رياضية

ما هو تفسير عداء الولايات المتحدة لروسيا وتوسيع حلف الناتو شرقا

ضيفا الحلقة: المحلل السياسي أكثم سليمان من برلين، الصحفي الروسي أندريه أونتيكوف من موسكو

تستمر الولايات المتحدة بتوسيع حلف الناتو، ليصل إلى الحدود الروسية، رغم أن سبب وجود هذا الحلف كان ردا على وجود حلف وارسو قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن لا زالت الولايات المتحدة تزيد من تواجد قواتها في دول أوروبا الشرقية بالإضافة إلى إجراء تدريبات عسكرية بين فترة وأخرى على حدود روسيا، كما أنها نصبت منظومات الصواريخ المتعددة المهام في عدد من الدول الأوروبية، وذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك حيث بدأت بترميم المطارات العسكرية التي بنيت في زمن الاتحاد السوفييتي في شرق أوروبا.

فما الذي تريده الولايات المتحدة من خلال هذه الاستفزازات والتصعيد على الحدود الروسية؟
يقول المحلل السياسي أكثم سليمان بهذا الشأن: الولايات المتحدة والدول التي تريد التوسع ترى العالم رقعة شطرنج ولا يرون البشر في هذه النظرة الاستراتيجية، فلذلك ليس من الغريب أن تقوم الولايات المتحدة بترميم المطارات والأعمال الاستفزازية على حدود روسيا، إنما الغريب هي تلك اللغة التجميلية التي يستخدمونها عندما يقومون بهكذا فعل، كان هناك اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة بألا يتم توسع حلف الناتو شرقا، وهذا الشرط كان لكي تقبل موسكو آنذاك بقضايا كثيرة على رأسها إنهاء حلف وارسوا والسماح للألمانيتين بالتوحد وما إلى ذلك.

وأضاف أكثم سليمان حول أسباب عداء الولايات المتحدة لروسيا قائلا: كلنا يعرف أن لروسيا موقع مميز في العالم، فروسيا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، بإمكانها أن تعيق تصرفات الغرب سياسيا، وهذا ما تقوم به روسيا في السنوات الأخيرة بشكل مكثف، كما أن روسيا تمتلك أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل يسمح لها بتحد الولايات المتحدة، بينما هناك دول كبيرة أخرى لا تمتلك مثل هذه الأسلحة، كما أن لدى روسيا سياسة واضحة. بينما فرنسا ويريطانيا فهما في نفس البوتقة التي توجد فيها الولايات المتحدة، أما الصين فهي موضوعة أيضا أجندة المواجهة، لكن مبدئيا، روسيا هي الهدف الأول، لأسباب سياسية تختلف فيها روسيا عن الصين، حيث أن روسيا دخلت في تفاصيل اللعبة الدولية والتحرك سياسيا وعسكريا، وليس فقط كالصين التي تتحرك بشكل اقتصادي حتى الآن، فروسيا عمليا أفشلت عدة قضايا للغرب، في أوكرانيا وفي سوريا وتواجهه بأماكن أخرى بشكل مباشر وغير مباشر وهو ما يضعها على أعلى لائحة المستهدفين من قبل الغرب.

في هذا السياق لا بد من التذكير بأن عدة وسائل إعلام أمريكية أفادت بأن البيت الأبيض قد يخصص في العام المقبل 828 مليون دولار لاحتواء روسيا.

ومن المقرر أن يتم إنفاق القسم الأكبر من هذه الأموال في تحديث المطارات العسكرية، من أجل تنظيم شبكة واسعة من المطارات الأمريكية على الحدود الروسية في أوروبا.
وعن الرد الروسي على التصعيد الأمريكي بالقرب من الحدود الروسية في أوروبا الشرقية قال المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف: روسيا لا تصمت أمام اقتراب قوات الناتو من حدودها، فروسيا تنشر قواتها قرب حدود الدول الأوروبية وتحديدا في مقاطعة كالينينغراد، قرب حدود بولندا وجمهورية التشيك ولاتفيا.

كما قال أكثم سليمان حول السياسة الأوروبية: إن النخب السياسية الأوروبية هم عسكريا يتبعون للولايات المتحدة الأمريكية، وهناك قيادة للقوات العسكرية الأمريكية في أوروبا، والعمل الذي تنفذه لوجستيا الجيوش الأوروبية هو عمليا لخدمة الجيش الأمريكي، ولنقل القوات من مكان إلى آخر في أوروبا وعلى الحدود مع روسيا، مع الاعتماد على الدعاية الحربية التي ترى دائما في روسيا خطرا يتمدد، وهذا ما تحدث عنه حلف الناتو في أحد مؤتمراته، عندما تم الحديث عن ضرورة مواجهة أية محاولات لتوسع روسيا شرقا، ويحججون بذلك بما جرى في شبه جزيرة القرم، كما يتحدثون بقوة عن جمهوريات البلطيق، لكن في حال وقع اصطدام فالأوروبيون هم أول المتضررين.

بينما أضاف السيد أونتيكوف حول مزاعم التخوف الغربي من روسيا: إن روسيا لم تهدد أي دولة، ولكن ما يحصل الآن أن روسيا تهتم بحدودها وبحماية أمنها القومي، ولا يوجد هناك مشاريع أو خطط لأي عمل عسكري خارج الأراضي الروسية، لكن الولايات المتحدة هي التي تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأوربية مثل أوكرانيا وجورجيا، وهذا ينعكس على الرد الروسي، ولولا التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم لرأينا القواعد العسكرية الأمريكية قرب الحدود الروسية في شبه جزيرة القرم وفي البحر الأسود، ولا شك أن لدى روسيا قدرة على ضرب الولايات المتحدة، من خلال الغواصات النووية، ولدى روسيا أسلحة تقليدية متطورة والتي ذكرها الرئيس الروسي خلال خطابه السنوي أمام البرلمان الروسي، ولكن ما تريده روسيا هو أن تعيد أوروبا التفكير بسياستها، لأن أوروبا خاضعة لسياسة الولايات المتحدة وحلف الناتو وسياسة انتشار القواعد العسكرية، وهذا ينعكس سلبيا على الأمن القومي الأوروبي، لأن روسيا أيضا ستحمي أمنها القومي ومصالحها، ولو حصل تهديد للأمن القومي الروسي فرسيا سترد.

هنا لا بد من التذكير أن الخبير العسكري يوري كنوتوف أشار إلى أن عداء الولايات المتحدة لروسيا لا يخضع لتفسير منطقي، وأضاف: “هذا عمل لممارسة ضغط عسكري على بلادنا، ويبدو البرنامج الأمريكي غير كاف في الوضع العسكري والسياسي الراهن. غزو روسيا لإحدى دول الحلف مجرد هراء وخيال لا يجد تفسيرا منطقيا حتى في الغرب. لكن تحت هذه الذريعة، تقترب قوات الناتو من الحدود الروسية”.

فيما عبر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، عن قلق موسكو من بدء واشنطن التحضير لإنتاج منظومات صاروخية جديدة قد تتحول لاحقا إلى انتهاك لمعاهدة إزالة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى.

وقال ريابكوف أثناء كلمة ألقاها في مجلس الاتحاد الروسي (المجلس الأعلى للبرلمان): “يثير قلقا خاصا واقع أن الولايات المتحدة تبدأ، تحت ذريعة “الانتهاكات الروسية”المفتعلة، تنفيذ برامج عسكرية جوابية، بما فيها برامج استفزازية للغاية تنطوي على انتهاك معاهدة إزالة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى”.

وأضاف: “وخاصة أقرت الولايات المتحدة وخصصت أموالا لإطلاق برنامج حول إنتاج أسلحة صاروخية يتجاوز مدى تحليقها ما هو مسموح به بموجب هذه المعاهدة”.

كما اتهم الدبلوماسي الروسي واشنطن ببدء إعادة إعمار البنية التحتية تحضيرا لنشر هذه المنظومات الصاروخية في أوروبا.
وتابع: “كانت الولايات المتحدة أزالت في وقتها بنيتها التحتية لصواريخ “توماهوك” المجنحة. وسمح ذلك آنذاك بحل القضية الحادة في المفاوضات بشأن معاهدة إزالة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى حول الفرز بين صواريخ توماهوك ذات القواعد البرية والبحرية، وذلك لضمان غياب أي إمكانية لنشر مثل هذه الأنواع من الأسلحة برا والحفاظ على صيغتها البحرية في الوقت ذاته”.

وأشار أيضا إلى أن نشر المنظومات الصاروخية الأمريكية في اليابان سيكون انتهاكا لمعاهدة إزالة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقال: “بدأ الحديث يدور عن نشر مثل هذه المنظومات (المنظومات الصاروخية البرية) في الأراضي اليابانية بالقرب من الحدود الروسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ونشير هنا لليابان والولايات المتحدة إلى انهما بمثل هذه الخطوات توسعان نطاق انتهاكات واشنطن في إطار معاهدة إزالة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى”.

كما شدد على أن موسكو لا تزال تطرح هذه المسألة في اتصالاتها مع واشنطن، مشيرا إلى أن الأخيرة تتجاهل ذلك دائما.

لا شك أن الولايات المتحدة لا ترغب أن ترى روسيا دولة قوية اقتصاديا وعسكريا ولا لاعبا في حل القضايا الساخنة في العالم، وهي التي تعودت أن تفرض إملاءاتها على الدول بدون معارضة على مدى أكثر من عقدين من الزمن، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أي أن يكون العالم قطبا واحدا، ولا تريد أن يكون العالم متعدد الأقطاب، لكن روسيا لن ترضى بأن يكون العالم قطبا واحدا، فروسيا اليوم تختلف عن روسيا في تسعينيات القرن الماضي، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.

سبوتنك