أيلا .. بين تجفيف المدارس والتعليم الخاص !!
لست أدري ماذا دهى الأخ محمد طاهر أيلا الذي أشدنا به قبل مجيئه إلى ولاية الجزيرة وكتبنا أن إنجازه في ولاية البحر الأحمر سبقه إلى موقعه الجديد وقدمه إلى جماهير الجزيرة التي استقبلته كما الفاتحين استبشاراً وتفاؤلاً بمقدمه.
قلنا لأيلا وقتها ناصحين إن عليه أن يبني على التأييد الكاسح المسبق الذي حُظي به بدون أن يوجف عليه خيلاً ولا ركاباً ليزيد من شعبيته بجمع جميع أهل الولاية حوله بعيداً عن الاستقطابات التي عرفت بها الولاية ولكنه للأسف لم ينتصح.
لن أتحدث عن المعارك الدونكيشوتية التي خاضها واللغة الاستفزازية التي استخدمها مع من كان لهم رأي حول بعض سياساته فقد تحول أولئك في نظره إلى مجرد (خفافيش) ينبغي أن يحسموا وينكل بهم تنكيلاً.
لا أريد أن أذكر بفعلته الطاغوتية المنكرة التي أغلق بها أبواب المجلس التشريعي بعد أن أرغى وأزبد وأبرق وأرعد وهو يقود المسيرات الغاضبة ضد قيادات حزبه المنتخبين قبل أن يصدر القرار بحل المجلس الأمر الذي أخضع الولاية إلى سلطة رجل واحد لا رقيب عليه ولا حسيب ولا برلمان يشرع لولايته أو يجيز موازنتها أو يراقب أداءها التنفيذي، وتحول أيلا إلى فرعون يزأر في بني ولايته ويتوعد ولسان حاله يقول :
(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).
كتبت قبل أيام عن آخر تقليعات أيلا وهو يقرر تجفيف 118 مدرسة بحجة قلة عدد تلاميذها وتلميذاتها بدون أن يطرف له جفن وبدون أن يخشى من الكلفة السياسية لقرار غريب يتعلق بأخطر القضايا التي تشغل اهتمام العالم أجمع .. يعلم أيلا أنه ما من خدمة باتت محل اهتمام الدنيا بأجمعها مثل التعليم كأكبر رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالرغم من ذلك يهوي عليه بمعوله بدون أن يفكر في كلفة قراره من الناحية السياسية سيما وأنه قد اتخذ في الوقت الخطأ والإنقاذ تترنح تحت ضربات الأزمة الاقتصادية الخانقة.
الغريب أن القرار شمل عدداً من المدارس التي أنشئت بِحُر مال أهل المنطقة.
بالله عليكم ألا تستحق كل قرية مدرسة أساس ولا أقول مدرسة ثانوية ثم لماذا لا ينفذ القرار بالتدريج إن كان هناك بعض المدارس التي لا تضم غير تلاميذ يعدون على أصابع اليد؟
كان الأفضل أن يجمع أولاد وبنات الصفوف الثلاثة الأولى في مدرسة مختلطة بدلاً من إغلاقها سيما وأن الناس يتكاثرون بمرور الزمن، ثم هل ستتولى الولاية ترحيل التلاميذ والتلميذات وهم وهن في عمر السادسة إلى مناطق تبعد ربما عشرات الأميال من منازلهم أم يتحمل ذلك الآباء الفقراء والمعدمون، وما هو تأثير ذلك في زيادة الأمية والفاقد التربوي وتخلي الأسر عن تعليم أطفالها بكل ما يترتب على ذلك من ازدياد في معدلات الأمية؟
الغريب أن أيلا في البحر الأحمر اتخذ سياسات رائعة لتشجيع المواطنين على تعليم ابنائهم حيث وفر الأكل والشرب والمعينات للتلاميذ بينما فعل عكس ذلك تماماً في الجزيرة .
ثمة سؤال يحتاج إلى إجابة : لماذا يطبق القرار الآن ولم يطبق قبل سنوات بل لماذا يطبق دفعة واحدة ولماذا لم يطبقه في ولاية البحر الأحمر سيما وأن الجزيرة أكثر كثافة سكانية؟!
عجائب أيلا لا تنقضي فقد تزامن مع قرار تجفيف المدارس قرار آخر اتخذه أيلا بوقف (157) مدرسة خاصة لكنه تراجع عنه بعد أن أدرك كلفته السياسية والتعليمية الباهظة.
بهذه المناسبة أود أن أعبر عن دهشتي واستغرابي من تصرفات بعض وزراء التربية الولائيين الذين يعتبرون التعليم الخاص عدواً مبيناً ينبغي أن تشن الحرب عليه ويخنق ويموت بدلاً من أن يعان ويشجع ليتطور ويسهم في تخفيف الضغط على الدولة.
سؤال واحد ينبغي أن يوجه إلى الوزراء : تخيلوا ما يحدث في ولاياتكم لو اتخذت المدارس الخاصة التي اضطرت إلى تنظيم نفسها في اتحاد بعد أن شعرت بخطر يتهددها من التدخلات الجائرة
للسلطات الحكومية ، تخيلوا ما يحدث لو اتخذت المدارس الخاصة قراراً موحداً بالتوقف عن العمل.
من يتحمل مسؤولية توقف مئات الآلاف من التلاميذ عن الدراسة في شتى أنحاء السودان؟ .. دعك من ذلك ولنسأل ما يحدث في ولاية واحدة مثل ولاية الجزيرة لو مضت في إنفاذ قرارها وأغلقت الـ( 157) مدرسة ولنفترض أن المدرسة الواحدة تضم (200) تلميذ فقط.. هل تستطيع توفير مدارس لعدد يبلغ (41300) تلميذ وكم يكلف ذلك من حيث المباني والمعينات الأخرى وكم تبلغ كلفة المعلمين؟
من الطبيعي أن تتراجع الولاية عن قرار إيقاف المدارس الخاصة رحمة بنفسها من أزمة سياسة كفيلة بأن تعصف بها وليس رحمة بالمدارس الخاصة.
أعجب من وزراء التربية الولائيين الذين يتدخلون بصورة خاطئة في شؤون المدارس الخاصة بدلاً من أن يهتموا بالتعليم الحكومي الذي بلغ من التدني درجة غير مسبوقة.
لا أعني بذلك أن تنصرف الوزارة عن مسؤوليتها المتعلقة بالإشراف على التعليم بنوعيه العام والخاص ولكن عليها ألّا تتخذ أي قرارات تتعلق بالتعليم الخاص بدون أن تشركه في القرار .
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة