جعفر عباس

نوم العوافي يا مدام ويا ماما


يوم الأربعاء الماضي الموافق 21 مارس الجاري، فوجئت بأم العيال تسألني، ونحن على مائدة الغداء: وين هديتي؟ قلت لها: بسم الله الرحمن الرحيم، هدية لماذا وماذا وكيف؟ فقالت: هدية عيد الأم، فقلت لها: كنت خلفتيني ونسيتك؟ فردّت بصوت يحنن قلب ترامب: هدية عيد الأم. ذكرتها بأنه سبق لنا خوض هذا الموال أكثر من مرة، وبأنها ليست أمي، بل أم عيالي، ثم رفعت يدي، وقرأت »الفاتحة«، فكادت تروح في داهية، لأن »الفاتحة« عندنا في السودان مرتبطة بالعزاء في ميت، فقلت لها إنني أقرأ الفاتحة هدية لروح أمي فـ»انكتمت«.

ولست ممن يستنكرون الاحتفال بعيد الأم أو الخالة، وما يسمى عيد الزواج، ولكنني لا أحفل بها، ومع هذا فإنني أعتقد أن على كل زوج أن يقدم هدية لزوجته، و»بدون مناسبة« بوصفها »أمّ« وأس البيت.

في الدول التي تهتم بابن آدم، يجرون الدراسات والمسوحات لمعرفة أحواله، وتأثير مختلف الأشياء والعناصر عليه، واكتشفوا أن متوسط عمر المرأة يزيد على متوسط عمر الرجل، بما يتراوح بين ست وعشر سنوات، ويعزو فريق طبي في جامعة بنسلفانيا الأمريكية ذلك -في جانب منه- إلى أن المرأة تنام ساعات أطول من الرجل، طبعا »على طول« سيتبادر إلى ذهن الرجل أنه ينام أقل، لأن المرأة تحرق أعصابه فيظل يعد النجوم طوال الليل، وهو يخطط ليريها النجوم في عز ظهر اليوم التالي، ولكن الفريق الطبي يقول إن سبب ذلك هو أن المرأة تكون مجهدة ومرهقة أكثر من الرجل، ولأن الله حباها بخاصية تعويض الجهد الذي تبذله أثناء الحمل وبعد الولادة بالنوم السريع المنتظم.

ومن يراقب امرأة خلال فترة رعاية وليد رضيع، يعجب كيف أنها تغادر السرير في ساعة متأخرة من الليل، وتأتي بأشياء من هنا وهناك، وتطعم الوليد وتزيل من حفاظته آثار العدوان، ثم تحمله على كتفها وتربت على ظهره برفق حتى يقول: باااااع، وبعدها بدقيقة تصدر أصواتا منكرة: خخخخ خوخوخو، لأنها تروح في نومة عميقة فور انتهاء تلك المهام. ولكنني موقن بأن النتائج التي توصل إليها أولئك الباحثون لا تنطبق على نسائنا اللواتي تكون الواحدة منهن مطالبة بأن تكون ساهرة يقظانة، حين يعود الفحل من صولاته وجولاته في الهزيع الأخير من الليل، أو حتى يغادر ضيوفه ثقيلو الدم بيتها في الثانية صباحا، لتضمن أن الأكل الذي سيطفحونه سيبقى دافئا، وصنف الرجال الذي يتباهى بأن زوجته تظل صاحية تخدم ضيوفه حتى الساعات الأولى من الفجر عندنا كثير، وهناك الصنف الذي يحسب الزوجة إنسانا آليا »روبوت« فيعود إلى البيت ويصيح: معاي خمسة ضيوف سوّي لنا الغدا بسرعة! وليس من حق الزوجة أن تقول: »أنا مش حاوي« كي أطعم ضيوفك في وقت قياسي، وليس عندي في البيت من مواد الأكل حتى ما يلزمنا لوجبة العشاء! وأكاد أجزم أن نحو 79% من الرجال العرب لا يهمهم في كثير أو قليل أن يكون لدى أحدهم طفل حديث الولادة يصحو على كيفه، ويبكي من غير سبب، لأنهم لا يساعدون زوجاتهم في هدهدة الأطفال أو إطعامهم أو تزويدهم بمانعات التسيب المسمى البامبرز، بل يبلغ انعدام الحساسية عند بعض الرجال أنهم يهجرون غرفة الزوجية عندما تكون الزوجة تعنى برضيع.

ولأنني أستمتع بالعناية بعيالي منذ المهد، لم أكن أرى حرجا في إطعامهم أو تغيير ملابسهم الملوثة بمواد مقرفة حتى أمام الضيوف، وكانت زوجتي في بعض الأحيان ترمي معظم الحمل عليّ، لتمارس هوايتها المفضلة وهي النوم المبكر، ولكن ما أن يكبر لنا طفل حتى تحس بالندم لأنها تكتشف أنه يكون أكثر تعلقا بي، وتحاول استدراجه إليها أكثر بأن تغني له بصوتها النشاز فيزداد التصاقا بي، صونا لحسّه الموسيقي.
الخلاصة: حلال على المرأة أن تنام ساعات أطول من الرجل طالما أنها »تملأ مركزها« جيدا وتقوم بواجباتها و…… بالزيادة.

زاوية غائمة
جعفـر عبـاس