكن هل يشك أحد من مواطني السودان بمن فيهم زعيم الأنصار وحزب الأمة وكل المنتسبين لحزبه أن مصر تحتل حلايب السودانية، بل ترفض أي تسوية أو تفاوض أو تحكيم حولها؟!

هل نسي المهدي موقف رئيس وزراء السودان عبد الله خليل المُنتمي لحزب الأمة والذي هدّد وتوعّد وحذّر الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1958 من أي توجُّه لضم حلايب إلى مصر؟!

ما يزيد من حدة الخلاف مع مصر السيسي ليس احتلال حلايب فحسب، إنما العمل الدؤوب الجاري الآن على تمصيرها من خلال منح سكانها السودانيين الجنسية المصرية وإغرائهم وترغيبهم بالخدمات وإقامة البنيات التحتية وترهيبهم بالسجن والتعذيب.

هل يستطيع المهدي إذا سُئل خلال إقامته في القاهرة القول إن حلايب سودانية أم إن ذلك سيخضعه للمساءلة والطرد وربما الاعتقال؟!

ثم ما الذي يجعل المهدي الذي يتهم حكومة السودان بمصادرة الحريات وممارسة القمع والتعدّي على حقوق الإنسان، يلوذ بنظام يعلم أنه أكثر وحشية ودموية من نظام الحكم الذي يعارضه في موطنه؟!

كان الأولى بالمهدي أن يقيم في وطنه وبين جماهيره حتى لو اقتضى ذلك دفع فاتورة النضال في سبيل المبادئ التي آمن بها فللأوطان في دم كل حر يد سلفت وديْن مُستحق، وإذا كان وطنه قد مكّنه من نعيم السلطة ذات يوم وأفسح له مجالاً لصنع التاريخ، فإنه يستحق منه التضحية في سبيل المبادئ والصبر على لأواء المعارضة وعذاباتها.

كذلك فإنه إن كان يشعر أنه كبر على تحمل أعباء العمل المعارض من داخل البلاد، فما أقل من أن يختار دولة أخرى أوربية أو آسيوية يستطيع أن يمارس فيها العمل السياسي بحرية كاملة تجنبه مهالك الاتهام بالخيانة والارتماء في أحضان مغتصبي أرضه ومنتهكي سيادتها كما تُخرجه من حرج توظيفه لخدمة أجندة الدولة التي تحتل أرضه.

أما حكومتنا، فإنه لمن الغريب أن تسمح للحكومة المصرية باستضافة الصادق المهدي بالرغم من أن الاتفاق الرباعي الذي أُبرم بين وزيري خارجية البلدين ومديري أمنهما مؤخّراً قضى بمنع العمل المعارض لكل من الدولتين في أرض الدولة الأخرى، وبناء على ذلك تم طرد جميع الإخوان المسلمين المصريين من الأراضي السودانية.

أفتأ أُكرر أننا لا نزال سجناء المربع الأول، لم نتحرّك منه قيد أنملة من حيث الرشد السياسي الذي يتطلب أن ندرك أولاً معنى عدم الارتماء في أحضان العدو المحارب أو المخاصم، ونعلم كذلك حدود الحلال الوطني والحرام الوطني.

أعلم يقيناً أن مصر تحت نظام السيسي لن تكف عن إلحاق الأذى بالسودان، ولا أحتاج إلى دليل على كيدها للسودان من تلقاء دول الجوار، فمن الشرق (إرتريا) ومن الغرب (ليبيا حفتر)، ومن الجنوب دولة جنوب السودان وقطاع الشمال، حيث تنطلق من منصة العداء الإستراتيجي للسودان، فهلا تحسّس المهدي مواقع قدميه تجنُّباً للسقوط؟

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version