تحقيقات وتقارير

صناع مايو .. مصائر مختلفة


تسعة وأربعون عاما هي عمر انقلاب مايو وعمر شخصيات تعيش بيننا – صنع الانقلابيون مجموعة محدودة من الضباط.. كانوا في حلم تكوين دولة تضاهي أعظم الأمم.. اشتدوا حماسا.. ملأوا السودان بشريات قول وخطب رنانة..

نجح البعض في مساعيه. فشل الآخرون.. تبوأ الكثيرون منهم مناصب حساسة.. دب الخلاف بين مجموعتين منهم – خرج ثلاثة منهم خارج منظومة المجلس التأسيسي لهم – واصل البعض – أتت كارثة يوليو 1971 فتواصلت مسيرة البعض من غير المشاركين فيها – تأرجحت السفينة ولم تغرق حتى أعلن معلن الإعلام بكافة أجناسه أفول مايو في صباح مكفهر.. مؤسسو وصناع مايو كيف كانت مصائرهم.. وكيف سارت بهم الحياة أثناء وبعد أفول مايو.؟

بابكر عوض الله

عرف الناس بابكر عوض الله منذ العام 1954 حين عمل كرئيس لمجلس نواب البرلمان، ومن ثم رئيسا للقضاء إبان القضية الدستورية الشهيرة التي قضت بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. ليصبح تاريخ مايو 1969 تاريخ وجوده كرئيس للوزراء في فترة، ومن ثم قيادي بالاتحاد الاشتراكي السوداني. وهو الوحيد داخل العالم العربي وأفريقيا الذي تسنم المناصب الثلاثة في فترات متباعدة، وهو رئيس السلطة القضائية كرئيس للقضاء والسلطة التشريعية كرئيس للبرلمان والسلطة السياسية كرئيس للوزراء. ما زال حيا يرزق بالاسكندرية حيث تقيم أسرته. منتهى أيامه كانت حين أعفي من جميع مناصبه في العام 7491 ومنها ارتحل إلى مصر ليستقر بها .

بابكر النور

في شخصية المقدم بابكر النور، وكما تحدث عنها الكثيرون وكتب عنها كذلك كثيرون تبرز روح الحماسة والثورة، بل والصراحة غير المعهودة، وهو ما قاده للاصطدام بنميري وأعضاء مجلسه كثيرا. في واحدة من تقلبات مايو وبروز الخلاف بين أعضاء المجلس الواحد، تم إعفاء الضباط الثلاثة بابكر النور – هاشم العطا – وفاروق عثمان حمد الله في نوفمبر 1970 ظل مصيره مرتبطا بزملائه الاثنين فاروق وهاشم وهو ما حدث في يوليو 1971 ليُعدم بالشجرة ويكون مصيره مثل زملائه الاثنين. السؤال الأهم.. ماذا لو قدر لحركة يوليو 1791 النجاح، هل كانت تسير دون خلاف أم ماذا كان سيحدث لها.؟

جعفر نميري

منذ العام 1957 وحتى تاريخ مايو 1969 ورد اسم الضابط بالجيش جعفر محمد نميري ثلاث مرات ضمن أسماء ضباط يخططون لإحداث انقلاب عسكري. لم تثبت عليه التهمة، بل خرج من جميع الاتهامات التي وجهت له وعاد للخدمة بالجيش. حين أتى التخطيط لمايو كان حينها يعمل كمعلم للضباط بمدرسة جبيت العسكرية لتدريب الضباط. من غرائب عمله كقيادي أول في فترة مايو، فقد مازج بين رئاسته للدولة والوزارة في فترات عديدة، فكان وزيرا للخارجية والدفاع وقائدا عاما للجيش.
بعد الانتفاضة بقي في مصر حتى العام 2000م ليصبح رئيسا لتنظيم حزب الاتحاد الاشتراكي السوداني. لتشتد عليه العلة في بدايات العام 2009م ليرحل عن دنيانا في مايو 2009م.

أبوالقاسم هاشم

وهو أكثر شخصيات مجلس مايو هدوءاً ورزانة.. لم تُسلط عليه الأضواء كثيرا.. وذلك لشخصه البعيد كل البعد عنها.. عمل أبوالقاسم هاشم كوزير للتخطيط في إحدى حكومات مايو بعد استفتاء رئاسة الجمهورية في سبتمبر 1971م، من ثم مشرفا سياسيا على الجزيرة، من ثم قيادي بالاتحاد الاشتراكي السوداني. قام بدور متعاظم في العمل الجماهيري في أيام مايو الأولى عبر زياراته المتعددة لشتى أقاليم السودان.. عانى من ويلات المرض منذ منتصف التسعينات حتى توفي في بدايات العام 2003م.

مأمون عوض أبوزيد

في نموذج الرائد مأمون عوض أبوزيد تطور وتراجع في المهام والأدوات وبل المصير الذي بينه.. انزوى من مسرح الاحداث المايوية في سنواتها الثلاث الأخيرة، وربما قد يكون أُبعد من قبل القيادة. فمنذ مايو 1969م وتاريخ تكليفه بتأسيس جهاز الأمن القومي السوداني وحتى تاريخ العام 1984م عمل مستمر كوزير للداخلية في منتصف السبعينات وأول مدير لجهاز الأمن القومي.. ومن ثم أهم منصب عمل به وهو وزير الطاقة والتعدين، وهو الوزير الذي تم استخراج البترول في عهده. منتهى عمله كان بأمانة الاتحاد الاشتراكي السوداني، ومن ثم بقي في داره لعام أو يزيد حتى بزوغ الانتفاضة. ولربما كان مغضوبا عليه كما صرح أحد زملائه الضباط.

زين العابدين

نبعت شخصية الرائد زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر من عمله ونجاحه في ملف التأميم والمصادرة، وهو الملف الذي أصبح بموجبه الرقيب العام، وهو المنصب الذي عمل فيه بكل حنكة واقتدار. غير أن أكثر نجاحاته كان عمله في مجال الرياضة وتحديدا إدارته لمجلس إدارة نادي الهلال في ظروف كانت الرياضة في السودان تمر فيها بمرحلة تطور واضحة. قبل أبريل 1985م تاريخ أفول مايو عمل زين العابدين كرئيس لهيئة تطوير الرياضة. وهو المنصب الذي قاده فيما بعد لتمثيل السودان في اللجنة الأولمبية الدولية ليبقى فيه حتى ملابسات عديدة طالت شخصه. ليرحل عن دنيانا في مايو 2005م.

أبوالقاسم محمد إبراهيم

يظل الرائد أبوالقاسم محمد إبراهيم أحد أكثر أعضاء مايو الذين تبوأوا مناصب في تاريخ مايو من الأعضاء المعروفين. فمن وزير للزراعة عام 1974م إلى نائب لرئيس الجمهورية للأمين العام للاتحاد الاشتراكي السوداني، ومن ثم وزيرا للداخلية وأخيرا في نوفمبر 1984م وزيرا للشباب والرياضة. رغم عمله كوزير في فترات مختلفة إلا أنه كان كثير الاهتمام بالعمل التنظيمي، وهو صاحب فكرة طلائع ورواد مايو.. زائدا تصديه لعدد من الأحداث الجسام في تاريخ مايو، ومن ذلك قيادته لسرب الدبابات لاستعادة الإذاعة في انقلاب المقدم حسن حسين في سبتمبر 1975م وأحداث الغزو الخارجي في يونيو 1976م وهو الوحيد الذي يسعى بيننا من جميع أعضاء مجلس مايو.

خالد حسن عباس

منذ اليوم الأول لمايو في مايو 1969م وضح اعتماد قيادتها على شخص خالد حسن عباس صاحب التجربة الثرة في العمل التنظيمي، والذي بسببه أوكلت إليه مهام العلاقات الخارجية الخاصة بالمجلس، زائدا عمله في عدة ملفات مهمة. وخير دليل عل ذلك وجوده بمصر أثناء انقلاب هاشم العطا. وعمله الفاعل مع بقية أعضاء المجلس على عودة مايو من جديد.. وهو ما تم بعد ثلاثة أيام من الانقلاب. عمل خالد حسن عباس في عدد من المناصب أثناء نشاطه الجم، ومن ذلك وزيرا للدفاع ووزيرا للصحة ووزيرا للنقل وقائدا عاما للجيش.. منتهى أيامه في العمل الدستوري كان قبيل الانتفاضة بسنوات قلائل.. حيث أعفي من مناصبه، فظل بداره حتى تم اعتقاله بعد الانتفاضة، ليطلق سراحه في يوليو 1989م ليبقى مرة ثانية بداره حتى وفاته منتصف العام الماضي.

فاروق حمد الله

من أكثر أعضاء مجلس مايو حماسا وثورة وبل تحركا هو الرائد فاروق عثمان حمد الله الذي وحين اندلاع الانقلاب لم يكن بالخدمة، بل كان خارجها، إذ اُعفي قبل مايو 1969م في ملابسات يطول شرحها – وحين إعلان مايو كان الوحيد منهم الذي أتى من خارج الخدمة. عمل فاروق حمد الله كوزير للداخلية وأول من تبوأ هذا المنصب في عهد مايو. في 1970م نوفمبر تم إعفاؤه من جميع مناصبه ليظل بداره حتى تاريخ 1 يوليو 1971م تاريخ سفره لبريطانيا برفقة بابكر النور. ليحدث ما حدث من انقلاب نهاري كان ضمن تشكيلته هو شخصيا.. ليتدخل سيناريو الطائرة البريطانية بمطار طرابلس، ليأتي مخفوراً لمطار الخرطوم. ويعدم بضاحية الشجرة كأحد الذين وردت اسماؤهم كقيادات انقلابية.

هاشم العطا

حين تكوين مجلس قيادة مايو في أيامها الأولى، تم الإعلان عن اسم الرائد هاشم العطا كعضو به وهو ما أثار حفيظة عدد من الضباط بالجيش، بحسبان أنه غير مقيم بالسودان، زائدا عدم عدالة الاختيار، إذ كان يسبقه عدد من الضباط القدامى. لم يأبه نميري لهذه التذمرات، بل دافع عنه كما روى عنه أحد الضباط. أولى مناصب هاشم العطا كانت وزيرا للثروة الحيوانية في حكومة مايو.. الثانية التي لم تستمر كثيرا.. مثله مثل فاروق حمد الله وبابكر النور تم إعفاؤه من عضوية مجلس مايو بتاريخ 17 نوفمبر 1970م ليقوم في يوليو 1971م بقيادة تحرك انقلابي لم يستمر سوى ثلاثة أيام كانت نتيجته إعدامه رميا بالرصاص بضاحية الشجرة.

صحيفة الانتباهه.