محيى الدين جاويش يكتب: أحلام البنات بين “العنوسة” و”ضل راجل”!
تحديد العمر المناسب للزواج مرتبط بثقافة المجتمع وليس له أساس دينى، فلا يوجد عمر محدد للزواج فى الدين الإسلامى – على سبيل المثال – فهو مرتبط بالقدرة والاستطاعة والبلوغ ودرجة التأهيل، وخير مثال على ذلك زواج السيدة خديجة من النبى عليه أفضل الصلوات والتسليم، وكانت فى عمر متقدم وإشكالية العمر تقل فى المجتمعات الغربية، فالرجل والمرأة يتزوجان فى أى عمر وإن كانت هناك اختلافات جوهرية بين المجتمعات فى القيم وطبيعة العلاقات بين الرجال والنساء فى الأهداف منه، والتى تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر فى سن الزواج المناسب ومدى الالتزام.
وللأسف حدد مفهوم العنوسة – وهو مصطلح اجتماعى مرفوض – الزواج بعمر معين بالنسبة للمرأة بحيث تدخل المرأة فى دائرة العنوسة إذا ما تجاوزت سن الثلاثين فى الغالب فى كثير من المجتمعات العربية، وأحيانًا تعتبر الفتاة عانسا وهى ما زالت فى العشرين من عمرها خاصة فى بعض البيئات القروية.
أصبح غلاء المعيشة أحد أبرز العوائق التى تواجه مريدى الزواج ممّا يُتَرجَم تأخّراً فى سن الزواج عند الجنسَين، فبعد أن كانت الأنثى تتزوج فى أول عشريناتها تتزوج اليوم فى آخرها وحتى فى الثلاثين من عمرها أيضاً، الأمر نفسه بالنسبة إلى الذكور الذين يُقدمون على الزواج فى عمرٍ يناهز الأربعين فى الكثير من الأحيان.
فمشكلة العنوسة غير مطروحة كمشكلة عند الفقراء إنما هى مشكلة الطبقات الوسطى والعليا من المجتمع أى عمليًّا مشكلة المرأة المتعلمة والقادرة نسبيًّا على شكل من أشكال الاستقلال المادى. فتلك الفئة من النسوة قادرة على اختيار هذا الشكل من الحياة عن قناعة. وهذا واقع لا ينفيه أن هناك من يقول إن ازدياد عدد العوانس نساءً ورجالاً بسبب ارتفاع المستوى التعليمى للمرأة، هو أمر ضار.
“العنوسة” فرضت نفسها على العالم العربى نتيجة ظروف اقتصادية أو رفاهية زائدة كما لعب الفقر والبطالة دوراً فاعلاً فى زيادة أو خفض نسب تلك الظواهر، واللافت للنظر أن نسب العنوسة والطلاق تزايدت بشكل مخيف فى السنوات الأخيرة.
سجلت فلسطين أقل معدلات للعنوسة فى الوطن العربى بلغ 7% وجاءت البحرين فى المركز الثانى بنسبة 25%، واليمن 30%، الكويت وقطر وليبيا 35%، ومصر والمغرب 40%، السعودية والأردن 45%، الجزائر 51%، 65% فى تونس العراق وسوريا، 70%، الإمارات 75%، فيما سجلت لبنان أعلى نسب العنوسة فى الوطن العربى، حيث وصلت إلى 85%، واختلفت أسباب كل دولة عن الأخرى ما بين الأمن والاقتصاد والفقر وغلاء المهور وتأخر سن التعليم والعمل، نظراً لارتفاع نسب البطالة كما فى تونس، وكان للتعليم دور فى تلك النسب كما فى اليمن فيما سيطرت فلسطين لتمثل أكثر الدول العربية انخفاضاً فى نسب العنوسة 7% وفقاً لما أوردته الإذاعة الهولندية “هنا إمستردام”.
إن تغيير المفاهيم الاجتماعية التى سادت لسنين طوال ليس بالأمر اليسير لكنها ليست مفاهيم علمية لا يمكن التراجع عنها وهنا تكمن أهمية الإعلام التثقيفى المرئى والمسموع والمقروء فى علاج الإشكاليات الثقافية المفاهيمية. إن المرأة إنسان مكتمل بذاته مبدع ومنجز لا يزيده الزواج تشريفا أو قدرا أو ينتقص منه وهى قادرة على اتخاذ القرارات المصيرية ومنها الزواج بتروية وعقلانية بعيدًا عن ضغوط المجتمع ومحدداته ولها الحق فى ذلك وأبواب السعادة المفتوحة أمامها متعددة وهناك الكثير من النساء اللاتى لم يتزوجن وخلد التاريخ أسماءهن عبر الأزمان.
مع الإشارة إلى أهمية إيجاد الحلول لمشكلة تأخر سن الزواج وأن يتكاثف المجتمع مؤسسات وأفرادا لإيجاد الحلول باعتبار الزواج ضرورة لضمان استقرار المجتمعات والحفاظ على النسل وتحقيق أهداف الزواج المتعددة والمهمة، وباعتباره صمام أمان المجتمعات وديمومتها
صحيفة اليوم السابع