تحقيقات وتقارير

على ظلال التطورات الفلسطينية .. قمة إسطنبول.. البحث عن موقف إسلامي موحد

منظمة دول التعاون الإسلامي هي منظمة دولية تجمع سبعًا وخمسين دولة، وتصف المنظمة نفسها بأنها “الصوت الجماعي للعالم الإسلامي” وإن كانت لا تضم كل الدول الإسلامية، وأنها تهدف لـ “حماية المصالح الحيوية للمسلمين” البالغ عددهم نحو 1،6مليار نسمة، وتأسست في25 سبتمبر 1969م، وشهدت أروقة المنظمة العديد من التحديات التي واجهت الدول الإسلامية، خاصة القضية الفلسطينية، وبالرغم من المجهودات التي تبذل لحل القضية إلا أنها لم تحسم بصورة نهائية حتى اللحظة، ولم تنجح الدول المنضوية تحت دول المنظمة في اتخاذ موقف موحد تجاه قضايا المسلمين، وبين هذا وذاك تطل قضية القدس في المشهد للمرة الثانية بعد أن نفذت الولايات المتحدة نقل سفارتها للقدس، لتجئ قمة دول التعاون الإسلامية في إسطنبول للمرة الثانية، علها تجد إجماعاً أو حلاً لقضية تمر بتعقيدات ومنعطفات خطرة.

اللقاء الأول

ظلت قضية القدس والأقصى الشريف هي القضية المحورية للمسلمين، وظل الصراع مع دولة الكيان الصهيوني أمرًا قائمًا ومستمرًا، إلا أن وتيرته ازدادت خلال نهاية العام الماض بعد أن أصدر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في ديسمبر من العام الماضي قرارًا بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل، وقتها قابل المسلمين القرار الأمريكي بموجة عارمة من الغضب والاستنكار في شتى دول العالم، ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعقد قمة طارئة في إسطنبول باعتباره رئيساً للدورة الحالية للمنظمة، وانعقدت القمة في الثالث عشر من ديسمبر العام الماضي بحضور كبير من قادة الدول الإسلامية تخلف منه الملك السعودي كأبرز الغائبين، بجانب تخلف الرئيس المصري، وعدد من الدول، وبحضور عدد كبير من الدول أيضاً تقدمهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، وقد خرجت القمة الأولى بقرارات ترفض قرار أمريكا بنقل سفارتها للقدس، مع الوعد باتخاذ قرارات أخرى حال أصرت أمريكا على تنفيذ قرارها.

قمة الجمعة

استضافت العاصمة التركية ” إسطنبول” أمس الجمعة اجتماعات منظمة دول التعاون الإسلامي للمرة الثانية خلال ستة أشهر عقب تنفيذ نقل أمريكا سفارتها إلى القدس المحتلة، ومجزرة “مليونية العودة” في قطاع غزة التي راح ضحيتها 62 شهيداً، بالإضافة إلى جرح نحو ثلاثة آلاف آخرين، ويأتي تنظيم القمة الحالية بصورة متعجلة وفي فترة قصيرة ليوم واحد فقط تعقد فيه جميع الاجتماعات، بدءاً من الاجتماع على المستوى الوزاري، لتختتم باجتماع القمة بحضور الزعماء المشاركين، ولكن تبدو الملاحظة في شكل الحضور حيث أن الحاضرون من قادة الدول الإسلامية أقل من القمة التي جرت في ديسمبر العام الماضي، حيث حضر قمة أمس ” الجمعة” نحو 19 رئيس دولة، بجانب مشاركة أكثر من 40 دولة من أصل 57، بينهم عدد كبير من الزعماء و13 من رؤساء الوزراء ونواب الرؤساء، فضلاً عن وزراء خارجية وممثلين رفيعي المستوى.

