صلاح حبيب

الراحلون وموسى يعقوب !!


أهدانى الأستاذ الكبير موسى يعقوب كتابه التوثيقى لحياة الذين رحلوا عن هذه الدنيا بعد عطاء ثر، إن حركة التوثيق فى البلاد ضعيفة جداً ونادراً أن يؤرخ الأستاذ لنفسه أو للبلد.. ولذلك نجد كتابات قليلة عن الأشخاص أو المدن أو الحياة العامة التي عاشها الجيل الأول من رواد الفكر والأدب والسياسة، وإذا سألت أحد العمالقة من أهل البلد عن مذكراته، أو لماذا تأخر عن كتابتها يخلق لك مليون عذر، أما أن الوقت لم يحن، أو يخشى أن يجرح أحداً بتلك الكتابات، لذلك نحمد للأستاذ موسى يعقوب أن بدأ هذا الأدب.. وتطرق إلى الشخصيات التى أسهمت بجهد مقدر في هذا الوطن الحبيب، والأستاذ موسى لم يكن ما أصدره هو الكتاب الأول، بل ربما الثاني أو الثالث عن أولئك العمالقة الذين رحلوا عنا وخلَّفوا إرثاً كبيراً من الوطنية والعمل كل في مجاله، فكتابه الذي يحمل الطبعة الثالثة يضم عدداً من الراحلين وهم ما يقارب الإثنين وثلاثين شخصية وطنية، من بينهم الراحل الشيخ حسن الترابي الذي أسس لفكر ودعوة امتدت لأربعين عاماً.. خلق جيلاً من السياسيين المميزين فى هذا الوطن، وتناول الأستاذ موسى تلك الشخصيات بعد رحيلها، بل كان شاهداً الدفن بنفسه، وله علاقات معها، وحينما يكتب الأستاذ موسى لم يكتب شفاهة أو سماعاً.. بل كان حاضراً في تلك اللحظات وحتى القبر وليالي المأتم، ولذلك نجد في كتاباته الصدق والعمق عن الشخصية، ولم تكن كتاباته عن الإسلاميين باعتباره أحدهم، بل كانت كتاباته تتناول حتى الآخرين من الأحزاب الأخرى، فقد تناول فى كتاباته الأستاذة الراحلة فاطمة أحمد إبراهيم، تلك السياسية التي عركتها التجارب، وكانت نعم المرأة التى يفتخر بها أبناء جيلها والأجيال الأخرى، فقد كانت نعم المرأة الصابرة الصامدة، فلم تهزها الرياح حتى لاقت ربها خارج البلاد، فوثق الأستاذ لها فى كتابه هذا، وقال إنها كانت قامة تستحق، وقال إن انتمائها إلى الحزب الشيوعى لن يحرمها من الاحترام والتقدير، وقال إن مقابر البكري بأم درمان وأم درمان بكاملها لم تخل من التدافع فى تشييع جثمانها الطاهر، وأسماها (فاطمة السمحة) كما يحلو للكثيرين أن ينادوها بهذا الاسم المميز، وقال إنها ذات تاريخ ونضال وإسهام فى كافة المناشط السياسية والتشريعية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، وتناول الأستاذ موسى في كتابه هذا مجموعة من الراحلين أمثال: الأمير محمد الفيصل الذي أسس التجربة الإسلامية للبنوك بالسودان في العام 1978، وتبعه بعد ذلك ما عُرف بالأسلمة المصرفية، تبعاً لفقه المعاملات الشرعية الذي أصبح له تاثير إفليمي ودولي، ولم يوقف الأستاذ موسى كتاباته عن الراحلين فى السودان بل تعداهم إلى الخارج، فكتب عن رحيل الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل الصحفي المصري العملاق، فتناول سيرته وتغطياته الصحفية مثل الحرب الكونية الثانية، وقربه من الرئيس جمال عبد الناصر ونظام الحكم في تلك الفترة، الاستاذ موسى يعقوب له أسلوبه في الكتابة التوثيقية للراحلين، واهتم بمن كانت له تجربة فى العمل الوطني أو أرسى عملاً كانت فيه المصلحة العامة، وبحكم علاقة الأستاذ موسى ببنك فيصل والأمير الراحل محمد الفيصل، لم يغفل فى كتابه أن يوثق للراحل الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية، والذى يظل الأطول عمراً ممن تقلدوا منصب وزير الخارجية في الوطن العربي، فالكتاب حافل بعدد ممن رحلوا عن دنيانا وكان لهم إسهام كبير فى حياتنا وهو جدير بالاقتناء.

صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي