تحقيقات وتقارير

يشهد تراجعاً وضعفاً في الإقبال سوق ليبيا.. التسوق بحاجة لدعم


مرتادوه أحجموا عنه بسبب تنافسية السماسرة

السوق يعيش تراجعاً في القوة الشرائية غير مسبوق

قدامى التجار رحلوا عنه بسبب عمليات الكسر

تاجر : نعاني من ارتفاع الإيجارات السنوية

سمسار : بعض التجار يعملون في (تجارة) البشر

أكثر من 10 آلاف سمسار بالسوق لا يجيدون سوى السمسرة

يشهد سوق (ليبيا ) بمحلية أمبدة، تراجعاً غير اعتيادي هذه الأيام في القوة الشرائية .. وكان يقصده المواطنون من كل بقاع البلاد، خاصة لشراء (الأقمشة والثياب والعطور) التي تعتبر مورداً اقتصادياً مهماً للغاية.. ومع حلول كل شهر رمضان كان ينتعش بنسبة كبيرة.. لأنه الملاذ الوحيد لشراء (شنطة شيلة) العرسان الذين يقيمون أفراحهم عقب عيد الفطر المبارك مباشرة، ومن أبرز الأماكن التي حظيت بحركة وإقبال نوعي داخل السوق (محلات ريحة العروس) ، والقليل من المواطنين يدلف لمحلات الملايات والثوب السوداني لإعادة بيعها بالأقساط داخل الأحياء السكنية، ويعود تاريخ إنشاء سوق ليبيا إلى ما قبل ثمانينيات القرن الماضي، ويعتبر أكبر الأسواق حجماً، تبلغ مساحته حوالى (5,560) متراً مربعاً، وهو مقسم إلى ثلاثة مرابيع (4 ـ 5 ـ 6) تضم تسعة آلاف محل تجاري، يعمل بها التجار من كل القبائل السودانية، بجانب عدد من الجنسيات الأجنبية من مصر والصين.

الوقع والأهمية

اكتسب السوق أهميته من موقعه المتميز وسط محلية أمبدة بجانب جودة بضائعه، وشهد خلال سنوات ماضية فترات مزدهرة لم يسبق لها مثيل، وكان وجهة كل المواطنين.. وحسب التجار فقد كان مقر سوق ليبيا القديم في منطقة حي العرب، وكان اسمه سوق (الريافة) نسبة للتجار القادمين من مصر، ووقتها كان عبارة عن (رواكيب) منتشرة هنا وهناك، وفي أواخر الثمانينيات تم ترحيله إلى منطقة الشعبي أم درمان ومن ثم إلى الموقع الحالي بوسط محلية أمبدة.. جاءت تسميته لارتباطه بالبضائع الليبية التي أدخلها أحد أقدم التجار السودانيين، بدأ السوق صغيراً حيث كان يحتوي على (عشرة) دكاكين صغيرة وعدد من الرواكيب والأكشاك، وكانت تنتشر به المغالق ومحلات بيع الأسمنت بالقطاعي وأشرطة الكاسيت التي كانت تباع بالجملة إلى جانب الصناعات البلاستيكية الليبية.

ضجة عالمية

شهد السوق توسعاً وأحدث ضجة عالمية باعتباره السوق الوحيد بولاية الخرطوم، الذي تتوافر بداخله كل احتياجات المواطنين من بضائع وبأقل الأسعار، كما كان يعجُّ بآلاف التجار من شتى بقاع السودان الذين حرصوا على استيراد بضائع ذات خامات عالمية فريدة وأصلية وعالية الجودة، وكان مركزاً رئيسياً يغذي الأسواق الأخرى بالبضائع، حيث يقصده التجار من الأسواق المحلية والولائية، عرف السوق بجودة المنتجات المعروضة فيه والتي يتم توزيعهاعلى كل الأسواق الأخرى ( أم درمان ـ سعد قشرة ـ بحري) ، وتميز بالموديلات التي يتم استيرادها من (الهند ـ باكستان ـ تايلاند ـ دبي ـ السعودية ) وفي وقت مضى كان سوق ليبيا يلبي جميع مستلزمات المواطنين ويقدم فرص تسويق قليلة الأسعار للكثير من الأغراض غير المتاحة في منافذ التسوق الأخرى واليوم يبكي التجار أمجاده.

تطور مع الوقت

الكثير من الإصلاحات طرأت على سوق ليبيا وأدت إلى تنظيمه بعد أن أصبح مقسماً إلى مرابيع توفر للزائر تسوقاً مريحاً وآمناً، وأكثر ما يميزه خلوه من النشالين، ويمكن التعرف على ملامحه من خلال كروت صغيره توزع في محطة المواصلات أمام طلمبة السوق الذي يقسم إلى عدة أسواق وهي ( الجملة ـ القطاعي ـ العرائس ـ المفروشات ـ العدة) ولكل محل زبائنه وأسلوبه المختلف في عمليات البيع، فعلى امتداد مداخل السوق ينتشر عدد كبير من السماسرة لاصطياد الزبائن بطرق هادئة، حيث يأتيك الواحد منهم وبصوت منخفض يمد لك كرت المحل التجاري الذي يتبع له، ومن ثم يقودك إلى موقع (الدكان ) وفي هذا الجانب يتنافس المتنافسون.

مناديب إعلانات

أما السماسرة فهم عبارة عن مناديب إعلان يقومون بإرشاد الزبائن إلى المحلات، وتعريفهم بنوع البضائع مقابل مبلغ مالي يتحصلون عليه من صاحب المحل، في هذا السياق أفاد (الصيحة) السمسار(عبد القادر أحمد) قائلاً : إنهم يقومون بتوزيع كروت المحلات للزبائن ويجتهدون في إقناعهم بالشراء مقابل أجر ثابت متفق عليه، فإذا كان الزبون (مرطباً) على حد تعبيره يرتفع الأجر إلى (500) جنيه خاصة إذا قام بشراء بضاعة تفوق الـ(4) آلاف جنيه، وأشار إلى وجود منافسة قوية بين السماسرة لأن العمل مرهون بعدد ونوع الزبائن، حيث يوجد أكثر من 10 آلاف سمسار بالسوق لا يجيدون سوى السمسرة التي انتشرت بعد تجفيف السوق من بعض البضائع، ودخول تجار الكسر الذين احتكروا حركة البيع والشراء وتسببوا في خروج أميز التجار من ليبيا، فهؤلاء يعملون على بيع البضائع ذات القيمة المرتفعة بأقل الأسعار، وبالتالي أضروا بموارد بقية التجار مما أدى إلى ضرورة توفر سماسرة يجيدون عملية جذب الزبائن قبل دخول السوق والتوجه إلى تجار الـ(خراب) وقال: لولا ذلك لذهب السوق في خبر كان.

ميزة وشهرة

أما ( الريح) من أقدم السماسرة ومتخصص في جذب (العرسان) إلى المحلات التي يعمل بها، فيتقاضى مبلغاً مالياً يصل إلى (450) جنيهاً مقابل كل زبون، هذه القيمة قابلة للزيادة والنقصان حسب تكلفة (الشيلة) ، قال كثرة محلات العرائس وزادت السوق ميزة وشهرة، وأبقت على عراقته حيث يوفد إليه الكثيرون بغرض شراء الشيلة بالمبلغ المتوفر لديهم خاصة في مواسم رمضان والأعياد، وأشار إلى اتجاه بعض التجار إلى العمل في مجال (تجارة) البشر وهم يشكلون عصابات يستقلون ظروف الشباب الاقتصادية وحاجتهم إلى السفر خارج البلاد فيقومون بأخذ مبالغ كبيرة جداً نظير هذه العملية، ويرى أن هؤلاء يشوهون سمعة السوق عالمياً ومحلياً.

هروب اضراري

كشف بعض التجار عن أن السوق يعيش تراجعاً في القوة الشرائية لم يسبق لها مثيل خلال هذه الفترة، وبعض التجار القدامى تركوا العمل فيه بعد أن واجهوا الكثير من المتاعب وانتقلوا إلى سوق أم درمان، كما هجره أكبر موردي البضائع، مشيرين أن السوق يشهد ضعفاً في حجم التداول النقدي، وأفادوا بأن أكثر شرائح المتسوقين يقصدونه لشراء (الشيلة) كاملة والبعض منهم يقصد محلات الجملة وبعض البضائع لا تجد القبول إلا عند شريحة قليلة، وأن أغلب التجار يعرفون الزبائن بالاسم، وقالوا يجب أن يستعيد السوق تاريخه وسيطرته على الأسواق من خلال اتباع سياسة الترويج الدعائي والإعلاني وتقديم العروض والخدمات للمتسوقين.

انكماش في محلات العدة

دخل (عطا عباس) إلى السوق بائعاً منذ تسع سنوات وهو مستأجر محلاً لتجارة الملابس، يرى أن البضاعة المتوفرة فريدة في نوعها وخاماتها، وقارن بين المتسوقين في السوق وغيرهم من الأسواق يراهم قليلين جدا رغم تميزه وأصالته وعراقته، وأبدى أسفه لتراجع الإقبال في محلات (العدة)، ولفت إلى أن سوق ليبيا الذي كان يمد التجار بالأسواق الأخرى بالبضائع بات الآن يجلب بعض البضائع من أكبر الموردين بسوق أم درمان، واتفق مع المناشدة السابقة حول ضرورة أن يسترد السوق مكانته في خارطة المنافسة وذلك باستيراد بضاعة بمستوى تطلعات الزبائن، أما التاجر(محمد علي يوسف) فهو من قدامى التجار بليبيا يعمل في محلات الإخلاص وهو محل متخصص في تجهيز (شنطة شيلة) العريس أوضح أن ما يميز السوق قلة أسعار شنطة العريس، مما أدى إلى التفاف العرسان وأسرهم حول المحلات، وقال تباع الشيلة حسب الزبون، فهناك زبائن يأتون بمبالغ قليلة ويطلبون شيلة كاملة في حدود الـ(3) آلاف جنيه وآخرون في حدود الـ(10) آلاف جنيه وما فوق.

شنطة مجانية

واسترسل قائلاً: كل من يقصد سوق ليبيا يخرج بشنطة العرس تنقصها (الزغرودة ) إلى جانب هدايا قيمة وضيافة وخدمات راقية، وأبان تمنح الشنطة الخالية للعريس مجاناً، مشيراً إلى ان القوة الشرائية للشيلة حسب الوضع الاقتصادي للزبون، كما توجد هدايا لأم العريس والعروس عبارة عن ثياب الواحد في حدود الـ350 جنيهاً وهي قاعدة ثابتة لدى التجار. وحول خامات الثياب أفاد تتوافر أجود أنواع الحرائر الجلكس الهندية والمخمل والتواتل الكمبيوتر المزخرفة والتواتل العادية، وأضاف: يقصد السوق عرسان وافدون من الولايات وهؤلاء يقومون بشراء هدايا تصل إلى (70) ثوباً لأسرهم ومعارفهم وفي هذه الحالة إذا لم (نبع) لمدة شهر ما (فارقه)، لافتاً إلى أن السوق يشهد إقبالاً وسطاً لأسباب منها عدم وجود سيولة فقد يأتي في اليوم زبون أو اثنان عكس السنوات الماضية.

أزمة موردين

وأردف : أحيانا يمر أسبوع ويصادف ولا عريس وأحياناً يأتي زبائن أخرون لشراء الثياب، واشتكى من قلة الموردين فالسوق به اثنان فقط منهم هما (الخنجر ـ وأولاد كورينا) وأسعارهم ممتازة مقارنة بأسعار التوزيع، ومن ارتفاع الإيجارات السنوية التي تتراوح ما بين (100 ـ 80) ألف جنيه وفي هذا الجانب قال : إن الإيجارات بسوق ليبيا تعتبر أغلى الإيجارات في السودان مقارنة بالأسواق الأخرى رغم ضيق مساحة المحلات وهي (أربعة في أربعة) وأشار إلى أن المشكلة الوحيدة التي تواجه التجار تتمثل في وجود السماسرة الذين يستقبلون الزبائن ويصطادونهم من الشارع.. فهؤلاء (يجهجهون) الزبون ويطلبون مبالغ مالية ضخمة من أصحاب المحلات رغم وجود أجر يومي ثابت لكل سمسار يبلغ(30) جنيهاً، هذا بخلاف النسبة المفتوحة التي يتحصلون عليها في كل زبون، وأضاف: غن السوق يشهد منافسة قوية بين التجار ويمكن أن تخفض الأسعار لكسب زبون إضافي، موضحاً أن عمليات الكسر التي يمارسها البعض ليست لتطفيش التجار وإنما لزيادة المبيعات، مشيداً بمحلية أمبدة لعدم مضايقتها للعاملين كما أنها تتحصل على الضرائب والرخص بالأقساط المريحة حيث تبلغ الرخصة (900) جنيه والضرائب مفتوحة.

بداية قوية

التاجر (صالح الأمين حامد) يبيع العطور والأرياح بمحلات (شيخ بطحو) منذ أكثر من عشر سنوات يصف بداية السوق بأنها كانت قوية، حيث يقصده كل المواطنين وأصحاب المحلات التجارية للشراء والتعرف على نوع البضائع المتوفرة ونسبة للقوة التنافسية فقد أصبح مثله مثل الأسواق الأخرى بل يشهد ضعفاً في القوة الشرائية، فبعد أن كان يورد للأسواق البضائع حالياً يجلب الأرياح والكريمات من سوق أم درمان، وحول أسعار الأرياح أشار إلى ارتفاع قيمتها خاصة المحلب السوري الذي يبلغ (350) جنيهاً للكيلو، أما الصندل الكراون فسعره (2,800) جنيه للكيلو وهو يستورد من الهند والمسك من الصين وسعره (240) جنيهاً للكيلو.

أسعار مناسبة

بعد أن نقلنا حديث التجار ننتقل إلى المتسوقين فهذا (أكرم طه) (عريس) قصد السوق لشراء الشيلة فقال : الأسعار منخفضة جدا كلفته الشنطة بكل محتوياتها (10) آلاف جنيه وهي ثمانية في ثمانية حيث بلغت شنطة الريحة (4) آلاف جنيه أما الملابس والكريمات والأحذية وغيرها من الإكسسوارات وشنط اليد الصغيرة فكلفت (6) آلاف جنيه، مشيراً أن الشنطة الكبيرة خالية كانت هديه قدمها التاجر ومعها ثوب (النسيبة) وأنه عمل مقارنة في أسعار الشيلة بين الأسواق حيث بلغت تكلفتها (15) ألف جنيه بسوق أم درمان وما بين (17 ـ 20) ألف جنيه في سوق سعد قشرة وختم: يتميز التجار في سوق ليبيا بتقديم ضيافة كاملة للزبائن وهي وجبة الإفطار والشاي والقهوة وهدايا للمرافقين، في السياق أكد عدد كبير من المتسوقين أنهم يقصدون سوق ليبيا لأنه ما زال يحتفظ بمكانته وسمعته ونوعية البضائع المتوفرة به ويمكن الشراء بـ(الدين) في حال عدم توفر المبلغ كاملاً مقابل وعود فقط، وأن محلات الجملة تتوافر بها كل الاحتياجات بأسعار مناسبة جداً وأكثر ما يميزه هدوء التسوق بين الممرات.

أم درمان : إنتصار فضل الله
صحيفة الصيحة.