عشرة سودانيين من ليبيا (الدواعش) .. ما وراء العودة !!
استعاد جهاز الأمن والمخابرات الوطني، أول من أمس (الإثنين) عشرة من المقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية – داعش في ليبيا، وأعادهم إلى الخرطوم بعد أن أفلح في توقيفهم خلال عملية مشتركة بالتنسيق مع عدد من الجهات في ليبيا .
وكانت الأجهزة الأمنية نجحت في أوقات سابقة العام الماضي في إعادة عدد من السودانيين الشباب الذين التحقوا بصفوف تنظيم داعش في سوريا وليبيا والعراق. وتسلمت الحكومة السودانية من السلطات الليبية في أغسطس من العام (2017) ثمانية أطفال سودانيين، قتل آباؤهم أثناء قتالهم في صفوف التنظيم في مدينة سرت الليبية.
وهناك عدد من الشباب السودانيين قتلوا أثناء قتالهم في صفوف “داعش” في العراق وسوريا وفي ليبيا خلال المعارك الحاسمة لتحرير مدينة سرت الليبية، وقُدروا بحوالي 20 شخصاً، حيث لا تتوافر إحصائيات رسمية بعدد السودانيين الذين قضوا في قتالهم إلى جانب التنظيم.
إحصاءات
تضاربت الإحصائيات حول أعداد السودانيين في صفوف داعش، وكان وزير الداخلية أعلن العام الماضي أمام البرلمان أن نحو 70 مواطناً سودانياً من الجنسين التحقوا بتنظيم “داعش” في ليبيا وسوريا، فيما أعلن المركز الليبي لدراسات الإرهاب في دراسة له أن السودان يحتل المرتبة الثالثة في عدد المقاتلين بصفوف “داعش” بوجود (455) مقاتلاً من مواطنيه في صفوف التنظيم بليبيا.
واصطُلح إعلامياً على وصف عام (2015) بعام (داعش) في السودان نظراً لمغادرة عدد من الطلاب وشباب آخرين من وجهات مختلفة قصدوا التنظيم المتطرف في ليبيا سالكين الطريق البري الرابط بين السودان وجارته الشمالية الغربية.
سوابق
يُذكر أن السودان عرف أول حالة عنف ناجمة عن التطرف في العام 1994، عندما أقدم أحد المتطرفين العرب ويدعى محمد الخليفي على مهاجمة أحد المساجد في مدينة الثورة بأم درمان وقتل وجرح ما يزيد عن خمسين شخصاً. تلى ذلك حادثة مشابهة في العام 2000 عندما اعتدى المدعو عباس الباقر (سوداني) على مصلين في مسجد بضاحية الجرافة شمال أم درمان أثناء أدائهم صلاة القيام (التراويح) وأطلق النار عليهم بشكل عشوائي وقتل عشرين شخصاً فضلاً عن جرح آخرين.
سلوك سوداني
وصف المنسق العام لتيار الأمة الواحدة د. محمد علي الجزولي لـ(الصيحة) مسعى السلطات الأمنية والحكومية لإعادة هؤلاء الشباب بالسلوك السوداني، مضيفاً بأن سعي الدولة لاستعادة أبنائها، يعد توجهاً إيجابياً، وأنه سعي يختلف عن الدول الأخرى التي تخشى عودة هؤلاء الشباب لأنها تتوقع أن يخلقوا مشاكل أمنية ويزعزعوا استقرارها.
وأضاف الجزولي بقوله: (أما ما يتعلق بأي أفكار عادوا وكيفية السيطرة عليهم، بالتأكيد ليست هناك طرق للسيطرة عليهم إلا عبر الحوار، لأن عودتهم ليست بالضرورة أنهم غيروا أفكارهم لأن الأفكار لا تتغير باعتبار أن الشخص لديه قناعات فكرية لا تتغير بالمطاردات أو الاعتقالات) وطالب الجزولي بضرورة إدارة نقاش فكري حر مع هؤلاء الشباب، وألا يتم هذا الحوار وهم معتقلون أو في أيدي الأجهزة الأمنية، مرجعاً ذلك إلى أن الحوار في الاعتقال غير مجدٍ، لذلك يجب حوارهم حول رؤاهم وأفكارهم، مشترطاً أن يتم عبر علماء معتدلين وليسوا منحازين، ويكون بموضوعية لأن هناك علماء غير موضوعيين في نقاشهم. وختم الجزولي بالقول: (ليست هناك حلول غير إقناعهم أو التعايش مع الاختلاف وأن يعذر بعضنا البعض، خاصة وأن الحلول الأمنية أثبتت فشلها).
القواسم الفكرية
وأبدى الخبير في شؤون الجماعات الاسلامية، الهادي محمد الأمين، استغرابه لعودة هذه المجموعة، وقال لـ (الصيحة) إن الغرابة تكمن في تبني السلطات الرسمية عودتهم، وهذه تحدث لأول مرة منذ بداية تسلل هؤلاء الشباب للالتحاق بالقتال في صفوف داعش وبعد وصولهم تنقطع أخبارهم، والآن تسعى السلطات الرسمية للتقصي حول إمكان وجودهم في ليبيا والوصول إليهم ومحاورتهم وإقناعهم بالعودة.
وأشار الأمين إلى عدد من السودانيين موقوفين بتهم الإرهاب في دول أخرى، لكن ليست هناك جهود من قبل الدولة لإطلاق سراحهم، على عكس ما تم من جهود بشأن المقاتلين في صفوف داعش وإعادتهم، وهذا يجعلنا نتساءل لماذا الاهتمام بمجموعة ليبيا.
وعن كيفية التعامل والسيطرة على هؤلاء الشباب العائدين قال الأمين هؤلاء الشباب مصممون تصميماً خرسانياً، لذلك من الصعب جداً السيطرة عليهم وإقناعهم بالتخلي أو العدول عن أفكارهم، وذلك لعدة أسباب في مقدمتها أن هؤلاء الشباب يكفرون مؤسسات الدولة ممثلة في الأمن والجيش والشرطة، بجانب أن قناعتهم مهتزة في الهيئات التي تجمع العلماء الذين يجلسون إليهم لمحاورتهم لإقناعهم فتجدهم غير مقتنعين بالهيئات الدينية أو رجال الدين والجماعات الإسلامية لعدم وجود جسور للتواصل معهم، وهناك انقطاع للتواصل بينهم وبين هذه الجهات .
ونبه الأمين إلى ضرورة أن تكون هناك قواسم فكرية مشتركة بين هؤلاء الشباب والجهات التي ستجلس للحوار معهم وإقناعهم بالعدول عن أفكارهم.
ولادة
استبعد الأمين أن يتولد من هذه العودة تنظيم جديد، كما حدث عند عودة المقاتلين الأفغان، مستنداً في ذلك لعدم وجود تدفق منظم للمقاتلين، كما حدث بعد الحرب الأفغانية، وإن تم تبنيهم من أي جهة، فهذا يعد مؤشرا خطيراً، لكن إن تم توفيق أوضاعهم عقب إقناعهم بتغيير أفكارهم، فذلك المكسب الأكبر.
وحذر الأمين من أن هؤلاء الشباب يستخدمون التقنية في تعاملاتهم، كما أبدوا قناعة بعودتهم فإنه من الوارد كذلك أن يغيروا أفكارهم، إلا أنه عاد وقال لذلك من الصعب أن تطمئن إليهم لأنهم لديهم رأي في الحكومات القائمة. وختم: هناك سيناريوهات كثيرة لقراءة هذه العودة.
الخرطوم – الطيب محمد
صحيفة الصيحة.