قرار تعيس أطاح بإمبراطورية وغيّر خريطة العالم للأبد
سنة 1812 كان العالم على موعد مع قرار عسكري كارثي تسبب في إنهاء عظمة إمبراطورية لطالما أرعبت عروش أوروبا. فخلال تلك السنة، ارتكب الإمبراطور الفرنسي، نابليون بونابارت، خطأ فادحاً عقب تدخله العسكري ضد الإمبراطورية الروسية ليشهد جيشه، الذي طالما لقّب بالجيش الكبير، نهاية مأساوية تسببت في هلاك مئات الآلاف من عناصره.
وعلى أثر انهيار اتفاقية تلسيت الموقعة عام 1807 ونهاية التحالف الروسي الفرنسي عقب جملة من الخلافات الدبلوماسية والجغرافية والاقتصادية، تدهورت العلاقة بين الإمبراطوريتين بشكل واضح. ولقيت جميع جهود التسوية والصلح التي سعى إليها بونابارت فشلاً ذريعاً، حيث اصطدمت مقترحات الإمبراطور الفرنسي بالمصالح الروسية.
وخلال النصف الثاني من حزيران/يونيو 1812، انطلق الهجوم الفرنسي على الأراضي الروسية، حيث استعان بونابارت بجيش بلغ قوامه 658 ألف جندي ليبدأ مهمة الزحف على موسكو وتدمير الجيش الروسي بشكل نهائي.
منذ البداية، ارتكب بونابارت خطأً تعيساً. فإثر بداية الغزو الفرنسي لم يتردد الأخير في الاستهانة بقدرات الجيش الروسي. وأكد من خلال تصريحاته أن جيشه قادر على سحق الإمبراطورية الروسية وإخضاعها في فترة وجيزة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع. فضلاً عن ذلك، ذهل الإمبراطور الفرنسي بغياب المقاومة وتراجع الجيش الروسي، الذي لم يتردد في إحراق المدن والمحاصيل قبل انسحابه، مما شجّع نابليون الأول على مواصلة طريقه نحو موسكو بنسق أسرع، متجاهلاً النقص الحاد في المؤن والغذاء الذي عانت منه قواته.
بالتزامن مع ذلك، أقدم بونابارت على تعيين ربيبه يوجين دو بوارنيه برتبة قائد عسكري، الذي افتقر بشكل واضح للخبرة العسكرية. وقد ألقى هذا القرار بظلاله على الجيش الفرنسي.
ومع بداية الغزو الفرنسي للأراضي الروسية، وضع بونابارت خطة للتوقف عند مدينة سمولنسك والتي تقع على بعد حوالي 369 كلم جنوب غربي موسكو ومواصلة الحملة العسكرية عقب انقضاء الشتاء. لكن، بالتزامن مع تراجع الجيش الروسي الذي فضل الانسحاب على المواجهة طيلة الفترة الأولى من الحرب.
تزايدت أطماع الإمبراطور الفرنسي وتخلى عن خطته الأولى مفضلاً دخول موسكو قبل حلول الشتاء. وفي السابع من أيلول/سبتمبر 1812، ارتكب بونابارت مرة أخرى خطأً فادحاً. فعلى أثر نهاية معركة بورودينو، التي حسمت لصالح الفرنسيين، سمح لأكثر من 100 ألف جندي روسي بالانسحاب والهرب من ساحة المعركة.
وعقب هذه المعركة، اتخذ الإمبراطور الفرنسي أتعس قرار عرفته هذه الحرب، حيث دخل رفقة جيوشه العاصمة موسكو ليستقر بها فترة من الزمن. ومن خلال هذا القرار أقدم بونابارت على التوغل داخل الأراضي الروسية على الرغم من النقص الفادح في المؤن والطعام. وإثر دخوله موسكو، آمن نابليون الأول بفكرة استسلام الإمبراطورية الروسية وقبولها بشروطه.
وبدل مواصلة طريقه نحو سانت بطرسبرغ، فضل بونابارت المكوث في موسكو آملاً في إذلال الإمبراطور الروسي، ألكسندر الأول، وإجباره على قبول شروط الاستسلام.
وعلى الرغم من حريق موسكو الكبير الذي تسبب في مقتل أكثر من 10 آلاف جندي، رفض الإمبراطور الفرنسي مغادرة الكرملين، وأهدر وقتاً ثميناً. ومع حلول الشتاء الروسي القاسي، أجبر الإمبراطور الفرنسي على الانسحاب تاركاً وراءه آمال وضع حد نهائي لروسيا والهيمنة على القارة الأوروبية.
وخلافاً لقوات بونابارت والتي كانت خليطا غير متجانس من مختلف أوروبا، تميزت القوات الروسية بشدة تديّنها ووفائها للإمبراطور وبلادها.. وخلال فترة انسحابها من الأراضي الروسية، عانت القوات الفرنسية من ويلات البرد القارس والمجاعة والأمراض (الزحار والتيفوس). ولم يتردد جنود فرق القوزاق الروسية في إبادة أي جندي فرنسي يتخلف عن زملائه أو ينفرد لقضاء حاجته.
وخلال هذه الحملة العسكرية، باشر الإمبراطور الفرنسي غزو الأراضي الروسية مستعيناً بحوالي 658 ألف جندي. وبعد مضي أشهر على بداية الهجوم، عاد إلى موطنه وهو يجر أذيال الخيبة رفقة 35 ألف جندي فقط.
وخلال هذه الحملة العسكرية الفاشلة على روسيا، خسر بونابارت ما لا يقل عن 500 ألف جندي بين قتيل وجريح لتنهار إثر ذلك سمعة الجيش الفرنسي الذي طالما لقّب بالجيش الكبير.
وفي الأشهر التالية، فقد بونابارت عرشه بعد أن شكلت القوى الأوروبية تحالفاً عسكرياً موجهاً ضده.
وعن هجومه على روسيا وأخطائه الفادحة التي ارتكبها قال مقولته الشهيرة: “من العظمة إلى التفاهة خطوة واحدة”.
العربية