صلاح الدين عووضة

جنبها… وفوقها !!


*والتي نعنيها بعنواننا هذه هي الحيطة..

*فهناك من يمشي جنبها – إيثاراً لسلامة – ويُقال عليه (ماشي جنب الحيط)..

*وهناك من لا يرضى إلا بأن يكون فوقها… ولو يدق عنقه..

*وفي دنيا الإبداع خاصة لا ينفع التلبّد خلف الحيط وترديد: يا دار ما دخلك شر..

*وهذه الدنيا تشمل السينما… والشعر… والرواية… والإعلام..

*فالمشي جنب الحيط ضد الإدهاش… والإمتاع… والذيوع… وجرأة الطرح..

*واستوقفني حوار أُجري مع النجم التلفزيوني لاري كينغ..

*وهو بالمناسبة استقال من تلقاء نفسه بعد بلوغه التسعين… وفقدته الـ(سي إن إن)..

*فالمبدع لا يُحال إلى التقاعد إلا في بلادنا… وأشباهها..

*والآن أشهر مذيعة في العالم تخطو نحو السبعين… وهي أوبرا وينفري..

*سُئل لاري عن سر نجوميته الطاغية فقال (الإيجاز)..

*وشرح أكثر فقال إنه يعتمد أسلوب الأسئلة السريعة… الموجزة… الخاطفة..

*ثم لا يدع ضيفه يسرح… ويمرح… و(يتجدع)..

*فهو يأخذ بخناقه… وخناق الحوار… وخناق الزمن… وخناق المشاهدين..

*وإذ يفعل كل ذلكم يكون على رأس الحيط…لا جنبه..

*لا يتهيب… ولا يرتجف… ولا ينظر إلى مكانة ضيفه؛ وإن كان الرئيس نفسه..

*وأتمنى لو فُرض هذا الحوار (درساً) على مذيعينا..

*إذن لخجلوا من أنفسهم وهو يثرثرون بسخيف الكلام… ويمشون جنب الحيط..

*وفي مجال الإبداع الصحفي لاحظت شيئاً عجيباً..

*نعم؛ فالصحافة مجال إبداعي لا ينفع معه زحف جنب الحيط…ولا هو ينفع معه..

*ثم المصيبة إذا كان مع هذا الزحف خلوٌّ من الموهبة..

*فهو في هذه الحالة أشبه برص للطوب؛ بعضه فوق بعض… وكلام فوق كلام..

*ما لاحظته أن أغلب إعلاميي عهد (مايو) هم نسخ من سياسييه..

*إذا أراد أحدهم قول كلام يظن أنه يجرح خاطر الحكومة يتعب تعباً شديداً..

*يتعب هو… ويتعب الكلام… ويتعب القارئ المسكين..

*فهو يسافر به إلى رأس الرجاء الصالح… ثم يرجع به مترنحاً من رهق السفر..

*ولا يكاد يعرف (رأسه) من رجليه… ولا يعود كلاماً (صالحاً)..

*وحتى الذين هم في مجال الرياضة منهم يمشون جنب الحيط… شيء عجيب..

*وأحد المبدعين الذين وقفوا على الحائط – منذ البداية – سبيلبرغ..

*منذ أن أخرج فيلمه (العربة)…وحتى الآن؛ وقد تجاوز السبعين من العمر..

*فالمبدع لا يموت إبداعه إلا بموته… ولا يعرف (المعاش)..

*وأحد أوجه إبداع هذا المخرج المذهلة أنه يقف دوماً فوق الحيط… وينظر..

*ينظر إلى الفضاء… ودواخل السياسة… وحقائق المسكوت عنه..

*وفي فيلمه لينكولن نظر إلى مقولته الشهيرة (أمشي بتؤدة… ولكني لا أرجع للوراء)..

*ثم نظر إلى مشيته هذه نفسها فرآها تماثل حكمته..

*فكانت آخر خطاه الوئيدة إلى حيث مصرعه… أبدع خاتمة للفيلم..

*والصمت المخيم… أفضل موسيقى تصويرية..

*وعندنا… أفضل إبداع (جنب الحيط !!!).

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة