تحقيقات وتقارير

استعصى على الرقابة.. سوق الدواء.. الفوضى والفساد؟!

سوق الدواء في السودان لا يكاد يخلو من مفارقات، ففي الوقت الذي يبحث فيه المرضى عن الدواء ولا يجدونه بالصيدليات، تطل قضايا أخرى متعلقة بالدواء الفاسد بسبب التخزين السيئ ما يدل على أن الضوابط الموضوعة تبدو قاصرة تحتاج إلى رقابة وتفعيل قوانين.

أصبح واقع المرضى وهم يبحثون عن الدواء من صيدلية إلى أخرى أشبه بالسعي لتادية الفريضة، وبرغم ذلك ففي خاتمة المطاف، فإن المفاجأة لا تخلو من الإمكانية في جلب وتناول الدواء حيث أصبح الدواء يباع دون معايير أو حتى سعر محدد، فالكل يحدد سعره كما يهوى، بل وأطلت برأسها قضايا الأصل والفرع للدواء وكل واحد منهما يبيع بسعر يختلف عن الآخر في الوقت الذي يسعى فيه المجلس القومي للأدوية والسموم بالترويج لعدد من الأصناف التي قام بتسجيلها متناسياً دوره الرقابي المأمول منه.

فوضى وفساد

يبدو أن سوق الدواء منكوب من جميع الاتجاهات، فالظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد وتغيير سياسات بنك السودان تجاه النقد الأجنبي الموسوم للدواء أدى إلى حدوث ربكة أثرت على استيراد شركات الدواء بعد أن تغير سعر صرف النقد الأجنبي من 21 جنيها إلى 30 جنيهاً خلال الشهر الماضي، غير أن بنك السودان لم يلتزم بالقيمة المحددة، إضف إلى ذلك منع الحكومة الاستيراد من الموارد الذاتية للشركات، الأمر الذي أحدث ربكة، ودعا إلى إحجام الشركات عن الاستيراد.

غير أن الأمر لم يكن رهن تحديد سعر الصرف فقط، بل تعداه إلى أن الجهة المسؤولة عن وفرة الدواء وهي الإمدادات الطبية تحتاج إلى إعادة النظر في الفساد والفوضى التي حدثت في سوق الدواء حسب الدكتور الصيدلي محمد صالح عشميق، بعد أن ثبت تورط منظمات في تهريب أدوية عليها ديباجة الإمدادات الطبية وبيعها في السوق في وقت صدر فيه توجيه رئاسي بأن تورد الإمدادات الطبية أدويتها للجهات الحكومية، الأمر الذي يتطلب أن تنظر إليه الهيئة العامة للإمدادات الطبية بعين الاعتبار إلى الصيدليات والمنظمات التي تقوم بتغذيتها بالدواء حسب مطالبة عشميق، وقال: لم نسمع بفتح تحقيق لمعرفة الكيفية التي تهرب بها الأدوية من الإمدادات الطبية إلى المنظمات التي تعمل تحت غطاء بيع الدواء وتعمل على تخزين الأدوية في ظروف تحزينية سيئة للغاية حسب الصيادلة.

أخلاقيات مهنة:

