وزراة العمل بالخارج
أو هي بالوصف الأدق وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل (بعد التخارج)..!
أستوعب فكرة عدم وقوف الدولة في وجه المغادرين أو عرقلة هجرتهم طالما أنهم سيتحولون إلى دافعي ضرائب ورسوم تأجيل الخدمة الوطنية.. أستوعب أن دولتنا من فرط حرصها على حقوق الإنسان لا تمانع من هجرة الخريجين في أي من التخصصات المهنية (طبيب، مهندس، أستاذ جامعي) أو غير ذلك.. نفهم أنها لا تمانع، والهجرة حق مكفول للجميع، ولكن الشيء الذي لا أستوعبه هو أن تتحدث وزيرة معنية بتنمية الموارد البشرية والعمل، تتحدث عن تشجيع الهجرة للخارج.. تقول: “الدولة تشجع الهجرة “.. هل تقول الدولة للشباب “الباب بفوت جمل”؟.. ولا أمل؟.
الدولة تحكي وزارتها المعنية بالعمل عن هجرة 3 آلاف طبيب سوداني من البلاد في غضون 24 شهرا فقط.. غادروا يا أطباء ويا أساتذة جامعيين ويا خبراء ويا علماء ويا كل الناس.. غادروا وخففوا على الدولة من حملكم الثقيل على عاتقها كمواطنين لا تقدم الدولة لهم شيئا بالمجان ولا تقدم الوزيرة لهم وظائف، لكنها لا تقوم على الأقل بالتعبير عن حرصها على بقائكم أو حسرتها من اكتظاظ صالة المغادرة بالمهاجرين.
هل نحن مواطنون (دوليون) وقدرنا أن نكون مواطنين أول شيء نفكر فيه بعد أن تتفتح عقولنا للحياة هو الهجرة؟.. هل تقر حكومتنا المشجعة للمغادرة بأن الهجرة أصبحت مرحلة طبيعية من مراحل حياتنا..؟
لسنا بتلك الكثافة التي تجعل الأرض تضيق بنا كمواطنين.. أرض السودان، وليست بلادنا في حالة اكتفاء إلا من الأمراض والأوبئة والفقر.. أما كل شيء آخر فنشكو فيه النقص الحاد..
هجرة الأطباء بهذه الأعداد ليس من المفترض أن تتحدث عنها وزارة تنمية العمل بصيغة (كسر القلة) خلفهم.. والمصطلح (كسر القلة) مصطلح شعبي معروف معناه يستخدم لمن غادر مجلسك وكان وجوده هما وغما وإزعاجا لك أو شؤما ولؤما وسوء طالع.. وحاشا أبناء الوطن المهاجرين، حاشاهم من هذا المعنى، لكنني كلما أطالع تصريحات المسؤولين حول موضوع الهجرة أشعر بأننا عبء ثقيل على الدولة ولسنا طاقة ومورد إنتاج وأيادي عاملة ومنتجة ومفيدة..
معظم السودانيين المهاجرين لا يمانعون من حمل جوازات غير سودانية إن توفرت لهم الفرصة ومعنى ذلك أن هناك مشكلة في حبال الانتماء الوطني.. هي صارت واهنة ومهتكة وفوق ذلك تضربها عصا هذه التصريحات (بالجنبة الفيها الحديدة) كما يقولون، حتى تتقطع ولا يتحمل المهاجرون مسؤولية ذلك فهم ضحايا فقر الدم وفقر الإحساس الوطني.. الإحساس الذي أصبحت مفقودا عند الكثيرين، الإحساس الذي من المفترض أن تغذيهم به على الأقل وزارة مثل وزارة العمل ولو على طريقة:
لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ
فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ
وزيرة العمل هي آخر من ينتظر منها أن تتحدث عن تشجيع الدولة للهجرة، لأنها حين تتحدث عن هذا الأمر كأنها تعترف بفشلها وعجزها في الحفاظ على هذه الطاقات أو على القدر الذي يسد النقص منها ويمنع العجز عن الكفاية..
بلادنا تحتاج لأطباء وأساتذة جامعيين وتحتاج لكفاءات وخبرات تصلح بديلا حتى لوزير عمل ليس لديه القدرة على أن (يسعد النطق إن لم يسعد الحال)..
من قال لك إن بلاد المهجر بديل سعيد مفرح للمهاجرين فيها أو خيار يمكن مقارنته بأرض الوطن؟.. من قال لك إن موجة الهجرة التي عادت تضرب بلادنا من جديد هي موجة طبيعية وهجرة طوعية..؟!
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي