تحقيقات وتقارير

تغيير جزئي لم يتفاعل معه المجتمع الطاقم الاقتصادي… تغييرات تمليها المطلوبات


رغم أن رئيس الوزراء الفريق أول بكري حسن صالح أكد أكثر من مرة أن وزراء القطاع الاقتصادي لم يفشلوا في أداء مهامهم التي أوكلت إليهم إلا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية جعل من الحكومة القيام بتغيير جزئي عسى ولعل يجد حظه من الإصلاح وتخفيف أعباء المعيشة. ولكن هذا التغيير الجزئي لم يتفاعل معه المجتمع والذي شمل تغييرات بعض وزراء ووزراء الدولة بالقطاع الاقتصادي واستبدالهم بآخرين نتيجة لفشل كل الوزراء السابقين في الوصول إلى نهضة اقتصادية قرابة العشرين عاماً عجز من خلالها السابقون في وضع استراتيجية اقتصادية تغير الواقع إلى نحو أفضل بل تراجعت نسب النمو والتنمية وازدادت البطالة والفقر، إلا أن آخرين يرون أن التغيير مطلب من مطالب وثيقة الحوار الوطني بغية التطوير نحو الأفضل.

مدرسة جديدة:

بارك محللون وخبراء توجه الحكومة نحو إدارة اقتصادية جديدة لتحسين المعيشة بيد أنهم طالبوا في الوقت ذاته بضرورة قفل منافذ الفساد واتخاذ سياسات أكثر فاعلية كشرط لازم لتحقيق مطامح الحكومة. ولكن تلك التعديلات الكبيرة التي شملت وزراء القطاع الاقتصادي سابقاً لم تكن ذات فاعلية، ولم تخفف من الأزمة الاقتصادية بل ازدادت معها وتيرة الأزمات خاصة في مجال الوقود بجانب استمرار ارتفاع الأسعار ووصول الدولار إلى أكثر من أربعين جنيهاً ما دعا الكثيرين ينادون بأهمية تغيير وزراء القطاع الاقتصادي الذين فشلوا للمرة الثانية في إيجاد مدرسة اقتصادية جديدة توقف الانهيار الاقتصادي الكبير.

تعيينات غير مُرضية:

ولكن خاب ظن الكثيرين حينما أبقى التشكيل الوزاري الجديد على وزيرالمالية والتخطيط الاقتصادي الحالي محمد عثمان الركابي في منصبه وتعيين طارق علي حسن شلبي وزيرًا للدولة في وزارة المالية بينما رحبت قطاعات كبيرة بإعفاء وزير النفط والغاز عبد الرحمن عثمان وتعيين أزهري عبد القادرعبد الله خلفاً له وإعفاء وزير الزراعة عبد اللطيف العجيمي وتعيين عبد الله سليمان عبد الله بديلاً له وتعيين الفريق شرطة محمد أحمد علي إبراهيم وزيراً للمعادن بديلاً للبروفسور هاشم علي سالم وتعيين الفريق أسامة مختار النور وزير دولة بوزارة الاستثمار.

السخط الكبير الذي عم الشارع السوداني من إبقاء وزير المالية في موقعه هو أنه وفقاً لمراقبين لم ينجح في الاستفادة من القرار الأميركي في تحسين مؤشرات النمو الاقتصادي واستقرار سعر الصرف وزيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية واستقطاب المصارف الأجنبية للتعامل مع المصارف فضلاً عن كثير من الملفات المهمة ذات الصلة بالإضافة إلى عدم نجاحه في وضع الخطط والبرامج الاقتصادية الفاعلة والقادرة على تجاوز الأخطاء التراكمية وتوفير برنامج إسعافي حقيقي لتلافي الأزمة الاقتصادية عقب الفشل الذي لازم تنفيذ البرنامجين الإسعافيين الثلاثي والخماسي معاً في إنقاذ الاقتصاد من أزمته.

تغيير الفروض:

ويقول الماحي خلف الله أمين الأمانة الاقتصادية بحزب المؤتمر الوطني بأنه يجب أن تتغير الفروض والسياسات الاقتصادية إذا ثبت أن الظروف والسياسات يمكنها أن تتغير، فإن الفروض الاقتصادية أيضاً يجب أن تتغير وذلك بإيجاد فريق جديد بأداء أفضل. إلا أنه يرى أن المرحلة الحالية تحتاج إلى تحفيز لإنتاج سياسات مالية ونقدية تتناسب مع الظروف المقبلة للقطاع الذي يعمل في ظروف أكثر ملاءمة من السابق. وقال هذا التغيير ربما يؤدي إلى تحسين في المؤشرات الكلية وزيادة في معدل النمو خاصة في القطاع الزراعي وقطاع النقل تتحسن من خلالها تكلفة الإنتاج.

