تحقيقات وتقارير

توعّد المُفسدين وحَمَلة السلاح ومُخرّبي الاقتصاد وقيادات بنكية.. رئيس الجمهورية.. حملة (الصيف) البتّار


لبشير: سنُتابع المعالجات حتى نسترد أموال الشعب المنهوبة

شبكات فساد ممتدة داخل الجهاز المصرفي استهدفت سرقة أموال الشعب

الدولة لن تسمح بالجمع بين العمل العسكري والسياسي

القوات المسلحة في اليمن باقية لحين استعادة الشرعية هناك

علي الحاج يطالب بإلغاء الكتائب الجهادية في الجامعات

عائشة الغبشاوي: هذا هو الإسلام الذي نريد

عبد الرحمن الصادق المهدي يُغادر البرلمان عقب كلمة الرئيس مباشرة

الخرطوم: صابر حامد

(24) دقيقة حفلت بالكثير المثير، وكانت كافية تماماً لتوجيه إنذار شديد اللهجة للفساد وللمفسدين ومخربي الاقتصاد. وحفلت كذلك بالوعيد في حق السياسيين المتحالفين مع الحركات المسلحة وأذرعها بالجامعات.

(24) دقيقة هي مدة تلاوة الرئيس عمر البشير خطابه حول الأداء العام للدولة في العام 2017م أمام الهيئة التشريعية القومية (البرلمان ومجلس الولايات) في فاتحة دور أعمالها بالرقم سبعة يوم أمس (الإثنين)، حيث قوبل حديث الرئيس بالتكبير من النواب ووصفوا ما احتواه بـ(الإسلام الحقيقي).

قبل البداية

شبه هدوء تام كان يسود باحة المجلس الوطني صباح أمس خلافاً للدورات البرلمانية السابقة التي تشعر بسخونتها قبل دخول الرئيس البشير مبنى المجلس الوطني. لكن عندما تتجول في البرلمان تجد مبرراً للهدوء حيث انهمك النواب في البحث عن أرقام مقاعدهم داخل (القبة) بعد عملية إعادة التجليس التي أجرتها الأمانة العامة. يضاف إلى ذلك توقف (كافتيريا) البرلمان حيث أبدى عدد من النواب تضجرهم من عدم تناول وجبة الإفطار بسبب عمليات الصيانة في الكافتريا مما اضطر بعضهم للخروج من (باحة) البرلمان قبل بداية الجلسة لتناول الإفطار.

رئيس الهيئة

خلال حديثه في فاتحة دور انعقاد الهيئة التشريعية القومية أكد رئيس الهيئة بروفيسور إبراهيم أحمد عمر وقوف الهيئة مع الحكومة لدعم جهودها بالفكر وسن التشريعات لتنفيذ برنامج إصلاح الدولة ومخرجات الحوار، وجدد دور الهيئة في القيام بالعمل الرقابي والتشريعي في إطار التكامل بين الجهازين التشريعي والتنفيذي، بعدها قدّم الرئيس عمر البشير لتلاوة خطابه أمام الهيئة التشريعية.

كلمة الرئيس

بدأ الرئيس عمر البشير خطابه بتحية الهيئة التشريعية القومية، وحياً عبرها (الشعب السوداني الأبي الكريم الصابر الذي قال إنه اتحد خلف قيادته السياسية). مشيراً إلى الدور المتعاظم الذي قامت به الهيئة في إجازة القوانين التي اقتضتها التعديلات الدستورية والقانونية التي تضمنتها مخرجات الحوار الوطني وموازنة العام 2018م.

وتناول الرئيس البرنامج التركيزي لترتيب أولويات الدولة (2018-2020م) الذي أعلنه في خطابه أمام الهيئة في أكتوبر الماضي القائم على حفز ودعم جهود الولايات في تنفيذ برنامج شامل وفق مراحل زمنية يفضى إلى توفير الخدمات، وأشار إلى أنه ولتطبيق البرنامج سجل رئيس الجمهورية ونائباه زيارات لعدد من الولايات بغية تطبيقه، وتحدث الرئيس عن مخرجات الحوار الوطني ودورها في إنجاح حملة جمع السلاح التي نفذتها رئاسة الجمهورية بـ(17) ولاية عدا الشمالية.

المرحلة الثانية للحوار

قال الرئيس عمر البشير في خطابه إنه وفي إطار روح الوفاق الذي أسست له الوثيقة الوطنية شرعت الحكومة في إجراء مشاورات لتشكيل الآلية القومية لوضع الدستور الدائم للبلاد على أن يكون لكل مواطن فيه سهم وأن تقره الإرادة الشعبية الغالبة، ولتحقيق ذلك أعلن الرئيس الشروع في مقبل الأيام في إطلاق المبادرة الرئاسية للحوار حول الدستور لتجسد المرحلة الثانية من الحوار الوطني بمشاركة غير مسبوقة بدعوة كافة قوى الحوار الوطني من أحزاب وتنظيمات سياسية وحركات وقوى مجتمع فاعلة ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات ورموز قومية للمشاركة فيها ليأتي ميلاد الدستور ومضامينه على النحو الذي يرتضيه الشعب، وقال إن الدستور سيطرح للشعب للاستفتاء عليه ليكون ركيزة مشروعنا الوطني لبناء حياتنا العامة ونهضتنا الشاملة، وأكد أن الرئاسة ستكون وفية لما تراه الجمعية العمومية للحوار سواء عدلت توصياتها حول إجازة الدستور عقب انتخابات 2020 وقررت إجازته في البرلمان الحالي أم أقرت التوصية بالإجازة عقب الانتخابات.

دعوة حاملي السلاح

وواصل الرئيس البشير خطابه أمام الهيئة التشريعية مجدداً الدعوة لحاملي السلاح والقوى الممانعة للانضمام إلى ركب الوفاق الوطني والإسراع بإعلان المشاركة السياسية في حوار دستور البلاد المرتقب، وذلك بنبذ العمل المسلح والانخراط في العمل السياسي وتكوين أحزابهم وتنظيماتهم السياسية التي يرغبون فيها.

تهديد

بصورة توحي بالحزم والوعيد، هدد الرئيس البشير بحسم الأحزاب السياسية المتحالفة مع الحركات المسلحة وخيّرها بين العمل المسلح ومواجهة عواقبه أو نبذه واللجوء للعمل السياسي في إشارة لتحالف نداء السودان الذي يضم حزب الأمة القومي، وحركات مسلحة، وقال البشير: (نُعلنها أمامكم وبوضوح لا لبس فيه لا تخويفاً ولا ترهيباً بل التزاماً دستورياً بإعمال مقتضيات القانون بأننا لن نسمح مطلقاً بالجمع ما بين العمل العسكري المضاد للدولة والعمل السياسي تحت أي مسمى جاء، فلا يمكن لدولة لديها مسؤولية أمام الله وأمام دستورها أن تسمح لقوى تروع مواطنيها وتسلبهم وتقتلهم بأن يكون لها ذراع سياسي في داخل البلاد وتشارك في العملية السياسية فكل من يعتقد أنه يمكن له ذلك، فهو واهم وفاقد بصر وأعمى بصيرة أو مغرر به، ولا خيار له إلا أحد أمرين، إما حمل السلاح وعندها سنواجهه بالحسم اللازم وإما العمل السياسي وعندها لا بد له من إعلان صريح وواضح بنبذ العنف وترك السلاح والانخراط في العملية السياسية ولن يعترينا أي تردد في تنفيذ مقتضيات أمن مجتمع وتأمين دولة).

بالمرصاد لعنف الطلاب

قطع الرئيس بأن الحكومة لن تسمح للتنظيمات الطلابية في الجامعات أن تكون أيادي لحركات تحمل السلاح وتابع: (سنفرض الأمن في داخلها بقـوة القانون ومن أراد أن يعيش في أوهامه ويظل في غيبوبة سياسية ويكابر فليجرب ونحن له بالمرصاد).

هاتف (المهدي)

بعد انتهاء الرئيس البشير من خطابه مباشرة غادر مساعده عبد الرحمن الصادق المهدي المجلس الوطني وترك خلفه تساؤلات تشير إلى أن الحديث عن العلاقة بين العمل السياسي والحركات المسلحة الذي تناوله الرئيس في خطابه وتهديده للأحزاب المتحالفة مع الحركات يقصد به والده رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، وفسر بعض الحاضرين بأن مغادرة عبد الرحمن تشير لعدم رضاه من الحديث، ما يعضد هذه الفرضية نسيان عبد الرحمن هاتفه المحمول في المجلس الوطني، وأفادت متابعات (الصيحة) أن إدارة المراسم بالبرلمان تحصلت على هاتف مساعد الرئيس بعد مغادرته البرلمان دون تناول (الفطائر والشاي) المعدة للجهاز التنفيذي عقب خطاب الرئيس.

تخريب الاقتصاد

أقر الرئيس البشير خلال خطابه بأن الاقتصاد واجه مطلع العام الحالي جملة من المشكلات تضافرت فيما بينها لتؤدي لتدهور في سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وقال إنه ليست هناك ندرة في النقد الأجنبي بدليل توفر كل السلع المستوردة وبكميات كبيرة، وأعاد الرئيس الأمر لوجود مضاربة جشعة من حفنة من تجار العملة ومهربي الذهب والسلع التموينية، وقال إنهم قلة يتحكمون في كل شيء ولهم امتداد في الجهاز المصرفي ساعدهم في التهرب من توريد حصيلة الصادر مما أدى إلى تصاعد تكلفة المعيشة جراء التصاعد غير المألوف وغير المبرر في صرف العملات الأجنبية، ووضح أن هناك شبكات فساد مترابطة استهدفت تخريب الاقتصادي القومي من خلال سرقة أموال الشعب، لذلك كان لا بد من تدخل رئيس الجمهورية بحكم مسؤوليته الدستورية عن الاقتصاد الكلي الذي شهد استهدافاً مباشراً لضرب استقرار البلاد وزعزعة أمنها، مشيراً لاتخاذ جملة من الإجراءات لضبط سوق النقد الأجنبي بالقضاء على السوق الموازي داخل وخارج البلاد، فضلاً عن اتخاذ إجراءات لجذب الكتلة النقدية داخل الجهاز المصرفي وكذلك اتخاذ الإجراءات المطلوبة لمنع تهريب الذهب وسيطرة الدولة عليه تسويقاً وتصديراً ومتابعة حركته من مواقع التعدين وحتى وصوله لبنك السودان بعد أن قررنا أن تكون الدولة هي المشتري الوحيد للذهب.

(بتر) المركزي

أشار الرئيس البشير خلال خطابه أمام الهيئة التشريعية القومية لمراجعة أوضاع الجهاز المصرفي واتخاذ إجراءات عقابية ضد البنوك والشركات التي تصرفت في حصيلة الصادر، لا سيما تلك المصارف والشركات التي تم كشف فساد مالي فيها، وقال إن الحكومة ستوالي مراجعة وتفتيش وتقويم البنوك الخاصة والعامة وعلى رأسها بنك السودان المركزي الذي سوف نتخذ فيه إصلاحات هيكلية بعضها تنظيمي والبعض الآخر بتار، وأكد الرئيس متابعة الإجراءات ومعالجاتنا حتى نسترد أموال الشعب المنهوبة، وأضاف: (لن يفلت أحد من العقاب، وأنها حرب على الفساد في كل مكامنه ومخابئه وهي حرب في بدايتها ولن تقف إلى أن تحقق أغراضها لتنتهي فيها عمليات تهريب الذهب والمضاربة في العملة واحتكار السلع الضرورية).

من أين لك هذا؟

أعلن البشير عزم الحكومة تطبيق قانون الثراء الحرام ومن أين لك هذا بصرامة للكشف عن المال الحرام والمشبوه وغسيل الأموال، وتابع: (سنظل في متابعة إجراءاتنا لملاحقة المتلاعبين داخل وخارج البلاد حتى يسترد اقتصادنا الكلي عافيته تماماً ونوظف موارد البلاد في خدمة مطلوبات تنميتها وتوفير احتياجاتها الضرورية).

النواب يقاطعون الرئيس

وجدت كلمة الرئيس البشير حول الفساد ومحاربته ترحيباً كبيراً وسط النواب داخل قاعة المجلس الوطني، وخلال حديث الرئيس ظل عدد كبير من النواب يرددون (الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) تعبيراً للارتياح من حديث الرئيس حول محاربة الفساد وتفعيل قانون الثراء الحرام ومن أين لك هذا، بينما رفعت العضو عائشة الغبشاوي صوتها عالياً مقاطعة للرئيس قائلة: (هذا هو الأسلام الذي نريد).

