في الفردوس الأعلى مولانا “صادق عبد الله”
غيّب الموت ليلة (الخميس) الأول من أمس، مولانا “صادق عبد الله عبد الماجد” واحد من الذين ابتكروا الحركة الإسلامية وواحد من مؤسسي حركة الإخوان بالسودان، اتسم صاحب الجسم النحيل بالتواضع والتقوى ومخافة الله، كان بسيطاً في ملبسه ومأكله ومشربه، كان كالنسمة إذا تحدث معك لا تمل الجلوس إليه والإمتاع بما يقوله، عرفته عن قرب رغم أنه كان الأقرب إلى الحي الذي ولدت وترعرعت فيه، أعرق الأحياء الأمدرمانية حي ودنوناوي الذي يزخر بالعلماء والأدباء والفنانين ومشايخ الطرق الصوفية والأحزاب السياسية، ورغم أن جل الحي يتخذ الأنصارية وحزب الأمة عملاً سياسياً، ولكن لم يتعدوا على حقوق الآخرين، فكان الراحل مولانا “صادق” من جماعة الإخوان المسلمين وجعل منزل والده الذي يطلق عليه الناظر، مقراً للإخوان الذين يأتون من الولايات أو طلاب المدارس الثانوية، فقد رعاهم وهم صغار حتى كبروا ومن ثم فرقت بهم المصالح السياسية ولكنه ظل وفياً للجميع لم يتزحزح ولم يضمر الشر لأحد منهم ولم يتقرب إلى السلطان حينما أصبحت هناك مغانم، التزم منزله يدير شؤونه وشؤون أسرته والدعوة في صمت، وكان منزله المتواضع بشمبات، ملاذاً لكل محتاج إليه، وجدت عشرات من التلاميذ يظعنون معه في داره، أحسن رعايتهم وتربيتهم لم يكل أو يمل أو يشتكي لضيق الحياة، لقد توطدت علاقتي به منذ أن حدد لي موعداً لإجراء حوار صحفي في العام 1995 وأنا بصحيفة السودان الحديث، بعد أن عدت من المملكة العربية السعودية.
كان اللقاء بمقر إقامته في نمرة (2)، لا أنسى ذاك اليوم الذي جلست معه من الحادية عشرة صباحاً، وحتى الرابعة عصراً، تناول الحوار منذ نشأته ودراسات بالسودان وكيف ذهب إلى جمهورية مصر العربية وكيف درس الحقوق ومن الذي وقف معه في تلك الظروف العصيبة بالقاهرة، ومن هم زملاء دراسته وكيف قابل الشيخ “حسن البنا”، ولم يغفل الحوار حتى الغناء في حياته ومتابعته للشعر وقصيدته بعنوان “سلوا قلبي” التي تغنى بها الفنان القامة “الكاشف”.. أذكر حينما طال الحوار ونحن بمكتبه أشفق عليه بعض تلاميذه.. فاقتحموا الباب وتعجب من تصرفهم لأنني كنت أسجل اللقاء كتابة ولم يكن معي جهاز تسجيل، فكنت أكتب كل كلمة يقولها ولذلك أخذ الحوار ذاك الوقت الطويل، فعندما دخل عليه أولئك الشباب وحاولوا أن يعنفوني بأنه شيخ كبير ولا يحتمل كل هذا الوقت، كانت إجابته لطيفة قائلاً يعني أنا أسمن منه، فنحن الاثنان نخاف، فخرجوا بعد ذلك في صمت إلى أن أكملنا الحوار وتم نشره على عدد من الحلقات بصحيفة السودان الحديث، وكان أول حوار تقريباً يتعرض إلى مسيرته السياسية الذاتية، ومنذ ذاك التاريخ فنحن أصدقاء أزوره بين الفينة والأخرى حتى قطعتني عنه مشاغل الدنيا.. ألتقيته قبل أشهر بمسجد النيلين فبدأ مداعبة أين أنت كل هذا الوقت.. قلت المشاغل.. فقال لي نشوفك إن شاء الله.. قلت له إن شاء الله.. ولكن إرادة المولى كانت أقوى من أن نلتقي قبل أن يفارق هذه الدنيا.. فقرأت رحيله عبر الوسائط وحزنت لأنني لم أودعه قبل رحيله.. ألا رحمه الله رحمة واسعة بقدر ما قدم لهذه الأمة والبركة في أسرته الكبيرة والصغيرة.
صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي