جعفر عباس

ليس في الحمل ما يخجل


كنت في الصف الرابع من المرحلة الابتدائية وكانت »الحصة« للتربية الإسلامية، وكان مدرس تلك المادة جدي الحاج فرحان، عندما اقتحم غرفة الدراسة خالي محمد )الشهير بـ»أبيض« لأنه لم يكن يحلف بالله أو بغير الله إطلاقا وتحت أي ظرف(، وهمس في أذن الحاج فرحان بأمر ما، فما كان من الأخير إلا أن هتف بأعلى صوت وباللغة النوبية ما معناه: يا »جافر«، أمك ولدت بنت، روح البيت مع خالك

وبذلك أصبحت أضحوكة بين زملائي لعدة سنوات، فكلما مررت بمجموعة صرخ بعضهم: جعفر أمك ولدت. وبعد ان صرت مدرسا لاحظت ان الطلاب يخفون أمر إنجاب أمهاتهم لمواليد جدد، بل إن مجرد مجيء أم طالب يتيم الأب إلى المدرسة للسؤال عن أمر يتعلق بأدائه أو سلوكه، يجعله عرضة للتريقة، وهذا لعمرك خلل في المفاهيم، منشؤه النظر إلى كل ما يتعلق بالمرأة من حمل وإنجاب وكأنه سلوك شائن.

السيدة الباكستانية كورشيد بيبي، كانت تتوقع »بيبي« خلال 5 أشهر، بعد أن ثبت أنها حامل في شهرها الرابع، ولكنها كانت تحس بالخجل لكونها حبلى، ولا أفهم مبررًا لذلك الخجل، فهي امرأة شريفة وذات سمعة طيبة، وزوجها أحمد بيبي سعيد بأنه سيصير أبًا، بل ويقول إن حمل زوجته دليل على فحولته!! والحكاية باختصار هي أن كورشيد بيبي هذه تزوجت من عمو أحمد قبل نحو 95 سنة، وحبلت وعمرها 80 سنة فقط لا غير، وكانت قد عانت من آلام خفيفة متكررة في البطن ولم يجد الأطباء بها علة، ولكن طبيبة شاطرة اسمها فاطمة ثريا شكت من أن الأعراض التي تعاني منها بيبي تشبه أعراض المرأة التي تتوقع »بيبي«، فأجرت عليها عدة فحوصات أكدت جميعها أنها حامل، وأظن أنكم فهمتم الآن لماذا أحست هذه السيدة بالخجل: ماذا أقول لأحفادي؟ نعم فقد أنجبت عيالاً وهي دون الأربعين في السن، ثم توقفت عن الإرسال، وصار عيالها آباء وأمهات، وصار عيال عيالها كبارا متزوجين، وبينما هي تتأهب لتفرح بعيال أحفادها جاءت تأكيدات أنها قد تسبقهم إلى الإنجاب.

من الملاحظ أن بعض النساء يشعرن بالحرج لأنهن حوامل، إما لكون الحمل حدث بعد أشهر معدودة من آخر ولادة، أو لكون الواحدة منهن تعتبر أنها »كبرت عن الولادة«، ففي هذا الزمن العجيب صرنا نسمع كلامًا من قبيل: هذا الولد جاء »صدفة«، ولم نكن نخطط له… هذه البنت جاءت على الرغم من كل الاحتياطات اللازمة لمنع الحمل!! فهذا زمان الحمل والإنجاب باستخدام الكتالوج والآلة الحاسبة: طيب، لما البنت الكبيرة تكون في الثانوية، الولد راح يكون في ثاني متوسط، والبنت الصغيرة في خامس ابتدائي. وإذا قلنا إن فاطمة ستحتاج إلى 120 ألفا للدراسة الجامعية، فإنه لا سبيل لجعل سعدون يواصل الدراسة بعد الإعدادية، بس البركة في عزوز اللي يمكن أخته فاطمة تصرف عليه بعد ما تكمل الجامعة وتشتغل! لكن افرض أنها تزوجت من رجل »جلدة« ولم يعطها حق التصرف في راتبها؟ عند هذه النقطة يبدأ القلق حتى لو أحست الزوجة بحرقان أو حموضة ناتجة عن تعاطي شوربة عدس بها فلفل أحمر هندي.

كورشيد أحست بالخجل لأنها حامل وهي في الثمانين ويمكن أن نتفهم خجلها، ما قولكم في السيدة الهولندية التي جن جنونها بعد أن رزقت بمولود وهي في الثلاثينيات، ولجأت إلى القضاء، متهمة طبيبة بأنها سبب »البلوى« المتمثلة في إنجابها الطفل، لأنها لم تحسن زرع مانع الحمل الذي زودتها به، وقضت المحكمة بأن تتولى الطبيبة الإنفاق على الطفل مدى الحياة! أحيانًا يخامرني ما يشبه اليقين بأن الغربيين »بهائم«، ولكنني أنظر إلى مخترعاتهم واكتشافاتهم وأقول: ما يصير.

جعفر عباس “زاوية غائمة”