تحقيقات وتقارير

عامان على رحيله الترابي والحوار الوطني.. “وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَـقَـدُ البدرُ”

“الحوار مات برحيل شيخ حسن الترابي،لأنه كان الضامن له ولتنفيذ مخرجاته”، بكاريزميته وقوته، هذا ما جرى على لسان عضو الهيئة التشريعية القومية، كمال عمر، الذي تسربل برداء الحزن حينما غادر شيخه الحياة، ليأتي وبعد مرور 24 شهراً لينعى هذه المرة شيخه والحوار الوطني الذي يؤكد كثيرون أن مخرجاته وتوصياته قد قُبرت برحيل الترابي.

رسالة السنوسي

ربط الحوار الوطني بالترابي، جاء من واقع أن الراحل كان من أبرز المؤيدين له، بل كان بمثابة الضامن الأكثر مصداقية لدى الأحزاب والحركات المسلحة التي منحته صكوك ثقتها وأقبلت على الحوار بدون اشتراطات مسبقة رغم إدراكها التام أن الحزب الحاكم اشتهر بنقض العهود والتنكر لها.

بيد أن وجود الدكتور حسن الترابي بما يمثله من ثقل بعث بالاطمئنان في نفوس المشاركين، حيث أقبلوا على قاعة الصداقة ودخلوا في مداولات ماراثونية، وكانوا يأملون أن تقود مساعيهم إلى ما ينشده كل مواطن سوداني، ولكن ما إن تمت مواراة جثمان عراب الحوار ثرى مقابر بري، إلا وتهامس قادة الأحزاب والمراقبون حول مستقبل المؤتمر الشعبي والحوار، وهو الأمر الذي دعا الأمين العام الذي تم انتخابه في ذات أيام العزاء إبراهيم السنوسي إلى التأكيد على استمرار حزبه في الحوار الوطني بذات النهج الذي بدأه الشيخ، بدعوى أن حزبه ضد حمل السلاح أو إحداث التغيير بالقوة العسكرية، ورغم ذلك التأكيد لم ينس السنوسي وكأنما شكوك قد ساورته أن يضع رسالة في بريد قيادة المؤتمر الوطني، وهو يطالب باتخاذ قرارات شجاعة وجادة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، الذي رأى أنه لا سبيل بدونه لمعالجة الأزمات السودانية.

وحديث السنوسي يومها لم يُزل المخاوف التي سيطرت على تفكير عدد من قادة الأحزاب التي أقبلت على حوار يعتبر الترابي عرابه الأول، حيث عبرت عن مخاوفها من تأثير غياب الترابي على عملية الحوار الوطني أو على مخرجاتها، حيث كانت ترى أن الرجل كان يمثل لدى الأحزاب صمام أمان، لأنه هو من شكل الأرضية التي قام على أساسها الحوار، ودعم بشدة إنجاح العملية والتفاف القوى السياسية حولها.

خطوة مفاجئة

المؤتمر الشعبي، وفي خطوة اعتبرها كثيرون مفاجئة وغير متوقعة، أعلن في فبراير من العام 2014 إنهاء القطيعة مع المؤتمر الوطني التي استمرت خمسة عشر عاماً، وقرر المشاركة في الحوار الوطني، وكثيرون وقتها أكدوا أن الراحل الترابي يريد وضع السودان على المسار الصحيح، وأنه يقف خلف مبادرة الحوار الوطني، وهذا ما أوضحه الأمين العام لحزب النهضة التونسي راشد الغنوشي في حفل توقيع مخرجات الحوار الوطني الذي كشف عن أن الترابي هو من خطّط للحوار، وأنه لم يرحل إلا والسودان يتحاور ويتفاوض ويتساند ويتجه للمستقبل. ذات القول جرى علي لسان القيادي بالمؤتمر الوطني مصطفى عثمان إسماعيل الذي أكد أن الراحل هدف من خلال الحوار الوطني إيقاف الحرب وحدة الاستقطاب السياسي، بجانب الاستقرار الاقتصادي، وبناء علاقات خارجية منفتحة، لذلك هو رأى أن الحوار هو الحل الأمثل لكل هذه القضايا الوطنية.

رهان الترابي

الترابي الذي كان يراهن على أن الحوار يعد مخرجاً أوحد للبلاد من أزماتها، كان قد أشار في العام 2015 إلى أن قراره الانخراط في الحوار هدفه مناقشة القضايا الملحة، “لأن أصول السلطان في الإسلام أن يكون للحريات مدى واسع، وأن لا يقوم على الجبروت، وأن يكون في المال العام عفة، وأن يكون في وحدة البلد عقد مواطنة وتراضٍ ،وقال ان عودته إلى الحوار مع النظام هدفها إعادة اللحمة بين السودانيين وبين القوى الإسلامية المنقسمة والقوى السياسية الأخرى مع بعضها البعض حتى يعرض على الناخب خيارات محددة، مضيفاً أن تقاربه مع النظام أملته ظروف إقليمية ودولية تمثل خطراً على السودان، وأكد الترابي أن القوى السياسية تتطلع إلى انتقال عفوي وسلمي للسلطة وتسوية المظالم التي وقعت على بعض الأقاليم بطريقة عادلة، وأن الحريات التي تطالب بها القوى السياسية تشمل إطلاق الحريات العامة، ومعالجة القضايا الملحة وعلى رأسها المسائل ذات الصلة بمعيشة الناس.

البدر المفقود

الحماس الذي كان مسيطراً على الراحل الشيخ الترابي والتفاؤل الذي كان يملأ جوانحه بأن يقود الحوار الوطني البلاد إلى شاطئ الاستقرار، يبدو أنه لم يصل إلى مبتغاه عقب رحيله، فبعد مرور 24 شهراً على وفاته فإن حزبه يقف على أعتاب أبواب الخروج من حكومة الوفاق الوطني، حيث ترى قيادات فيه أن الشريك الأكبر المؤتمر الوطني نكص على عقبيه، وبدأ متنكراً لما تعاهدوا عليه بقاعة الصداقة، وقد خاض تلاميذ الترابي من الشعبيين عقب وفاته معارك ضارية ضد الوطنيين لإقناعهم بضرورة إنفاذ مخرجات الحوار الوطني، غير أن معطيات الواقع وما ظل يجهر به قادة الشعبي تؤكد أن ما خطط له شيخهم الراحل لم يجد طريقه إلى أرض الواقع حتى الآن، وهذا ما جعل مساحات الحزن على رحيله تتمدد في الذكرى الثانية، لأنه كان في نظر كثيرين ضامناً قوياً لمضي قطار مخرجات الحوار إلى محطاتها الأخيرة التي ينشدها الشعب السوداني والشعبيون من تلاميذ الترابي الذي بات مثل البدر يفتقد في الليلة الظلماء.

الصيحة.