مسيرة الانقاذ .. تحولات جذرية انتهت للبدايات
صباح الجمعة في الثلاثين من يونيو للعام 1989 كانت صرخة ميلاد ما عرف بـ ثورة الإنقاذ الوطني التي كانت الحركة الإسلامية السودانية لحمتها وسداتها، والتي قامت على اكتاف منسوبيها في القوات المسلحة السودانية ، ومرت الثورة خلال عقودها الثلاثة بالعديد من التقلبات الحادة والمفصلية على رأسها مفاصلة الرابع من رمضان، واتفاقية السلام الشامل 2005 التي انتهت بانفصال الجنوب، وازمة دارفور التي بدأت تتخلق منذ نهاية العام 2003 لتكتمل صورتها في العام 2009 وتصل نهاياتها في العام الجاري على هيئة ازمات داخلية غير مسبوقة على إثر الحصار الإقليمي والدولي الخانق الذي لم تشهد البلاد مثله في تاريخها كله !؟
بدأت الإنقاذ مشوار حكمها عبر منظومة مجلس قيادة الثورة الذي ضم خمسة عشر عضواً وتشكل مجلس قيادة الثورة من العميد عمر البشير رئيساً، والعميد الزبير محمد صالح نائب رئيس مجلس وعضوية كل من عميد صلاح الدين محمد احمد كرار، عميد فيصل علي أبو صالح، عميد التجاني آدم الطاهر، عميد عثمان احمد حسن، عميد دومنيك كاسيانو بخيت، عميد ابراهيم نايل ايدام، عقيد سليمان محمد سليمان، عقيد مارتن ملوال أروب، عقيد طيار فيصل مدني مختار، عقيد بيويو كوان، مقدم محمد الامين خليفة، مقدم بكري حسن صالح، رائد ابراهيم شمس الدين ،ولاحقاً تم حل المجلس في اكتوبر 1993 وانتقل اعضاؤه إلى مواقع تنفيذية واصبح البشير رئيساً للجمهورية، وللوقوف على اهم المحطات في مسيرة عهد الإنقاذ التي اكملت عامها التاسع والعشرين اليوم ، وللمفارقة فان ذات المسوغات التي تبنتها الثورة كمبررات لقيامها آلت إليها البلاد الان تتبناها المعارضة الآن التي تقدم نفسها كبديل لها .
سيطرة تنظيمية
القيادي السابق بالمؤتمر الوطني ومستشار رئيس حزب حركة الاصلاح الآن اسامة توفيق قسم تاريخ الإنقاذ لثلاث مراحل، تمثلت في العشر سنوات الاولى للثورة والتي تنقسم بدورها لفترتين، اتسمت الاولى منها بالانضباط التنظيمي وتحقيق قفزات سياسية واجتماعية واقتصادية ،على خلفية المؤتمرات العامة التي لخصت الإشكالات التي تواجه البلاد ووضعت لها الحلول اللازمة ، وشهدت تلك الفترة سيطرة تنظيمية قوية من قبل الحركة الاسلامية التي كان امينها العام حسن عبد الله الترابي .
بداية الصراع
اما الفترة الثانية من العشرية الاولى (1995- 1999) فقد شهدت بداية الصراع الداخلي بين تياري المنشية بقيادة الترابي وعلي عثمان محمد طه رغم انه كان نائب الترابي في الحركة الاسلامية لانه كان يميل لتيار العسكر وفقاً له ، واخذت نذر الخلاف تلوح في العلن ، كما تم تأسيس حزب المؤتمر الوطني في العام 1997 ، ومن ابرز احداث هذه الفترة رحيل نائب الرئيس اللواءالزبير محمد صالح في حادث تحطم الطائرة التي تقله إلى منطقة الناصر 1998 .
وعندها شغر منصب نائب الرئيس فقام الترابي بتقديم قائمة للرئيس تضم ثلاثة خيارات هي علي الحاج محمد والترابي وعلي عثمان محمد طه ، فاختار الرئيس الاخير ، فغضب الحاج وغادر إلى المانيا ، كما آلت رئاسة البرلمان للترابي، الذي اشتغل على الدستور فانتج ما عرف بالتوالي السياسي واقتراح ان يتم انتخاب الولاة عوضاً عن تعيينهم، وذلك سعياً لتقصير الظل الإداري للرئيس، وفي التوقيت نفسه ظهرت مذكرة العشرة وابرز من وقع عليها غازي صلاح الدين العتباني وبكري حسن صالح التي كانت تهدف لتحجيم نفوذ الترابي في الحركة الإسلامية بإنشاء مؤسسات داخل الحركة لان العمل كان بيد الترابي الشيء الذي لم يقبله الترابي، كما لم يقبل لرئيس مسألة انتخاب الولاة .
المفاصلة
نهاية العشرية الاولى شهدت المفاصلة بين تيار المنشية والقصر باعلان الرئيس عمر البشير لقرارات الرابع من رمضان لعام 1999 والتي اعلن فيها حل البرلمان وتعطيل الدستور، والبدء في مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق. ولاحقاً انشأ تيار المنشية حزبه المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي، واصبحت الحركة الاسلامية حركتين الاولى تتبع للمؤتمر الوطني بقيادة علي عثمان محمد طه والثانية تتبع للمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي .
سلام بأمر دولي
أما أبرز محطات العشرية الثانية وفقاً لتوفيق فتتمثل في توقيع اتفاقية السلام الشامل يناير 2005 بين الحكومة والحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، وقد وقعت عليها الحكومة بتعليمات من الولايات المتحدة الامريكية ، مشيراً إلى ان انهم كاصلاحيين داخل المؤتمر الوطني انذاك بقيادة غازي صلاح الدين تنبهوا لمخاطر الاتفاقية باكراً ، وقد خط غازي مقالاً قال فيه ان الاتفاقية صممت لفصل الجنوب عن الشمال وان الدولتين لن تنعما بالسلام ،كما سيتخلق جنوب جغرافي جديد في شمال السودان، وقد كان ذلك بالفعل .
فوضى عارمة
الفوضى تضرب باطنابها في كل مكان تلك هي الصفة الغالبة على العشرية الثالثة للإنقاذ وفقاً لتوفيق ، فقدت الدولة جزء من هيبتها ، فقد استشرت القبيلة والجهوية وكثرت المحاصصات والاستقطابات التي تقومعلى الجهويات والمناطقيات.
اتفاقيات سلام ولكن!
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عوض فلسطيني في حديثه لـ»الانتباهة» قسم الاحداث التي شهدتها البلاد في عهد الإنقاذ إلى سياسية وتعليمية وثالثة تتعلق بملف السلام واخرى ذات صلة بحوادث الطيران، واستهل حديثه بمحور السلام الذي تمت فيه جهود كبيرة بدءاً باتفاقية فشودة واتفاقية الناصر، ومن الاحداث المتعلقة بملف السلام مقتل كاربينو كوانين عقب توقيعه مع رياك مشار اتفاق سلام للخرطوم إثر عودته للغابة مجدداً، وقد كانت الاتفاقية بين مشار والحكومة السودانية ولاحقاً نفض مشار يده من اتفاقه مع الخرطوم وعاد للغابة ثانية ، وتواصلت جهود السلام إلى ان توجت باتفاقية السلام الشامل 2005، والمفاوضات التي قادتها الحكومة مع حركات دارفور بدءاً من 2003 وحتى 2016 ، وبلغت مجمل اتفاقيات السلام التي وقعتها الحكومة اكثر من 60 اتفاقية .
إضافة عمرانية
وفي محور التنمية قدمت الانقاذ إضافات مقدرة في مجال العمران والبنى التحتية كالطرق والجسور على مستوى المركز والولايات ، وعلى مستوى النهضة العمرانية كانت هناك العديد من المباني والحدائق والدور العامة ، كما استطاعت ان تعمل نهضة كبيرة في الطرق القومية التي تربط العاصمة ببقية الولايات مثل دارفور وكردفان والشمالية والشرق ما ادى لنقلة كبيرة في هذا الاتجاه.
توسعة التعليم
وفي التعليم يعتبر اهم حدث هو عمل الانقاذ على توسعة التعليم العالي بإنشاء كم كبير من الجامعات والكليات التي انتشرت على مستوى البلاد عقب ان كان التعليم العالي محصوراً في خمس جامعات فقط ، فضلاً عن ذلك في اطار التعليم العالي والعام استطاعت ان توسع البنية التحتية في التعليم الاساس وتجعله شبه إجباري ، فضلاً عن دمج مرحلتي الابتدائي والثانوي العام والان هناك حديث عن سلم تعليمي جديد ، إجمالاً حققت الانقاذ نقلة كبيرة جداً في إطار التعليم العام والعالي .
أحزاب
في الاطار السياسي يرى فلسطيني انه وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت في إطار المؤتمر الاول للسلام برئاسة محمد الامين خليفة عام 1989( -1990 ) ، ما ادى لحراك كبير مع القوى السياسية إلا انه وخلال الثلاثين عاماً الماضية شهد السودان اكبر عدد من الاحزاب السياسية في تاريخ البلاد ، فما قبل الانقاذ كان عدد الاحزاب لايتجاوز اصابع اليد الواحدة ، والان عددها يتجاوز المائة حزب فضلاً عن الحركات المسلحة التي يجب ان تتحول لاحزاب سياسية حتى تستطيع ان تزاول العمل السياسي .
وصمة الانفصال
أما فيما يتعلق بالاحداث السياسية اعتبر فلسطيني ان انفصال الجنوب من اكبر الاحداث في عهد الانقاذ واصفاً اياه بوصمة العار للحكومة، بجانب مشروع الحوار الوطني الذي دعت له الحكومة في فبراير 2014 وقد نجحت في إقناع عدد كبير من القوى السياسية للجلوس على مائدة مستديرة واحدة بغرض الحوار للنظر في حلحلة مشكلات البلاد وبغض النظر عن نجاحه من فشله فهو تجمع كبير للاحزاب خلال ثلاثة اعوم امضتها في مناقشة قضايا البلاد ووضعت عدداً كبيراً من التوصيات حول قضايا الحكم والهوية والاقتصاد والعلاقات الخارجية والسلام .
ومن الاحداث الكبيرة قرار تقسيم البلاد لعدد كبير من الولايات (18) عوضاً عن نظام الاقاليم الذي كان سائداً من قبل (تسعة اقاليم ) ، وتلك اكبر نقلة حدثت في تاريخ الحكم الفيدرالي .
ظاهرة الانشقاقات الحزبية
ومن الظواهر اللافتة في عهد الإنقاذ وفقاً لفسلطيني ظاهرة الانشقاقات والانشطارات التي ضربت الاحزاب السياسية والحركات المسلحة بدءاً من حزب الامة والاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي انتهاءً بالمفاصلة التي وقعت بين الإسلاميين انفسهم ، فقد عمدت لتطبيق سياسة فرّق تسد فاخذت الحركات تنشطر بالعشرات وكذلك الاحزاب، بينما كانت الانشقاقات السابقة للإنقاذ ضئيلة حيث انقسم كل من حزبي الامة والاتحادي لجناحين.
كوارث طيران
وتطرق فلسطيني لما اسماه كوارث الطيران ومعظمها كانت في الثلاثين عاماً الماضية، ومنها عدد من الطائرات المدنية واشهرها طائرة بورتسودان التي لم ينجُ منها غير طفل واحد، بجانب حوادث الطيران العسكرية التي استشهد فيها عدد من القادة السياسيين والعسكريين منها طائرة الناصر التي استشهد فيها الزبير وإبراهيم شمس الدين واروك طون اروك بالاضافة لطائرة الشهيد مكي بلايل في محلية تلودي بجنوب كردفان وغيرها من الحوداث في الولايات المختلفة .
صحيفة الانتباهه.