مصر ودول الجوار

وفي ختام خطابه أمام الهيئة التشريعية القومية تحدث الرئيس البشير عن علاقة السودان مع دول الجوار والدول العربية والأجنبية، وقال إن الحكومة وظفت دبلوماسية الرئاسة في تحقيق نقلة نوعية في علاقاتنا مع الشقيقة مصر على قاعدة الوضوح والشفافية والمصالح المتبادلة وحماية السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، معبراً عن أمله في أن تشهد مقبل الأيام جهوداً مكثفة للانتقال بالعلاقة بين البلادين إلى مستوى يكافئ عمق الروابط الأزلية بين الشعبين، فضلاً عن تنمية العلاقة مع دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى لتحقيق الأمن على الحدود بمشاركة الأطراف المعنية وتحديد موقف ثابت عبر مختلف وسائل التواصل واللقاءات بأننا مع الإيقاف الفوري للحرب اللاإنسانية في دولة جنوب السودان، مشيراً للتوجه لدول القرن الإفريقي بمبادرة بناءة لإطلاق تجـمُع اقتصادي لدول القرن الإفريقي تلتئم قمته في الخرطوم قبيل نهاية شهر أبريل الحالي لحشد جهود هذه الدول من أجل التنمية المشتركة لمجتمعاتها.

مواصلة التحالف العربي

وحول العلاقة مع الدول العربية قال الرئيس إنها شهدت تطوراً ملحوظاً نحو تحقيق الغايات المشتركة ودفع جهود الاستثمار في البلاد، معلناً استمرار القوات المسلحة في تنفيذ مهامها ضمن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن إلى أن تحقق أهدافها النبيلة.

العلاقات الدولية

وعلى المستوى الدولي، قال الرئيس عمر البشير إن السودان حقق في الفترة الماضية اختراقات مهمة على الصعيد الأوروبي والأسيوي والأمريكي بعد قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان، وأشار إلى أن الحكومة تترقب الانتقال إلى المرحلة الثانية من الحوار الأمريكي توطئة لرفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقال إن الجهود التي اضطلعت بها دبلوماسية الرئاسة عبر زيارات رئيس الجمهورية ونائبيه في بناء علاقات استراتيجية من أجل التنمية مع الصين وروسيا وتركيا ومنظور أن نصل إلى هذا المستوى الاستراتيجي من العلاقات مع بقية دول البركس لاسيما الهند.

خطاب إيجابي

عدد من النواب والسياسيين وصفوا خطاب الرئيس البشير بالإيجابي والمواكب للمرحلة الحالية، واعتبر الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. علي الحاج في تصريحات صحافية، الخطاب بالإيجابي والمواكب بتركيزه على محاربة الفساد، وقال إنه حديث جيد، داعياً للاستعجال في إنشاء مفوضية مكافحة الفساد، وحول حديث الرئيس عن العنف الطلابي طالب علي الحاج بإلغاء الكتائب الجهادية بالجامعات التابعة لطلاب حزب المؤتمر الوطني، مشيراً لوجود روح إيجابية من قادة الحركات المسلحة في الوصول للسلام، وتابع: (الحكومة والحركات المسلحة وصلا الحد وأنهكوا من الحرب).

بدوره قال رئيس كتلة التغيير بالبرلمان أبوالقاسم برطم إن الجزء الأهم بالخطاب هو الحديث عن الفساد لجهة أن الرئيس اعترف بوجود فساد ويسعى لمحاربته، وطالب بمحاربة الفساد دون استثناء، مبدياً أمله في تطبيق ما تناوله الرئيس في خطابه.

كما وصف البرلماني محمد علي نمر خطاب الرئيس بالقوي خاصة ما يلي الحديث حول محاربة الفساد حال تطبيق ما جاء في الخطاب. وقال البرلماني محمد طاهر عسيل إن الخطاب مختلف عن بقية خطابات الرئيس السابقة لاعترافه بوجود الفساد، مشيراً إلى أن الحديث عن الحركات المسلحة والعمل السياسي إذا كان يقصد به رئيس حزب الأمة القومي لمشاركته في نداء السودان مع الحركات المسلحة يصبح الأمر مشكلة حقيقية.

صحيفة الصيحة.