زهير السراج

قعدة فى صحيفة !!


* بعد أن يئس (إبراهيم منعم منصور) من تسويق مذكراته الشخصية التى لا تساوى الحبر الذى كتب به، لم يجد إلا التشكيك فى انتفاضة ابريل 1985 لتسويق المذكرات المضروبة التى تشبه كتابات تلاميذ الابتدائى أو ربما أقل من ذلك، ولم يكن غريبا أن يجد ضالته فى صحيفة عُرف صاحبها بخداع القراء وإيهامهم أنه ضد مخططات وألاعيب النظام الفاسد الذى يحكم البلاد، بينما هو غارق لأذنيه فى حياكة هذه المخططات!!

* يقول السادن المايوى وأحد أهم وزراء النميرى المطيعين، وصانعى سياساته الخربة ( إبراهيم منعم منصور)، إن ثورة ابريل العظيمة ليست سوى محض مؤامرة أو صنيعة أمريكية، خطط لها نائب الرئيس الأمريكى (جورج بوش الاب) الذى كان وقتذاك (1984 ) نائبا للرئيس الامريكى (رونالد ريجان)!!

* يزعم (منصور) إن (بوش) إجتمع إبان زيارته للسودان فى ذلك العام، بعدد من السياسيين السودانيين فى السفارة الأمريكية بالخرطوم لترتيب انقلاب على نظام نميرى، وتولية حكومة على البلاد برئاسة نائبه (عمر محمد الطيب)، على أن يتولى (الصادق المهدى) رئاسة الوزارة، وجوزيف لاقو رئاسة حكومة جنوب السودان !!

* تقضى الخطة ــ كما يقول (منصور) فى جلسة باسم (كوب شاى) بمقر الصحيفة إياها ــ بإقناع نميرى بالسفر الى الولايات المتحدة للعلاج، وفى أثناء وجوده خارج السودان يعلن اللوء عمر محمد الطيب حالة الطوارئ، ثم يعلن حل الاتحاد الاشتراكي، وبقية مؤسسات نظام نميري السياسية ويتولى رئاسة البلاد!!

* ويسهب الراوى فى ذكر التفاصيل المثيرة اعتمادا على ثلاثة شهود، أحدهم مدير مكتب اللواء عمر الطيب، وقريبه فى نفس الوقت، وهو شخص يدعى (محمد بخيت)، والثانى (جوزيف لاقو)، أما الثالث فيمتنع (منصور) عن ذكر إسمه (لأضفاء إثارة على الحديث الفج على طريقة الروايات البوليسية)، بغرض تسويق المذكرات البائرة، ويزعم أنه صديق للصادق المهدى، ولا أدرى لماذا لم يستنطق صاحب الرواية الخيالية المثيرة السيد (الصادق المهدى) نفسه، وهو أحد أطراف المؤامرة، بل رئيس وزراء حكومة الانقلاب ــ حسب الرواية!!

* ومن المضحك أن تتضمن الخطة التى ذكرها السادن (منصور) وروَّج لها فى جلسة كوب شاى يبدو انه كان من نوع خاص يفتح الشهية ويطلق العنان للخيال، فيسرح ويمرح كما يشاء، ويبدع فى حشد التفاصيل المثيرة التى تعجز روايات مثل (الف ليلة وليلة) فى إبداع مثلها، التجار المسلمين لاغلاق محلاتهم التجارية فى يوم الأحد كما يفعل أقرانهم المسيحيون، ويكون ذلك بمثابة إضراب عن العمل يعزز فرص نجاح الانقلاب .. (يا اخوانا الشاى ده ما تدونا منو شوية) !!

* والذى يضحك أكثر فى هذه الخطة الماكرة أن يكون صاحب اقتراح اغلاق التجار المسلمين لمحلاتهم يوم الأحد أسوة بأقرانهم المسيحيين، هو رئيس الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق .. تخيلوا جون قرنق يريد أن يسقط نظام نميرى بامتناع التجار المسلمين عن ممارسة تجارتهم يوم الأحد، ولكن لا غرابة فى ذلك، فحسب اعتراف (منصور) نفسه إنه عرف بهذا الجزء من المخطط الانقلابى فى (قعدة) بأحد فنادق لندن!!

* تخيلوا .. إلى أية درجة يكون فيها الخيال مخلصا لصاحبه حتى يساعده فى تسويق مذكراته البائرة التى لم تجد من يشتريها !!

* ولدينا سؤال: لماذا لم يتحقق هذا السيناريو الامريكى المضحك الذى رسمه خيال (جلسة الشاى)، بعد الانتفاضة العارمة التى قضى بها الشعب السودانى على نظام فاشى دكتاتورى فاسد كان إبراهيم منعم منصور أحد أهم سدنته وقادته، والمسؤول الاول عن إفساد إقتصاد البلد الذى كان يحكمه ويتحكم فيه؟!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة