تحقيقات وتقارير

الكورسات الصيفية ..مخاطر تربوية ومكاسب أكاديمية

تباينت الرؤى حول جدوى وأهمية الكورسات الصيفية التي تنطلق بشكل دوري مع نهاية العام الدراسي، إذ وضعت (الإنتباهة) هذا الملف المتشعب ما بين أصول التربية وصعوبة المناهج وإرهاق الطلاب الذين صاروا في (دوامة) الحصص طوال العام،

فهناك من يرى أهمية هذه الكورسات نسبة للضعف الأكاديمي، وهناك من يرى غير ذلك، إذ يعتبر العطلة الصيفة لنقاهة الطالب وتلبية احتياجاته الأخرى وإشباع رغباته وهواياته وامتاعه بزمنه، كل تلك الإفادات تم تدوينها للخروج بخلاصات تجعل القارئ الحصيف يلتقطها لمساعدة ابنه في كيفية قضاء عطلته بطريقة صحيحة وسليمة.

سرقة الطفل

الخبير التربوي والرئيس السابق لاتحاد أصحاب المدارس الخاصة بولاية الخرطوم حسن علي طه يرى أن العطلة الصيفية تشكل هاجساً لأولياء الأمور والمجتمع معاً، وقال لـ(الإنتباهة): يتوجب على أولياء الأمور أن ينظروا للواقع الذي يعيشه أطفالهم وليس الواقع الذي عاشوه في فترات سابقة، فالطفل اليوم تمت سرقته بوسائط حديثه وبقنوات جاذبة وبشارع جديد لا يشبه واقع زمان، فتلك الشواغل الحديثة بها عناصر جاذبة وتوفر للطفل مرحاً وفرحاً لا يوجد في غيرها.
وفي ما يتعلق برؤيته للكورسات الصيفية، قال علي حسن: يتوجب علينا كآباء قبل أن نكون معلمين أن نحرص على مستقبل أطفالنا الأكاديمي والعلمي، في ظل تدهور كبير لمستوى التعليم. وبحسب رؤيتي فإن الكورسات الصيفية التي تُقام في المدارس يجب أن تخصص للصفوف النهائية (الثامن والثالث). لكني أتمناه للطلاب بكل المراحل لما أجده من ضعف في الأكاديميات، شريطة أن يكون الكورس وفق ضوابط وقياس حتى نتمكن من معرفة مستوى الطفل والى أين وصل؟ وماهي درجة الاستفادة من الكورس الصيفي، منتقداً الآراء التي تناهض الكورسات الصيفية، وقال: المدرسة أصبحت الملجأ الأخير الذي يحافظ على هوية الطفل، لذلك كلما زاد ارتباط الأولاد بالمدارس كل ما عاد أطفالنا الى الاتجاه السليم ..

برمجة الكورسات

لم يختلف الأستاذ عصام الدين أسامه كريم – مدير مدرسة ثانوية نموذجية- كثيراً في رأيه حول الكورسات عن المتحدث السابق، وقال رغم أن العطلة الصيفية للاستجمام، إلا أنها وفي ظل هذا الواقع يتوجب أن تستغل للتقوية الأكاديمية من خلال الكورسات الصيفية، باعتبار أنها -أي العطلة- طويلة وقد تمتد لأكثر من ثلاثة أشهر، إلا أنه اشترط التنوع في المناشط خلال العطلة وذلك تلبية لرغبات الأطفال من مسرح ورياضة ورحلات، ونوه الى أن هذه المناشط يتوجب ألا تتعدى نسبتها الـ(10%)، على أن تكون نسبة الـ(90%) للأكاديميات،

لا للكورسات الصيفية

الخبير التربوي ومدير المدرسة النموذجية بأم درمان الأستاذ عصام الدين فضل الله آدم، يرى غير ما ذهب إليه زملاؤه من الأساتذة حول موضوع الكورسات الصيفية ويقول: العطلة لتجديد النشاط الذهني، وقد وضعها الخبراء قياساً بمناهج التربية لراحة التلاميذ وإتاحة الفرص لهم للعب واللهو وصقل المهارات وتكوين الشخصية وعليه اقترح أن نجعل للعطلة برنامجاً واضحاً في مصلحة التلميذ، وبهذا المفهوم فإن الكورسات الصيفية غير مجدية وغير مفيدة، وعلى أولياء الأمور أن يمنحوا أبنائهم خلال هذه العطلة فرصة للتواصل مع الأرحام والارتباط بالمساجد وإيجاد فرص للترفيه والجو الأسري وإعداده نفسياً للعام الدراسي الجديد بعد قضاء فترة طويلة في الدراسة.
تعتقد الأستاذة آمنة حسن شريف حامد مديرة مدرسة أن العملية التربوية مسألة متكاملة ما بين أسرة المدرسة والبيت، والعطلة الصيفية متعددة الأغراض والاتجاهات، عليه يتوجب توظيفها في تلك الاتجاهات، بحيث يستفيد منها الطالب أكاديمياً وروحياً وتربوياً، وآمل ألا تكون حصص الكورس الصيفي كثيرة بمعنى ألا تتجاوز الحصتين أو الثلاث حصص، وأن يتخللها منشط ترفيهي أو رياضي أو ثقافي، أو رحلة تربط الطفل بمجتمعه وبما يدور حوله.

إرهاق الطلاب

الأستاذ تاج الدين حبوب طيب الأسماء مدير مدرسة ثانوية له رأي آخر مختلف ويرى أن العطلة الصيفية حق للطالب، وهي بمثابة نقاهة ذهنية وبدنية بعد عناء طويل خلال العام الدراسي، وقال إن هذه الكورسات تشكل إرهاقاً وضغطاً (غير مفيد). فالزخم الأكاديمي المستمر لا يأتي بنتائج كما نتوقع، بل بنتائج عكسية، وأضاف: الكورسات غالباً ما تمثل عائداً ربحياً لكثير من المؤسسات الخاصة أثناء العطلة الصيفية، فيجب على الأسر والطالب والمؤسسات التعليمية والوزارة ألا تنجرف وراء إرهاق يدمر الطالب. ويقول إن الطريق الأمثل هو أن يقضي الطالب عطلته في الراحة والترفية والسفر سواء داخل السودان أم خارجه وزيارات الأهل والأصدقاء.
أمهات مع العطلة
وقفنا مع عدد من الأمهات وصديقات المدارس لمعرفة رأيهن حول كورسات العطلة الصيفية، فقالت أمل فاروق محمد أحمد، أنها تفضل أن يستمتع الطفل بأول عطلة ويقضي شهراً كاملاً في إشباع هواياته وزيارة أهله، ومن ثم يبدأ عمليات تقوية المواد الأكاديمية التي يعاني فيها من ضعف، وألا تخصص الكورسات لمواد كثيرة يمكن أن تزحمه، ويمكن ترتيب ذلك بجدول واضح. فيما ترى منى عثمان حسين، أهمية الموافقة بين الأكاديميات والنزهة والترفيه وممارسة الهوايات، ونبهت الى الاستفادة من شهر رمضان الذي يصادف العطلة وهو فرصة لتقوية الجوانب الروحية للتلاميذ وتعويدهم على الصيام والقيام، ويرى أحمد الصادق – ولي أمر أنه بالضرورة مراعاة اختلاف احتياجات التلاميذ مع اختلاف مراحلهم، إذ يتوجب أن يجد طلاب الفصول النهائية عناية خاصة تختلف عن غيرهم، واعتقد أنه يتوجب الاهتمام بجانب حفظ سور القرآن المقررة بصورة كبيرة، فالمدرسة أحياناً يحدث فيها تقصير في هذا الجانب وينطبق الحال على الأحاديث النبوية والأناشيد، فإن حفظها في العطلة الصيفية يكون من المكاسب الطيبة والمثمرة.

أبعاد تربوية

حملنا هذا الملف ووضعناه أمام علماء التربية وخبرائها وكانت جلستنا مع البروفيسور فيصل محمد عبد الوهاب رئيس قسم أصول التربية والإدارة التربوية بكلية التربية جامعة الخرطوم، والذي أكد على اهمية العطلة الصيفية للطالب. وقال انها فترة نقاهة وراحة ولها ابعاد تربوية مهمة جداً، لذلك لابد من وعي أولياء الأمور والاسرة عموماً ومعرفة كيفية تنظيم وقت الابناء، منوهاً الى فئتين من الطلاب الصغار منهم بمرحلة الاساس والكبار بالمرحلة الثانوية، وهؤلاء في مراحل مراهقة، وتختلف احتياجات كل فئة عن الأخرى، كما تختلف احتياجات البنات عن الاولاد، وبالنسبة للصغار فيمكن عمل برامج في البيت . والمشكله في السودان أن فترة العطلة تأتي في الصيف والجو الحار وانتشار أمراض السحائي وغيرها، فيصبح من الصعب ترك الأبناء في الخارج طول النهار، فهؤلاء يمكن أن يتم عمل برامج لهم في المنزل مثل الخلوة وبرامج الألعاب الالكترونية والتلفاز، اما الكبار فلهم مناشط متعددة كالسباحة والتنس وغيرها من المناشط، شريطة ان تكون هناك رقابة من الاسرة على تلك المناشط ، وألا يقضي الصغار أوقاتاً طويلة امام التلفاز والألعاب، ولم ينتقد البروفيسور فيصل دعم الاكاديميات لكنه فضل ان تكون جانبية وليست اساسية، منوهاً الى أهمية الاهتمام باللغات خاصة لطلاب الثانوي اذ يعاني الطلاب من هذه الاشكالية، وامن على عدم تحويل العطلة لجانب أكاديمي بصورة كاملة.

خلل تعليمي

تناول بروفيسور فيصل في حديثه مسألة وصفها بـ(الخلل التعليمي)، وقال يوجد لدينا خلل كامل في النظام التعليمي بالدولة، فنظامنا التعليمي خاصة لامتحانات الشهاده الثانوية هي عملية حفظ وضغط وشد نفسي وعصبي وبعض المدارس نفسها أدوات استثمارية وتجارية، فالعطلة طويلة ويمكن تخصيص الشهر الأخير للاكاديميات وتعيين مدرسين في المنزل لتقوية الجانب الضعيف في بعض المواد ومن دون الدخول في المنهج بصورة عميقة، فتدريس المنهج خاصه لمرحلتي الاساس والثانوي قبل بداية العام الدراسي أمر غير صحيح وخاطئ، ومن الاشكالات الكبيرة انشغال أولياء الأمور بلقمة العيش فلا يوجد من يقوم بالاهتمام بهؤلاء الطلاب من ناحية تنظيم الوقت وهذا الأمر يشكل خللا لدى الطالب.

لا لظلم الأبناء

أستاذ أصول التربية بجامعة الخرطوم د.عادل محمد دفع الله، لم يذهب برأيه بعيداً عن البروفيسور فيصل وقال إن العطلة الصيفية للطالب من رهق الحياة والدراسة والمواصلات والأكاديميات وغيرها، معرباً عن اسفه لعدم الاستعداد من جانب الأسر في مساعدة ابنائهم للتخطيط الامثل لقضاء العطلة، في وقت فيه يمكن أن يستفيد فيه الأبناء أيما إستفادة من هذه الفترة، مثل ارسال الابناء لاسرهم في الولايات الاخرى والبقاء مع الأجداد والأعمام والاهل لقضاء الاجازة وهي من عاداتنا وتراثنا وتمثل فرصة جيدة لاحياء قيمة التواصل والرحم، ولكن الأمر غير كافٍ، لأننا غالباً نضيع كل فترة الاجازة في ما لا يفيد، ونوه د.عادل الى اشكالات تعتري اندية الاحياء الشعبية، كما ان عدم وجودها ايضاً يسبب اشكالية، لتجد الطالب يأخذ السلوكيات بطريقة غير نظامية من الشارع والاندية وغيرها، فالطالب عندما يخرج من المدرسة ينبغي ان يجد ما يعينه في الشارع والأندية لقضاء الوقت، وللاسف ليس لدينا هذا الأمر فلا يوجد لدينا تنسيق بين التربية النظامية والتربية غير النظامية، فالإنسان محصلته في النهاية لأشكال التربية وثقافتنا، تجدونا نقول احياناً أن الإجازة هي راحة للابناء ولكننا في الحقيقة نقوم بظلمهم وندخلهم في جانب اكاديمي مرهق بعد ذلك يأتي العام الدراسي يحمل معه كل الإرهاق فنجد الابناء من إرهاق الى إرهاق ومن تعب الى تعب، فالصحيح أن نقوم بتنظيم أنشطه ثقافية أو رياضية في الحي، فيجب ان نقلل من الجانب الاكاديمي في العطلة الصيفية , مع اذكاء الجانب الترفيهي والانشطة الاخرى واضافة المعارف التي لا توفرها المدرسة.

صحيفة الانتباهه.