تحقيقات وتقارير

تعال بُكرة أو بعد بُكرة.. معاشيون في انتظار المُرتَّب!!

البروفيسور أحمد محمد حسين عمل بوظيفة حكومية لمدة (30) عاماً أُحيل بعدها للمعاش الإجباري، قال لـ (السوداني) إنه أفنى زهرة شبابه في العمل العام متنقلاً في السُّلّم الوظيفي حتى بلغ سن المعاش، وأوضح أنَّ (مُحصَلة) ذلك كله؛ معاشٌ يتقاضاه شهرياً قيمته (750) جنيهاً لا غير، بروف حسين والعشرات معه وجدناهم في انتظار مبالغ مالية مُتواضعة وصفوها بأنّها لا تُسمن ولا تُغني من جوع ومع ذلك لم تأتِ ولا يعرف أحدٌ على وجه الدِّقة متى تأتي، لكن على أيِّ حال هُمْ يأتون كل صباح لهذا المكان الخاص لصرف معاشاتهم بالخرطوم بحري.

جولة ميدانية

السؤال الأول الذي طرحناه على المَعاشيين الذين كانوا يجلسون على مقاعد بمقر الصندوق في الخرطوم بحري، هو هل تنتظرون مرتب شهر مايو أم منحة العيد؟ فتكفَّل بالإجابة إنابةً عنهم العم أحمد حسين قائلاً: (يا ولدي دا مرتب شهر مايو، ولينا أسبوع بنمشي ونجي بيقولوا لينا بنك السودان ما جاب قروش، أما منحة العيد دي ما عشمانين فيها خالص لأنو المرتب الأصلي متلتلننا فيهو)، مُشيراً إلى أنّه إذا تمت برمجة لمعاشهم عن طريق الحساب البنكي بدلاً من النوافذ الحالية سوف يُواجهون نفس المصير، مُعلِّلاً ذلك بخواء الصرافات الآلية من النقود وحسب قوله (دا حار ودا ما بنكوي بيهو)، وطالب العم أحمد، الحكومة للاهتمام بالمعاشيين لأنّها المُستفيد الأول من استقطاعات مرتباتهم منذ تعيين الموظف حتى إحالته لسن المعاش، حيث تدخل هذه الاستقطاعات في مشاريع ربحية للدولة، لذلك يجب الاعتناء بالمعاشي ورد الجميل له، ونوّه إلى ضعف المعاش مُقارنةً بالوظيفة لأنه يحمل درجة بروف التي تفوق درجة الوزراء بالحكومة الحالية.

معاش وأمجاد!

حسن سيد أحمد علي، كان هو أيضاً أحد المُنتظرين بمقر شركة سودا بوست – وهي إحدى المنافذ التي تتولَّى أمر صرف مرتبات معاشيي الخدمة المدنية – قال لـ (السوداني)، إنّه أتى لصرف معاش والده الذي كان يعمل بقطاع السكة الحديد لمدة أربعين عاماً، ونسبةً لضعف المبلغ الذي يبلغ (500) جنيه وبعد أن استقطعت منه شركة بيع بالتقسيط حقها؛ تبقى له (300) جنيه، وقال: نسبةً لكبر سن والدي فقد ترك أمرها لي لأنّها لا تغطي ثمن ترحيله ذهاباً وعودة من الحاج يوسف إلى هنا.. وأشار الرجل إلى أنّه يأتي منذ الصباح لصرف المعاش، لكن الموظفين يتحجّجون بعدم وجود نقود بالنوافذ أو يتركها بسبب كثرة اصطفاف المعاشيين، مُشيراً إلى أنّ المعاش ضعيفٌ ولا يغطي أبسط احتياجات الأسرة مُقارنةً بالغلاء الطاحن الذي ضَرَبَ كل الأسواق ورغم ذلك لا يحصل عليه المعاشيون إلا بعد أن يصرفوا أكثر من نصفه في المُواصلات ذهاباً وإياباً.

شهادة براءة

مُوظّف بشركة سودا بوست للخدمات البريدية التي تَتَوَلّى أمر صرف مرتبات المعاشيين عبر نوافذها قال لـ (السوداني) – طالباً حجب اسمه – إنّ السبب الرئيسي لتأخُّر صرف مرتبات المعاشيين لشهر مايو المنصرم هو عدم توفر المبالغ التي يَطلبونها من البنوك لتغطية المعاشيين، خَاصّةً فيما يتعلّق بالشيكات التي وقف التعامل بها تماماً بخُصُوص الحصص التي من المتوقع توفرها للشركة لتغطية العدد الكلي للمَعاشيين، وبرأ المصدر الشركة من الأضرار التي وقعت على المعاشيين بأنّها لم تكن طرفاً في الصراع الذي يقع بين بنك السودان المركزي والمصارف التي تُطالب بمرتبات المعاشيين، وأضاف المصدر أن الشركة هي جهة خدمية تربط ما بين المعاشي والبنوك، وحسب قوله (نحن بجيبوا لينا قروش بنوزِّعها وعند انتهاء المبالغ بنغلق منافذ الصرف حتى اليوم التالي وهكذا).

أزمة سُيُولة

ويقول رئيس اتحاد معاشيي الخدمة المدنية خير السيد عبد القادر محيى الدين لـ (السوداني)، إنّ سبب إغلاق منافذ صرف المعاشيين بمحلية بحري يرجع لسياسة تحجيم السيولة من قِبل بنك السودان المركزي، وأضاف أنّ عدد المعاشيين لا يتناسب مع عدد كمية النقود التي يضخها بنك السُّودان لخزينة النوافذ، مُبيِّناً أنّ عدد المَعاشيين في ازديادٍ مُضطردٍ برغم تقليص الحِصة من قبل بنك السودان، وأكّد الرجل أنّ عملية الصرف تستمر من الصباح الباكر منذ وصول النقود من البنك المركزي، مُشيراً إلى أنّ النقود تنتهي قبل نهاية الدوام اليومي، وأوضح عبد القادر أنّه لا تُوجد مُشكلة في الصندوق ولا مُوظّيفه، وزاد بقوله: (المُشكلة في سياسة الدولة وبنك السُّودان المركزي)، مُنوِّهاً إلى أنّ الصندوق لديه من النقود بالبنوك ما تكفي حَاجة المَعَاشيين، وأنّ المَنافذ تزيد عن (13) منفذاً بالعاصمة، وختم حديثه بأنّ مبالغ المَعاشيين في بنك السُّودان وليس في الصندوق.

رفض البنوك

من ناحيته، قال مُفوَّض المدير العام للقطاع الحكومي بالصندوق الوطني للمعاشات والتأمينات الاجتماعية إبراهيم سليمان لـ (السُّوداني)، إنّ صرف المعاشيين ينقسم إلى نوعين، أحدهما عبر منفذ الصرف بالبنوك وهو مُنتظمٌ ولا تُوجد به مَشَاكل، أمّا الآخر فهو الصرف المُباشر عبر النوافذ العادية وهو الذي صَاحبته بعض المَشاكل كما حَدَثَ في محلية بحري، وأضاف أنّ الصّرف عبر النوافذ تتولّى أمره شركة سودا بوست للخدمات البريدية، وأنّ هذه الشركة لا تُوفّر لها السيولة من قِبل البنوك لتغطية عدد المَعاشيين المُصطفين بنوافذها، ولفت الرجل الى أنّ المعاشيين أنفسهم فضّلوا الصرف المباشر عبر النوافذ ورفضوا التعامل مع البنوك، وذلك يرجع لقناعاتهم، منها كبر سنهم، إضَافَةً لصُعوبة تَعاملهم مع الصرافات الآلية وغيرها من الإجراءات البنكية، وبعض المَعاشيين يغتنمون نهاية الشهر فُرصةً للتلاقي مع بعضهم، وأشار سليمان أنّهم بصدد ترغيبهم بابتعاث مناديب من البنوك ولكن لم يجدوا التفاعل من قِبل المعاشيين، وأنّ المُعالجات لهذه المشكلة وخوفاً من تكرارها هي دخول قطاع المعاشيين الحكومي في البنوك ليحذو حذو معاشيي القطاع الخاص الذين لم تحدث لهم مثل ما حدث لمعاشيي الحكومة وذلك بفضل التعامل البنكي.

صحيفة السوداني.