الجزائري مرزوق تواتي.. مدون أم جاسوس إسرائيلي؟
تشكل قضية المدون مرزوق تواتي فصلا آخر من فصول النقاش بشأن الحريات والحقوق في الجزائر، لكنها من وجهة نظر أخرى تعكس حالة التجاوزات التي يقع فيها المدون أو مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي عموما، ما يجعله عرضة للملاحقات القضائية من قبل السلطات الحاكمة.
تهمة التجسس والسجن
في عام 2015 بدأ تواتي (33 عاما) يدير صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ومدونة تحمل اسم “الحقرة” أي “الظلم”، تم حجبها لاحقا، وكان يكتب في معظمها عن التطورات السياسية وحقوق الإنسان في الجزائر، لكنه وقع في قبضة السلطات الجزائرية التي أوقفته في ولاية بجاية بمنطقة القبائل في يناير/كانون الثاني 2017 وأودعته السجن بتهمة التجسس والتحريض على العنف. وكان ذلك أثناء الاحتجاجات التي عرفتها مدينة بجاية ضد قانون المالية لعام 2017.
ووجهت للمدون حينها تهمة “إجراء اتصالات مع عملاء دولة أجنبية من شأنها الإضرار بالمركز الدبلوماسي للجزائر، وتحريض السكان على حمل السلاح، والتحريض على التجمهر والاعتصام في الساحات العمومية والتحريض على التجمهر”.
وحسب ما جاء في موقع منظمة العفو الدولية على شبكة الإنترنت، فإن تواتي تعرض للاعتقال والسجن بعد نشره في الثاني من يناير/كانون الثاني 2017 تعليقا على فيسبوك، دعا فيه سكان بجاية للاحتجاج على قانون المالية لعام 2017، وإجراء مقابلة بالفيديو على يوتيوب في الثامن من نفس الشهر مع متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية يعارض فيه اتهامات السلطات الجزائرية بأن إسرائيل متورطة في الاحتجاجات التي وقعت في الجزائر.
وخلال محاكمة ابتدائية جرت في 24 مايو/أيار 2018 في محكمة الجنايات بمجلس قضاء بجاية، حكم على تواتي بالسجن عشر سنوات نافذة، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 50 ألف دينار جزائري. وقالت وكالة الأنباء الجزائرية إن التهم الأربع التي يتابع من أجلها تتمثل في: التخابر مع الخارج والدعوة إلى التجمع المسلح والتشجيع على التمرد وإغلاق الطرقات.
السلطات الجزائرية اعتبرت أن قضية هذا المدون تدخل في إطار أمن الدولة، باعتبار أنه كان على علاقة بإسرائيل ويتبادل معها “معلومات”، وقالت إنها اكتشفت ذلك في حاسوبه الشخصي.
مع العلم أن محكمة جزائرية أصدرت في أبريل/نيسان 2018 حكما بالإعدام على رجل لبناني الأصل يحمل جنسية ليبيريا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وتكوين جماعة إجرامية للمساس بأمن الجزائر.
المتهم يبرئ نفسه
غير أن الدفاع طالب ببراءة المتهم خلال المحاكمة، بحجة أنه كان يتبادل معلومات جد عادية مع الخارج، فقد قال المحامي أبو بكر الصديق همايلي في تصريح له إن موكله ” مدون مارس فقط حقوقه التي يضمنها الدستور، وهو يملك حرية التحدث لمن يشاء وأن يقول ما يرغب فيه”. وهو”لم يكن في يوم من الأيام في منصب يتيح له الوصول إلى معلومات يمكن أن يقوم بإعطائها” لقوى أجنبية.
والمدون نفسه -الذي أضرب عن الطعام عدة مرات خلال فترة اعتقاله- نفى التهم الموجهة إليه، بحسب ما نشرت صحف جزائرية، فقد أكد أن الفيديو الذي نشره بشأن دعوته للتظاهر جاء ردا على تصريحات وزير السكن آنذاك، عبد المجيد تبون.
وبخصوص تهمة التخابر، فقد أوضح المتهم أنه وبصفته مدونا كان بصدد إنجاز تحقيق في ما إذا كانت لإسرائيل فعلا يد في الأحداث التي شهدتها الجزائر، وهو التحقيق الذي استوجب عليه التعاطي مع الشخصيات الإسرائيلية لكسب ثقتهم والهدف حسبه هو مساعدة السلطات الجزائرية لكشف مخططاتهم.
منظمة العفو الدولية من جهتها أدلت بدلوها في قضية المدون الجزائري، وعدتها بمثابة وصمة عار أخرى في سجل حقوق الإنسان بالجزائر، فقد صرحت هبة مرايف، مديرة البرنامج الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة قائلة “إنه من المثير للسخرية أن تعليقا على فيسبوك يعبر عن رأي سلمي يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى عقوبة الإعدام. فتواتي يمثل جيلا تحطمت أحلامه وآماله في بلد تم فيه تقويض حرية التعبير بشكل متكرر”.
وفي تقريرها السنوي حول وضع حقوق الإنسان في العالم، أشارت كتابة الدولة الأميركية في 20 أبريل/نيسان 2018 في سياق حديثها عن “ضغوط غير رسمية تمارسها السلطات الجزائرية على وسائل الإعلام”، إلا أن توقيف المتهم جاء “بسبب حوار أجراه مع دبلوماسي إسرائيلي”.
تراجع الحريات
وجاءت قضية المدون تواتي في وقت تتعرض فيه الجزائر للانتقاد من طرف منظمات حقوقية دولية على خلفية ملاحقة المدونين والصحفيين الذين ينشرون مواقفهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن مختلف القضايا في بلادهم.
وكانت منظمة “مراسلون بلا حدود” صنفت الجزائر في أبريل/نيسان 2018 في المرتبة 136 من بين 180 دولة بالنسبة إلى حرية الصحافة.
فقد سبق للسطات أن اعتقلت طالبا جامعيا بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية. وقبلهما اعتقل الصحفي والمدون محمد تمالت وحكم عليه بسنتين سجنا نافذا قبل أن يشرع في إضراب عن الطعام ثم توفي في ديسمبر/كانون الأول 2016.
وتؤكد السلطات أن هذه الاعتقالات سببها التعدي على القانون، وهو ما أشار إليه وزير العدل الطيب لوح -في جلسة سابقة عقدت بالبرلمان الجزائري- بقوله إن المدونين الذين يخضعون للمتابعة القضائية أشخاص “تعدوا على القانون”، مذكرا بوجود نصوص قانونية تجرم “القذف والسب والتحريض على أعمال العنف والاتصال بجمعيات أو شبكات محددة الصفة”.
غير أن الحقوقي الجزائري مصطفى بوشاشي يرى أن المتابعات القضائية في حق المدونين “ليست تطبيقا للقانون وإنما هي وسيلة لتقييد الحريات والحقوق”، ويقول في تصريح سابق له إن النظام السياسي يتحدث نظريا عن الحقوق والحريات في الدستور لكن يقيدها في الواقع، حسب تعبيره.
المصدر : الجزيرة