حضور وغياب

على مستوى الرؤساء شارك كلٌ من الرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس الأفغاني أشرف غني، وملك الأردن عبد الله الثاني، بجانب أمير قطر الشيخ تميم، وأمير الكويت صباح الأحمد الصباح، ويظل الغياب الأبرز هو غياب خادم الحرمين الشريفين وهو يعتبر الغياب الثاني حيث أنه تغيب من القمة الأولى التي عقدت نهاية العام الماضي بإسطنبول بجانب عدد من الرؤساء، فيما يظل غياب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن الغياب الأبرز والأغرب باعتباره صاحب القضية الأساسي، إذ أوكل عنه رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، فيما فسر عدد من المراقبين غياب أبومازن بسبب ضغوط مكثفة تعرض لها من دول عربية تؤيد القرار الأمريكي، ومشاركة في صفقة القرن المعنية بنقل وتوطين الفلسطينيين في سيناء وفرض أمر القدس عاصمة لإسرائيل.

قرارات متوقعة

ينتظر أن يكون للقمة الإسلامية التي عُقدت أمس بتركيا صدىً ملموس امتداداً للقمة السابقة باعتبار أن ما حذرت منه قد صار حقيقياً بنقل سفارة أمريكا للقدس، فيما لم يتحمس الأمين العام لـ”تيار الأمة الواحدة” الدكتور محمد علي الجزولي خلال حديثه لـ(الصيحة) بأن يكون لهذه القمة أثر كبير على مجريات الأحداث، وقال إن القمة السابقة كانت لتسجيل موقف وتأتي القمة الحالية في ظرف أكثر تعقيداً ولا أتوقع لها جديدًا، وشدد الجزولي على أن عدم نجاح القمة لن يعني موات القضية، مؤكداً على أن ذلك من شأنه أن يصنع ربيعًا إسلاميًا جديدًا طالما فشلت الطرق السياسية والقانونية في رد الحقوق، وأضاف الجزولي بأن الخضوع العربي السائد الآن يعتبر أكبر رافد للتيار الجهادي الذي سيقاوم الطغيان الأمريكي الإسرائيلي مضيفاً بأن هذه من مصلحة الأمة. بدوره رأى المحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري أن نجاح القمة الإسلامية في إسطنبول مرهون بالقرارات التي سيتم اتخاذها، وليس بشكل الحضور والغياب، وحدد الساعوري نجاح القمة باتخاذ قرارات من الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع إسرائيل بقطعها فوراً، بجانب تخفيض العلاقات مع أمريكا، وشدد الساعوري على ان أي قرارات غير هذه لا جدوى منها.

إنقسام متوقع

لم تخل قمة إسطنبول من حيث المشاركة والغياب من عاصفة الصراع السياسي الموجود في المنطقة، إذ حرصت عديد من الدول على إفشال القمة لاعتبارات سياسية وصراعات مع الدولة التي ترأس الدورة الحالية في منظمة الدول الإسلامية “تركيا” إذ تسرب للعلن أن عددًا من الدول عملت على إفشال القمة السابقة بتحريض دول أخرى على عدم الحضور، بدا هذا خلال قمة امس الجمعة، بعد أن تغيب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، بجانب الغياب الملحوظ لعدد من قادة الدول الإسلامية. ورأى المحلل السياسي حسن الساعوري أن الغياب عن القمة الأخيرة ربما بسبب الاستعجال الذي صحب قيامها، أو التردد نتيجة الضغوط لبعض القادة من بعض الدول، ولم يستبعد الساعوري أن تكون هنالك ضغوط عربية وأوربية لبعض الدول لمنعها من الحضور، مشدداً على أن قمة الأمس ستفرز معسكرين الأول مع قضية القدس والآخر ضدها مؤيداً لصفقة القرن، بدوره رأى الأمين العام لتيار الأمة الواحدة محمد علي الجزولي أن قمة إسطنبول بشأن القدس ستحدث انشقاقاً في المواقف، خاصة بين الدول العربية لتيار مؤيد لصفقة القرن تقوده الإمارات والسعودية، ومصر، وتيار آخر يقود خط الممانعة تقوده تركيا وقطر والسودان والكويت.

صحيفة الصيحة.