مطالبة بخفض نمو المصروفات الإنفاق العام.. الالتزام بقرارات مجلس الوزراء
تؤكد أرقام الموازنة الحالية وجود زيادة في الإنفاق العام وصلت نسبتها إلى 80% نتيجة للتوسع الكبير في الصرف بعدد وزراء يتجاوز 76 وزيراً. وبرغم الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل لتخفيض الإنفاق إلا أنها لم تثمر إيجاباً بعد التشكيل الوزاراي الذي شدد فيه رئيس مجلس الوزراء القومي بكري حسن صالح بقرار عدم سفر أي وزير إلى خارج البلاد دون موافقة المجلس وفق لائحة تلزم الوزراء بالحصول على موافقة رئيس المجلس.
ورغم تعهدات وزير المالية بتقليصه في الموازنات السابقة والحالية إلا أن الشاهد يقول بصعوبة الإجراء حيث يرى كثير من المتابعين أن الإنفاق العام من الصعب تقليصه ومن يقول ذلك يؤكد أن الإنفاق العام يتضمن أجور العاملين بالدولة ايضاً، ومن يخالف ذلك الرأي يرى بتقليص وتخفيض الاحتفالات والمهرجانات والنثريات بجانب سفر الوفود وتنظيم المؤتمرات الدولية في الخرطوم والتي تكلف الدولة كثيراً.
وكان أعضاء بالمجلس الوطني قد دخلوا في اجتماعات مكثفة ومغلقة لمناقشة دراسة حول إجراءات تقشف الحكومة التي أودعتها وزارة المالية في منشورها الخاص بإعداد موازنة العام الحالي 2018م كأحد الحلول لمواجهة عجز الموازنة البالغ 28 مليار جنيه بتوفير مبالغ توجه نحو الإنتاج.
وتشير الدراسة التي أعدتها الوزراة في مسودة الموازنة أنها تراعي تحقيق شعار البرنامج الخماسي المنتهي أجله فى 2019م والذي يهتم بزيادة الصادرات وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وشددت على تطبيق نصوص وقانون ولوائح الشراء والتعاقد لوثائق العطاءات النموذجية مع برمجة خطة الشراء السنوية بجانب الالتزام بقرارات مجلس الوزراء فيما يلي سفر الوفود الرسمية من حيث العدد والفترة الزمنية.
وسبق أن رفض مجلس الوزراء إذناً لوزير بالسفر للمشاركة في فعالية خارجية موجهاً سفارة بلاده في الخارج بالتمثيل نيابة عنه تنفيذاً للائحة المتفق عليها، إلا أن تزايد الإنفاق العام فتح الباب مجددًا ما جعل البرلمان يتدخل لمناقشة مقترح وزارة المالية الخاص بإجراءات التقشف.
وتباينت وجهات نظر كثيرين حول المعالجة، حيث يرى البعض أن المطلوب هو تحسين أوضاع الوزراء نتيجة لضعف رواتبهم التي لا تتعدى الـ13 ألف جنيه شهرياً ومن ثم وضع برنامج صارم. في الوقت الذي يطالب آخرون بالتركيز على مكافحة الفساد المالي والإداري وإعادة هيكلة المؤسسات بتطهيرها من المفسدين توطئة لإصلاح عام.
ويقول عضو البرلمان حسن رزق في تصريح سابق له إن الدولة غير جادة في تقليل الإنفاق الحكومي، مطالباً بتقليل المصروفات التي وردت في الميزانية العامة، إضافة إلى مصروفات إقامة الاحتفالات والمؤتمرات والسفر.
وقال: على مدى ثلاثين عاماً ننفق على الاستقبالات والسفر والنثريات بالدولار، ويقول: لكننى لا أرى تقشفاً سيتم قريباً، وهنالك 600 نائب برلماني و76 وزيراً و18 مجلسًا تشريعياً.
ولكن عز الدين إبراهيم وزير الدولة الأسبق بوزارة المالية أكد صعوبة تقليل الإنفاق العام، ويقول إن معناه أوسع فهو يشمل رواتب موظفي الدولة والتي لا يمكن خفضها لجهة انها متدنية، وقلل أيضاً من تخفيض السفريات والمؤتمرات باعتبار أن النسبة المحققة من ذلك قليلة ليست مؤثرة، وقال: يجب التفكير بصورة أوسع مثلاً خفض نسبة نمو المصروفات وليس خفضها بتحديد نسبة الزيادة في الميزانية قبل إجازتها من نواب البرلمان والتركيز على زيادة نمو الإيرادات مما يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي عاماً بعد عام، وعاب على نواب البرلمان إجازتهم للموازنة العامة دون فهم تفاصيلها فضلاً عن فقدانهم الخبرة في ذلك.
ويقول الخبير الاقتصادى عبد الله الرمادي إن الإنفاق الحكومي المتزايد ادخل البلاد في نفق تزايد معه الطلب على العملة الأجنبية وأدى إلى ارتفاع التضخم والمستوى العام للأسعار في الوقت الذي تعاني منه كافة القطاعات من التدهور المستمر بسبب تراجع العملة المحلية. ويرى أن المشكلة ليست في الاقتصاد أو الإمكانات بل في إدارة الاقتصاد بدرجة من الشفافية والجدية. وأضاف حتى الإنفاق لا تقابله خدمات حقيقية تضاف للناتج المحلي الإجمالي “كلما زاد عدد السياسيين زاد التضخم”. وأرجع تفاقم الأزمة الاقتصادية إلى الأزمات السياسية التي ألقت بظلالها وحالت دون تفعيل الإمكانات الضخمة التي تتوافر بالبلاد.
وطالب الاقتصادي هيثم فتحي بمنهجية ذات معايير واضحة لضبط الإنفاق الحكومي بشكل يسهل قياسه والتعرف على مقدار ما تحقق منه. ويرى أن سياسات ترشيد الإنفاق خطوة قد تسهم في خفض عجز الموازنة ورفع فرص توظيف موارد الدولة. وقال إن تطبيق هذا الأسلوب في إدارة وتوجيه الإنفاق الحكومي يسهم في ترتيب أولوياته بشكل أكثر منطقية ويساعد على التقليل وربما التخلص من الإنفاق على الجوانب الشكلية والتفاخرية والحفلات والمآدب والاستقبالات والنثريات.
ويقول إن سياسة التقشف تبقى من الحلول المناسبة للوضع الراهن للاقتصاد السوداني الذي يعاني من عجز في الموازنة وانخفاض إيرادات مقارنة بالنفقات العامة للدولة. ويؤكد أن البرنامج يتم الإعلان عنه في كل موازنة، ولكن لا ينفذ بالصورة المثلى خاصة وأن هناك برنامجاً إصلاحياً مستمرا حتى ٢٠١٩ من أهم بنودة تقليل الإنفاق الحكومي يمكنه توجية النفقات نحو زيادة الإنتاجية وبالتالي زيادة الإيرادات.
كما أن هنالك ضرورة أن تسير الدولة جنباً إلى جنب في تدشين مشروعات وتسهيل الاستثمار في البلاد، وأضاف إذا وضعت الميزانية العامة للدولة وعجزها تحت السيطرة هو ما يعني بالتبعية أن الدين العام للدولة سوف تتم السيطرة عليه من خلال إجراءات تقليل الإنفاق.
وطالب اقتصاديون نواب البرلمان بالتركيز في البنود المقترحة في الإنفاق العام، ويرى بعدم فعالية برامج التقشف التي اتبعها الحكومة نتيجة لغياب الإدارة الفعالة بل إنها تسعى إلى إرضاء أكبر قاعدة للتجمعات الحزبية ما يزيد من الترهل في الخدمة المدنية والعسكرية.
موضحين أن هياكل الدولة لن تنجح إلا بعد إعادة هيكلتها بالصورة المطلوبة، وطالب المركز والولايات والمحليات في الجهاز التشريعي والتنفيذي بتقييم وتقويم تجربة الحكم الاتحادي في المرحلة القادمة لإزالة التشوهات التي صاحبت تنفيذ هذه التجرية.
وظلت الحكومة تطالب بترشيد الإنفاق العام منذ العام 2012 عبر حزمة من الإجراءت ظل يتحملها المواطن وفقاً لبرامج رفع الدعم عن المحروقات والدقيق، ولا تدفع الدولة معه شيئاً، كما أن جميع الإجراءات التقشفية التي انتهجتها الدولة رمزية ولم تحقق أي تخفيض في الإنفاق العام، وما يدعم تلك الفرضية القفزة الكبيرة التي شهدها الإنفاق الحكومي في موازنة العام الحالي بواقع 173 مليار جنيه مقارنة بـ96 مليارجنيه للعام الماضي، أي زيادة بنسبة 80%.
الخرطوم – الصيحة