وقال البروفسور عصام عبد الوهاب بوب أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين لـ(الصيحة) إن الاقتصاد في انهيار يوماً بعد يوم وإلى الهاوية إن لم يكن وصل إليها وأخطر ما يحدث من التغيير الذي أعلن عنه أن السودان يحتاج إلى اقتصادي حقيقي ليدير دفة المرحلة القادمة، ويرى بوجود أخطاء كثيرة لا يتم الاعتراف بها مباشرة، ولكن الاعتراف بالفشل يأتي في تغيير الوزراء المتكرر ويأتي في شكاوى المواطنين من شظف العيش ويأتي في موت القطاعات الإنتاجية الحيوية في البلاد فكيف يكون هنالك تحسن في اداء الاقتصاد الكلي. ولكنه يرى أن ما تم من تغيير لا يبشر بخير وسوف تؤول النتيجة إلى فشل الوزارة التي وصفها بمسألة وقت تؤدي لمزيد من تدهور الاقتصاد، وقال إن هؤلاء الوزراء الجدد سوف يتعلمون “الحلاقة في رؤوس اليتامى”.

مسكنات الأزمة:

لكن الفاتح عثمان الخبير الاقتصادي قال: التغيير مأمول منه ـن يضع أساساً لنهضة اقتصادية في البلاد عكس ما يجري سابقاً من مسكنات لإدارة الأزمة حيث لم يضع مسؤولو الاقتصاد طيلة الفترة السابقة في أولوياتهم نهضة اقتصادية. وقال في حديثه لـ(الصيحة): رغم استخراج النفط الا ان نسبة الفقر في تزايدت والأداء الاقتصادي لا يُدار بنزاهة ما جعل اسم السودان يتردد بين الدول الأعلى فساداً وفتح الباب للمطالبة بالتغيير أثناء الحوار الوطني الذي امتد لفترة عام.

أما المحلل الاقتصادي هيثم فتحي قال إن المواطن كان ينتظر وجوهاً ممزوجة بعنصر الشباب والخبرة والسياسة مع التكنوقراط وإن هؤلاء الوزراء في تحدٍّ لما تم إنفاذه من قبل. وبرأيه أن الاقتصاد السوداني يحتاج إلى تحديث شامل لمختلف القطاعات والتوسع في قطاعات الزراعة ومشاريع النقل والطاقة وإعادة النظر في بعض القطاعات الأكثر التصاقاً بالقطاع الخاص. وقال إن التغيير عبارة عن استبدال لأشخاص ولكن لن يجدي نفعاً في حل الأزمة، ومن يتم تغييرهم لا يغيرون شيئاً من الواقع، وزاد المطلوب مراجعة السياسات وليس الأشخاص، ولكن تغيير السياسات لا يتم إلا بالاقتناع بأن السياسة الموجودة لا تحل الأزمة. واعتبر أن أسهل الحلول الآنية تكمن في تغيير جزء من الطاقم الاقتصادي ومراجعة السياسات الاقتصادية، ولا بد أن يتبع ذلك مراجعة للفريق الاقتصادي والذي يصر على مواصلة سياسته. وأشار إلى الحاجة إلى عقل سياسي واقتصادي يرسم سياسات ويضع منهجاً للعمل وتكون لديه رؤى استراتيجية لا تتغير بتغير الأفراد .ولفت إلى أن أزمة الوقود الأخيرة والتي يحمل وزرها وزير النفط تفرقت مسؤوليتها على جهات عدة وكل جهة تتنصل من مسؤوليتها عما حدث وكانت النتيجة في النهاية إهدار زمن بلا طائل وخلق أزمة تترتب عليها أزمات.

أزمات شاهدة

وشهد عهد عبد الرحمن عثمان بروز مشكلة ديون شركاء النفط على الحكومة السودانية والتي دفعت بالشركاء للمطالبة بها وخفض إنتاجهم بالمربعات التي يعملون على استخراج النفط منها لحين إيفاء الحكومة بالمبالغ التي عليها وخلق أزمة في توفير النفط ومشتقاته. وتظل مشكلة تطوير المربعات النفطية القديمة وإعادة تنشيطها واستقطاب المستثمرين للاستثمار في المربعات الجديدة الـ”15″المطروحة والاستفادة من رفع العقوبات لاستقطاب الشركات الأميركية والأوروبية للاستثمار في النفط والاستكشافات الأخرى من غاز وخلافه من أهم الملفات التي تجابه الوزير الجديد.

أما في مجال وزارة المعادن فقد شهدت فترة الوزير هاشم علي سالم صراعاً كبيراً بين الوزارة وبنك السودان المركزي فيما يتعلق بشراء المركزي للذهب بالإضافة إلى مسألة التهريب التي شكا منها الوزير وحملها للجهات المختصة كما شهد عهده تزايدًا في الاستثمارات الأجنبية في القطاع في الوقت الذي استنت فيه وزارته بعض الإجراءات التي أدت إلى توقف عمل كثير من الشركات لعدم التزامها ببنود العقود، ويرى الوزير أن وزارته تعتبر الأولى التي ظلت ترفد الاقتصاد السوداني بموارد إلا أنه طالب بمطلوبات للحد من التهريب. ولم يُشهد لوزير الزراعة عبد اللطيف العجيمي تقدم كبير في ملفاته خاصة وأن السودان يعتبر من الدول المنتظر منها تحقيق الأمن الغذائي السوداني العربي.

صحيفة الصيحة.