اختفاء أدوية الأمراض النفسية من سوق الدواء كان ولا زال حديث المتضررين، خاصة أن هذه الأدوية تتعدى ضرر المريض إلى ذوى القربى الذين تقدموا بعدة شكاوى عبر (الصيحة)، إلا أن الجهات المختصة لم تفلح في امتصاص المشكلة بالرغم من تكوين لجنة لتنظيم بيع الأدوية النفسية والعصبية، وكشف الأمين العام لجمعية حماية المستهلك والخبير الصيدلى د. ياسر ميرغني في تصريح لـ(الصيحة) إن هنالك شركتين فقط بالبلاد ظلتا تحتكران تلك الأصناف من الأدوية، ويقول إنهما تعملان بطريقة لا أخلاقية ذلك لأنها اشترطت على الصيدليات ربط تغذيتها بأدوية الأمراض النفسية بشراء أدوية أمراض أخرى مثل المنشطات الجنسية والمكملات الغذائية. ورهنت بيع الأصناف بتعهد الصيدليات بشراء أصناف أخرى. كما أزاح الدكتور ياسر النقاب عن ترويج وصفه باللاأخلاقي انتهجه بعض الأطباء، ذلك أنهم يقومون بالمطالبة بتوفير أصناف لأدوية وفقاً لاسم تجاري محدد مقابل اتفاق خفي مع الشركة المعنية، وزاد بأن آخر هذه الاتفاقات اللاأخلاقية هو ما اشترطه طبيب على شركة معينة تذكرة سفر له ولزوجته الثانية لقضاء شهر العسل في شرم الشيخ مقابل كتابة عدد معين من الأدوية خاصة بالشركة المعنية على أن توضع الأدوية المحددة في الصيدلية المجاورة لعيادته للإشراف عليها. وأكد الأمين العام لجمعية حماية المستهلك أن مثل هذه الممارسات هي التي تتسبب في معاناة المستهلكين، وقال إن البدائل متوفرة لأي دواء إلا أن الإصرار على اسم تجاري معين هو سبب الأزمة.

الحد من الاحتكار:

وطالب د. ياسر المجلس القومي للأدوية والسموم بفتح وتشجيع تسجيل الصناعة الوطنية للحد من احتكار الدواء من قبل شركة أو شركتين اللتين تعملان على بيع الدواء بصورة شبه محتكرة وبكميات قليلة، الأمر الذي اعتبره عملاً يتنافى والمسؤولية، مبيناً أن المعالجة والقانون والأخلاق والوازع الديني والضمير والقسم كلها تتحدث عن كتابة الدواء بالاسم العلمي وأن لا يكون الولاء لشركة أو لمصلحة تجارية، لذا نطالب المجلس بفك احتكار أدوية الأمراض النفسية والعصبية والمخدرة، كما طالب الهيئة العامة للإمدادات الطبية بزيادة منافذ توزيعها للمستهلكين حتى تقل المعاناة ولو باستئجار صيدليات خاصة باعتبارها منافذ للخدمة، وعاد وقال: الآن الرقابة على الأدوية تسير نحو الأحسن، ويرجع الفضل في ذلك إلى الفريق الموحد لحماية المستهلك والذي يضم صيادلة متخصصين في الرقابة.

حلقة مفقودة

على الرغم من لفت النظر لبعض الصيادلة لهيئة الإمدادات الطبية ومطالبتهم بحسم الفساد في سوق الدواء، إلا أن الصندوق القومي لهيئة الإمدادات الطبية كان قد شكك في تصريح مسؤولين أدلوا به حول ضبطيات الأدوية التي تمت بواسطة شرطة حماية المستهلك بأنها مسربة من الإمدادات، وأكد الأمين العام للجمعية أن الإمدادات لا تصرف الدواء إلا للمؤسسات التي يخول لها القانون الصرف سواء كانت مؤسسات حكومية أو صيدليات مرخص لها داخل أو خارج ولاية الخرطوم وفق مستندات تثبت تجديد تراخيصها، حيث قال الصندوق في تعميم صحفي مؤخراً أن رقابة الدواء بعد خروجه من الإمدادات الطبية هو مهمة جهات رقابية أخرى. مؤكداً رفضه التام للإشارة إلى أن ضبطيات الأدوية التي تمت بواسطة شرطة حماية المستهلك بأنها مسربة من الإمدادات، ويبدي الصندوق استغرابه الشديد من المسؤولين الذين يصدرون مثل هذه التصريحات، رغم أن الوثائق التي بين أيديهم توضح أن ما ضبط من أدوية مصدرها صيدليات خاصة مرخصة وحصلت عليها بطرق مشروعة، ولكنها أخطأت حينما يبيعها لهذه المنظمات التي تم ضبطها…. ويبقى السؤال من المسؤول ومن الرقيب ؟

صحيفة الصيحة.