زاهر بخيت الفكي

قالوا وصدقناهم ..!!


هاجر عبدو الشهير بقُنبلة إلى ليبيا بعد أن باع (الحواشة و الكارو والحُصان).. كان نصيب أسرته من غُربته الطويلة (صفر) عاد منها بعد عُقود من الزمان لم يُضيف فيها شيئاً سوى اسم شُهرِته وقد تغيّر من قُنبلة إلى عبدو قنابل بعد أن ازدادت كمية مُفرقعاته وقنابله ..
سألوه عن مشروعه في السودان بعد الغُربة الطويلة.. أجابهم وبلا تردد.. أنّه (ينوي) إن شاء لله شراء كارو (حمار)..
جاءت الإنقاذ لتنقذنا وترفع عن كاهلنا مُعاناة ما سبقها من أنظمة وصدقّناها..
المصانع كانت تدور وتصنع والمشاريع تُزرَع وعجلة الحياة تسير ببطء (نعم) تعترضها بعض المُعوقات القابلة للإزالة أثناء دورانها ولكنّها على أي حال كانت تدور ولم تتوقف..
سعر الدولار ( ۱۲ ) جنيه فقط خافوا علينا من أن يصل إلى ( ۲۰ ) جنيهاً وصدقّناهم..
الخُبز كان شحيحاً في المخابز ولكن الذُرة كانت على قفا من يشيل والإنتاج الزراعي والحيواني كان يكفي حاجة البلاد ويفيض وميناء بورتسودان كانت حركة الصادر فيه رُبما تتفوّق على الوارد والميزان التجاري لم يختل بعد..
دول العالم بلا استثناء كانت مُشرعةِ الأبواب لمن يُريد الهجرة إليها من أهل السودان..
كُنا نذهب وقتها إلى مكاتب النقل العام والبترول الواقعة كانت في الجهة الجنوبية لمباني ولاية الخُرطوم شارع الجامعة، نُطالب من بيدهم سُلطة التصديق على البترول علّنا نحظى منهم بوقودٍ لا يتجاوز في كثيرٍ من الأحيان إن أسعدنا الحظ ( ٥) جالون بنزين تُصرف من محطات مُعينة يتوفّر البنزين فيها لكُل من يحمل تصديق أو كرت صرف صادر من نفس المكتب محدود الكمية للمركبات العامة في زمانٍ لم يكُن السودان ينتِج فيه جالوناً واحداً من النفط ، لا تزاحُم ولا تدافُع ولا غلاء يُذكر في الأسعار ..
وعدونا بانفراجِ الحال وصدقّناهم.. وكأنك يا أبوزيد لا غزيت ولا شُفت الغزو وكما عاد عبدو قنابل من مهجره عادت الإنقاذ إلى زمان ما قبل مجيئها ورُبما أسوأ ، اصطفاف الناس الطويل المُمل في محطات الوقود يُنبئ عن خللٍ واضح ومرض لم تضع الإنقاذ يدها عليه بغرض مُداواته ، لن ننتظر من أحدهم الاستقالة كما عودونا دائما..
أما يخشى هؤلاء على أنفسهم من يوم حسابٍ لا يُستثنى فيه أحد منّا ..؟
أما يستحي هؤلاء وهُم يَرُون هذه المناظر الكئيبة من وراء زجاج سياراتهم الفارهة المُظلل المملوءة بالوقود المجاني خصماً على حصة من يصطفون..؟
ارتحلت بنا الإنقاذ لعقود من الزمان في رحلة طويلة عُدنا منها يد ورا ويد قدام ، والمشهد الأن يُحدِث بوضوح تام ما وصلنا إليه ونحن ما زلنا نركب في قطار الإنقاذ المُتهالِك ونقف في محطة كئيبة بائسة الله وحده يعلم ما هي ملامح محطة وقوفه القادمة والتي سوف نصلها إن شاء الله بلا زوادة في حال أن وصلناها..
والله المُستعان..

بلا أقنعة – زاهر بخيت الفكي
صحيفة الجريدة