الطيب مصطفى

من يُسامح الآخر يا باقان ؟! (2)


انتهينا في مقالنا السابق بمقولة باقان المستفزة : (أسامح الطيب مصطفى) بعد أن بيّنا جانباً من كيده للسودان بما في ذلك خدعة غزو هجليج التي ضحك بها ملء شدقيه على حكومتنا وقياداتنا السياسية، وقلنا إنه يحاول الآن مجدداً أن يُسوِّق نفسه من جديد ليجد موطئ قدم ومنفذاً إلى قلوب أهل السودان الذين لطالما ألحق بهم صنوفاً من الأذى لا تعد ولا تحصى مستغلاً سذاجة غريبة فطرت عليها كثير من قياداتنا ونخبنا السياسية.

على أن باقان بعد أن تلقى تلك الصدمة المروعة في (جنته) الموعودة التي انتقل إليها من الخرطوم (الوسخة) على حد قوله ، وبعد أن سُجن ونُكل به وأوشك أن يفقد حياته في (محبوبته) جوبا وفرّ هارباً ناجياً بجلده من موطن ظل يحلم به ويمني نفسه الأماني العذاب، وتنقل بين بلاد الدنيا بما فيها أمريكا .. بعد كل تلك الرحلة المروعة أدرك الحقيقة المرة أنه لا يوجد بلد في الدنيا أرحم به وبشعبه مثل السودان الذي ظل يبغضه ويكيد له ويحاربه ويقول في شعبه ما لم يقل مالك في الخمر، ولذلك لا غرو أن يُمهد طريق العودة إلى الخرطوم من خلال بث تلك التصريحات الخادعة التي تخفي السم في الدسم.

باقان حاول بتصريحاته الأخيرة لصحيفة الانتباهة ، أن يُبرئ نفسه من اقتراف أي خطأ في حق السودان متسربلاً بثياب الحمل الوديع وقال بكل جرأة ، مخاطباً الشعب السوداني : إن الانفصال نتج عن (فشلنا كسودانيين في إنشاء مشروع وطني جامع كان من الممكن أن يُوحِّد السودان وبناء دولة تضم كل المكونات وقائمة على القواسم المشتركة للمواطنين).

باقان يقول ذلك متوهماً أننا أغبياء ستنطلي علينا خدعته الجديدة كما انطلت أمثالها في سالف الأيام .. يقول ذلك وكأنه كان في تلك الأيام النحسات يطرح مشروعاً وطنياً يُعبّر عن كل مكونات الشعب السوداني وقائم على قواسم مشتركة وليس مشروعاً عنصرياً إقصائياً، بل استئصالياً يسمى (مشروع السودان الجديد) يهدف إلى (تحرير السودان) .. تلك العبارة التي صارت أيقونة سمى بها زعيمه قرنق حركته السياسية البغيضة (الحركة الشعبية لتحرير السودان)!

أزيدكم توضيحاً لمشروع (السودان الجديد) الذي سخر باقان وعرمان حياتهما من أجله .. هل كان مشروعه العنصري القميء يهدف إلى التعبير عن مختلف مكونات المجتمع السوداني أم إلى سيطرة مكونه العرقي الجنوبي وإقصاء المكونات الشمالية الأخرى التي يبغضها؟! فقد قال قرنق في محاضرة شهيرة له قدمها في فيرجينيا بأمريكا ما يلي: (الهدف الرئيس للحركة الشعبية هو إنشاء السودان الجديد وهو يعني انتهاء النموذج العربي الإسلامي المتحكم وإعادة بناء السودان Re structuring وفق رؤية الحركة للسودان الجديد من خلال الإحلال والإبدال بين النموذجين)،بل مضى قرنق في دستور حركته إلى تصنيف الشعب السوداني على أساس إثني فقال في نظريته العنصرية التي سماها بالتنوع المعاصر إن القبائل الأفريقية تشكل (70-69)% من جملة سكان السودان بينما لا تزيد المجموعة العربية عن (30)% فقط حسب اللغات والألسنة العربية أما العرب فلا يتجاوزون (15)% فقط!

نحن يا باقان لا نصنف الناس على أساس إثني عنصري كما تفعلون في مشروعكم القائم على إعادة هيكلة السودان وفقا لمشروع السودان الجديد ونجزم أنكم كنتم تسعون إلى استنساخ أنموذج جنوب أفريقيا وروديسيا البيضاء (زيمبابوي) على أساس أن يحكم الجنوب مسنوداً ببعض المكونات الأفريقية ، السودان وما تحالفاتكم في الجبهة الثورية إلا لتحقيق ذلك الغرض.

نحن لسنا عنصريين مثلكم يا باقان ولا نستنكف أن يحكم السودان أي من بنيه بل طرحنا ذات مرة أن تتراضى الأحزاب السياسية على سوداني من دارفور رئيساً حتى نسحب البساط من تحت أقدام الحركات الدارفورية العنصرية المسلحة وننهي التمردات اللعينة ونحقق السلام.

كان ذلك جوهر مشروع قرنق .. إما أن يحكم الجنوب الشمال وإما الانفصال ولذلك أصر قرنق في اتفاقية نيفاشا على أن تقام الانتخابات أولاً بحيث يصار إلى الوحدة إذا تمخضت عن فوز جنوبي رئيساً للسودان وإلا فالانفصال وهذا ما حدث بالفعل.

نواصل

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة