جعفر عباس

كوكتيل انتخابي (1)



ليس العراق وحده من يشهد العجائب والغرائب خلال الانتخابات، فعندنا في السودان وعندما كان الدكتور حسن الترابي يحتكر الحل والعقد ما بين عامي 1989 و1999، تم تنظيم انتخابات عامة، لإعطاء الانطباع بأن الحكومة التي جاءت نتيجة انقلاب عسكري تنشد التحول الديمقراطي، ولضمان فوز بعض المرشحين غير المنتمين إلى الحركة الإسلامية التي كانت وراء الانقلاب، سك الترابي مصطلح »الاجماع السكوتي«، وكان يعني به خوض بعض المرشحين الانتخابات في غياب أي منافسة: يعني بمجرد أن يتقدم فلان بأوراق ترشحه في دائرة انتخابية يسحب الآخرون أوراقهم في سكوت تام اتقاء العين الحمراء
وفي عام 2015 نظمت تلك الحكومة نفسها انتخابات نيابية سبقها مهرجان كلامي تحت مسمى الحوار الوطني، شارك فيه 82 حزبا كان نحو سبعين منها مجرد لافتات لا يقف وراءها أكثر من بضعة أشخاص، ولأن الغرض من تلك الانتخابات كان تشكيل حكومة »وفاق وطني« تبعد عن الحكومة شبهة دكتاتورية الحزب الواحد، فقد أعلن التنظيم »إخلاء« بعض الدوائر الانتخابية لمرشحين شاركوا في الحوار، وفات على حزب الحكومة انه بذلك يعترف بأن نتائج الانتخابات في جيبه، وأنه يتنازل عن دوائر معينة لشخصيات معينة، ما يعني أنه على تلك الشخصيات حفظ الجميل وأن تتذكر أن لحم أكتافها من خير الحزب الحاكم، وقد كان.. صار النواب الذين تنازلت لهم الحكومة عن مقاعد برلمانية كاثوليكيين أكثر من البابا.

خلال الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة شهد المقر الانتخابي بجمعية الشابات في أسوان احتفال العريس ياسر أحمد حسن وعروسه، وسط زفة نوبية، وشهدت لجان الانتخابات بمحافظة قنا حفل زواج وخطوبة، حيث قيام 4 عرسان بالإدلاء بأصواتهم في نجع العويضات التابعة للوحدة المحلية لقرية الكوم الأحمر بمدينة فرشوط شمال المحافظة، وقرية القلمينا التابعة لمركز الوقف شمال المحافظة. وأدلى العريس محمد عبداللطيف عويضة والعروس نورة عبدالناصر عويضة بصوتيهما بمدرسة الشهيد يحيى أبو الحمد بقرية الكوم الأحمر بمركز فرشوط وهما يهتفان »تحيا مصر«. وقال الدكتور صفوت العالم في تصريح لموقع »مصر العربية« إن هؤلاء الأشخاص يقومون بهذا التصرف لجذب الإعلام طلبا للشهرة.

أما المرشح البرلماني الفلتة الذي ظل اسمه محفورا في ذاكرتي فهو الكويتي محمد راشد الحفيتي، فقد قام الرجل بترشيح نفسه في انتخابات البرلمان الكويتي قبل بضع سنوات، وهو طبيب بيطري، ولتسجيل ترشيحه كان عليه ان يسدد مبلغ 50 دينارا فحملها في كيس كبير لأنها كانت خردة )فكة/فراطة(؛ يعني آلاف القطع المعدنية، ولما سألوه: ولماذا تعذب الموظف المكلف بتسلم رسوم التسجيل بِعدِّ كل تلك القطع النقدية؟ قال: أريد ان أرهقه، فهو يجلس عاطلا طوال أربع سنوات هي الفترة بين كل انتخابات نيابية، ولا بأس في أن أشغله أسبوعا في عدها!! هذا كلام شخص شديد الوعي، وليتنا نعمم فكرة إتاحة فرص عمل حقيقة لموظفينا التنابلة بأن نقسمهم مثلا إلى مجموعات، واحدة تعد كل السيارات البيضاء في المدينة التي تبدأ أرقام لوحاتها بعدد زوجي، وأخرى تحصي عدد الحبات في كيلو الرز، وثالثة يتم تكليف كل فرد منها بتوزيع السمسم على المواطنين بواقع سمسمة واحدة لكل بيت، انسجاما مع مبادئ الاشتراكية العربية.

ولم يكن الحفيتي يملك أي فرصة للفوز في الانتخابات، فقد أنشأ مقرا انتخابيا لا يقدم فيه سوى الكلام، يعني حتى لا شاي ولا قهوة، بينما أقام منافسه صوانا خمس نجوم يتسع للمئات ومزود بمكيفات الهواء، وبه وجبات دسمة، ولما قيل لمحمد الحفيتي ان غياب مثل تلك الحوافز في خيمته الانتخابية سيطفش عنه الناخبين، أوضح أنه أقام مقره الانتخابي قرب مقر المرشح »الشبعان«، وأن بإمكان رواد مقره الاستماع إلى كلامه، ثم الذهاب إلى مقر منافسه في مواعيد الوجبات.

كانت احلام محمد الحفيتي كبيرة، فقد كان يخطط لدخول البرلمان ليصبح وزيرا للمالية، وأعلن صراحة ان أول عمل سيقوم به فور تسلمه أعباءه الوزارية هو إفراغ محتويات خزائنها في جيبه! ولأنه رجل عملي فقد قال إنه لا يمانع في أن يصبح وزيرا للتربية والتعليم، ليقوم بإغلاق المدارس والجامعات عدة سنوات حتى ينسى الطلاب جميع الخزعبلات التي درسوها ويبدأوا »من أول وجديد«.

زاوية غائمة
جعفـر عبـاس