تحقيقات وتقارير

موسى هلال …الفصل الأخير للمغامرة

قبل عدة سنوات فاجأت السفارة الإمريكية بالخرطوم كل المراقبين بالداخل والخارج والمتابعين خاصة للشأن الدارفوري والسياسة الأمريكية في المنطقة حين دعت زعيم المحاميد المثير للجدل موسى هلال في جلسة مباحثات سرية لا أحد يعرف خبايا تفاصيلها في تلك القلعة الحصينة على أجهزة التنصت ، واكتفى هلال وقتها بقوله إنه أوضح للإمريكان إنه ليس زعيماً للجنوجيد ولا قاطع طرق وإنما هو زعيم قبيلة.

ويأتي عنصر المفاجأة في ذلك الحدث إن هلالًا هو أحد المطلوبين في اللائحة الأمريكية كمجرم حرب بحسب زعمهم. وبالرغم من أن هلالًا يعتز بزعامته المطلقة لقبيلته المحاميد لكنه يرفض أن يتوقف في ذلك الإطار بالنظر إلى طموحاته السياسية السامقة وتنامي مركزه العسكري. ففي حوار صحفي سابق قال ( دارفور هي جزء من السودان وقضايا السودان لاتنفك عن بعضها وهي تتشابه إلى حد كبير ، أضف إلى ذلك الحديث عن كوني أناقش قضايا دارفور لوحدها دون غيرها من مناطق السودان حديث يجافي الواقع وهو أمر مقصود بأن يطلق على موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد ، والزعيم القبلي هذا كله مقصود لتقزيم مواقفي وتصوير الأمر كأنني أتحدث عن شئون قبيلة أو مجموعة بعينها).

تقاطعات مستمرة

وقبل سنوات قدم موسى هلال للخرطوم متقلداً منصب مستشار الحكم المحلي ، غير أنه بعد فترة هجرالمنصب وعاد إلى منطقته مغاضباً عندما أحس إن المنصب الجديد شكل من الموازنة السياسية أكثر من كونه يحوي وصفاً وظيفياً فاعلاً ، لهذا عندما سئل عقب زيارة للإمارات قال (والله الموازنات هي في الأصل جزء من حل لدى موقع أصحاب القرار السياسي أكثر من كونها عرضًا للمشاكل من حيث المكتسبات القبلية، لكن هناك أخطاء في الموازنات السياسية نعترف بها .)

ويرى كثير من المراقبين إن الحكومة أخطأت حين اعتبرت أن الإطار الشكلي الذي اختارته لهلال كمستشار دون أعباء تقريباً يمكن أن يحتوي سقف طموحاته الجامحة وإحساسه القوي بتنامي مركزه القبلي والعسكري في لعبة الصراع الملتهب بدارفور. ولم تمض فترة طويلة حين اعترض هلال على تعديلات دستورية أجرتها الحكومة وذلك عبر حوار إذاعي مع المتحدث باسم مجلس الصحوة الثوري أحمد محمد بابكر في مقابلة مع راديو ( عافية دارفور) منذ قبل ثلاث سنوات واعتبرها غير كافية كما أعلن انشقاق هلال عن المؤتمر الوطني وتكوين كيان مجلس الصحوة الثوري ومحذراً أن كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع المؤتمر الوطني .

ثم توالت المواقف المتقاطعة مع حكومة المؤتمرالوطني ربما كثرتها تعبير عن بعد الشقة بين الطرفين حين صدر بيان نسب لمجلس الصحوة التابع لهلال أيد وثيقة نداء السودان الموقعة من قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية وحزب الأمة، وقال إنهم يؤيدونها سلميًا أو عبر آليات أخرى كثيرة ومجربة وسيقوم المجلس في هذا الإطار بدراسة الوثيقة وشرحها ونشرها وسط قواعدة باعتبارها خطوة وميثاقًا تتعاهد عليه كل شعوب السودان نحو الحل الجذري للأزمة السودانية .)

ويرى المراقبون أن الحكومة أخطأت حين اعتبرت أن الإطار الخارجي الذي رسمته لهلال في وظيفة مستشار بلا أعباء تقريباً من الممكن أن يمتص كل طموحاته السياسية الجامحة ، والتي ظهرت في خصامه الشرس مع والي ولاية شمال دارفور يوسف كبر مطالباً الحكومة بإقالته. وفي أعقاب تلك التقاطعات، التقى آنذاك نائب رئيس الجمهورية، حسبو عبد الرحمن، موسى هلال في منطقته وأجرى معه بعض التفاهمات بيد أن هلال فيما يبدو استعصم بموقفه ، دون أن يعلن ذلك بالطبع على العلن. لكن يبدو أن زعيم المحاميد هلال الذي يجيد العمل العسكري وتكتيكاته بات أيضاً يجيد البرغماتية السياسية حيث صار يمارس لعبة شد الحبل وإرخائه مع الخرطوم ففي أثناء تلك التقاطعات نسبت إليه كثير من التصريحات حول علاقته مع الحكومة لكنه سرعان ما كان ينفي ذلك. ففي وقت سابق نقلت عنه الوسائط الأسفرية أنه أمهل الحكومة حتى التاسع من شهر يناير 2015م للاستجابة لمطالبة أو الاستقالة من المؤتمر الوطني وديوان الحكم الاتحادي والبرلمان ، بيد أن ممثلًا لمجلس الصحوة أعلن في حوار صحفي أنهم سيدخلون الانتخابات ، بالرغم من أن القانون يمنع مشاركة القوى المسلحة في السجال الانتخابي في حين إن كل الإرهاصات منذ ذلك الوقت كانت تؤكد أن هلالًا لن يوافق على نزع سلاحه.

بيد أنه بالرغم من مواقف هلال المتقاطعة مع الحكومة لكنها كانت حريصة على انتهاج سياسةعدم إشعال الحريق سيما في منطقة لم تهدأ فيها النيران منذ أكثر من عقد من الزمان ولهذا صرح نائب نائب رئيس المؤتمر الوطني بروف إبراهيم غندور آنذاك (إن هلالًا باق في الحزب وأنه قيادي به وقد أكد ذلك بنفسه) ،كما أن هلالًا منذ أن مكث في منطقته هناك لم يعد للخرطوم في حين ظلت عضويته مستمرة. وقال رئيس البرلمان إن هلالًا أبدى أسباب تغيبه ، لكن هلالًا لم يؤكد أنه قدم خطاباً للمجلس بهذا الصدد وهو ما اعتبره المراقبون أن تلك الخطوة من (الوطني) تأتي في إطار حرصه على إبقاء الباب مفتوحاً لعودة هلال مرة أخرى أو على الأقل إبقاء شعرة الرابطة بين الطرفين موصولة .

نهاية المغامرة

وحين أعلنت الحكومه عزمها الجاد لنزع السلاح في دارفور وأنها ستطبقه دون استثناء وأن الضوابط ستشمل حتى القوات النظامية ، رأى الكثيرون أن هذه الخطوة ستواجه العديد من المصاعب والمطبات في منطقة تعج بالسلاح وبؤر الصراع ، لكن يبدو أن عزم الحكومة مكنها من المضي بثبات في تلك الخطوة المعقدة ، بيد أن التساؤل الذي يبرز دائماً لدى المراقبين والعامة هو هل سيقبل زعيم المحاميد موسى هلال بنزع سلاحه بعد أن شكل مركز ثقل عسكريًا بمليشياته الأهلية. وبالفعل أجاب هلال عملياً على التساؤل برفضه نزع سلاحه وتخندق في منطقته ، في حين كانت قوات الدعم السريع تتقدم في تلك المنطقة وتحاصرها. غيرأن المفاجأة كانت في القبض على موسى هلال عبر عملية لم يتم الكشف عن تفاصيلها ويبدو أن هلالًا لم يكن يظن أن المركز من الممكن أن يخوض معه تلك المغامرة المحفوفة بكثير من التداعيات ، وأنه لن يتم اعتقاله ناهيك عن محاكمته عسكرياً في الخرطوم .

ولهذا كانت النهاية الدرامية لرجل حاول المزاوجة بين البندقية والسياسة والنفوذ القبلي في ظل نظام برغماتي يعرف كيف تؤكل الكتف .

الخرطوم : أحمد طه
صحيفة الصيحة