زهير السراج

المُنقِذ من الضياع !!


* انتهيت أمس فى التعليق على مقترح القيادى بالحركة الاسلامية ومدير المجلس الأربعينى لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم فى حقبة الثمانينيات (الشفيع أحمد محمد) “باتجاه كل مكونات الدولة والمجتمع لمخاطبة ملف المحكمة الجنائية عبر الجهات والدول المعنية لإغلاقه، وتحرير الرئيس والبلاد من الارتهان لسيفها المربك للساحة السياسية”، بأن الفترة الزمنية (عامين أو ثلاثة) التى اقترحها (الشفيع) للتمديد للبشير، وتنفيذ مقترحاته (مقترحات الشفيع) للخروج من المأزق الذى تعيشه البلاد وعلى رأسها (إغلاق ملف المحكمة الجنائية)، ليست كافية للوصول الى اتفاق سلام يرتضيه الجميع يمكن على أساسه إقناع مجلس الأمن والمجتمع الدولى بأغلاق ملف المحكمة، فهل سنظل نمدد للبشير كلما انقضى الزمن، فى سبيل الوصول الى (حل) يحلنا من الجنائية وحكم البشير، ويحمى الوطن من الضياع؟!

* رغم إتفاقى مع الشفيع وكثيرين غيره، بأن المحكمة الجنائية الدولية تقف وراء تمسك البشير بالسلطة خوفا من القبض عليه وتسليمه لها إذا فقد السلطة (وهو ما لم يقله الشفيع بشكل مباشر)، إلا أن رهن مصير وطن وشعب بأكمله بإغلاق الملف وتحرير البشير، أمر لا يمكن تبريره أو قبوله بأى شكل من الأشكال، لسبب فى غاية البساطة انه لا يمكن الانتظار الى ما لا نهاية حتى يتم إسترضاء الجميع وأغلاق الملف، خاصة أن الاوضاع المعقدة فى البلاد، وإستمرار الحرب، وانعدام الثقة بين الاطراف وحتى داخل الطرف الواحد، والأزمات المتلاحقة، وانقسام المجتمع الدولى حول قضايا السودان، فضلا عن التعقيدات الدولية والإقليمية الكثيرة ..إلخ، لا تسمح بالوصول الى صلح شامل فى وقت وجيز يمكن على أساسه غلق ملف الجنائية لتحرير البشير حتى يتنازل عن السلطة، وتسير الحياة سيرها الصحيح بالطريقة التى يقترحها (الشفيع) فى حديثه !!

* وحتى لو تقبلنا الفكرة بالانتظار بضع سنين لمعالجة المشكلة ــ حسب مقترح الشفيع ــ فمن يضمن أن تحدث المعالجة خلال هذه الفترة القصيرة التى لا تكفى لإخراج البلاد من ضائقتها الإقتصادية، دعك من إزالة الضغائن من النفوس والوصول الى صلح يرضى الجميع، ويقنع المجتمع الدولى ومجلس الأمن باغلاق ملف الجنائية ؟!

* يقترح (الشفيع) أن يكون البشير هو عراب التغيير والمصالحة خلال تلك الفترة، إعتمادا على شرعيته الانتخابية، وتلك المستمدة من الحوار الوطنى، وهنا لا بد أن نتساءل .. من أين للبشير بهذه الشرعية التى يتحدث عنها (الشفيع)، وإذا افترضنا جدلا، أنه صاحب شرعية إنتخابية حسب نتيجة (الإنتخابات) السابقة، فأى شرعية يستمدها من حوار لم يشارك فيه سوى قلة قليلة من الأحزاب الهلامية والمنتفعين، وأين هى نتائج هذا الحوارلآن، وكيف يكون البشير عراب التغيير والمصالحة وهو الشخص الذى نبحث له عن مخارجة من المحكمة الجنائية حتى تتحرر من حكمه البلاد، وتتفادى السقوط فى الهاوية ؟!

* كما أن (الشفيع) يقترح تكوين مفوضية لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاسبة المفسدين، فهل يريد (الشفيع) تحرير البشير وبقية الذين ولغوا فى المال العام من أحكام هذه المفوضية، أيضا، أم ماذا؟!

* إذا كان الأمر كذلك، فلا حاجة بنا لاضاعة الوقت الذى اقترحه الشفيع لانقاذ الوطن من الضياع، وما على الشعب إلا وضع توقيعاته فى ورقة على بياض وتسليمها للبشير ليفعل بها ما يريد .. معالجة الأزمة الاقتصادية، محاربة الفساد، التخلص من الجنائية، تحقيق السلام والتحول الديمقراطى، إجراء الإنتخابات، ودخول التاريخ من أوسع أبوابه باعتباره الشخص الذى أنقذ السودان من الضياع .. !!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة