تحقيقات وتقارير

انطلقت يوم أمس (الأحد) وتستمر أسبوعاً.. حملة مقاطعة اللحوم.. رصد لملامح اليوم الأول

انطلقت يوم أمس (الأحد) حملة لمقاطعة اللحوم، تلبية لدعوات أطلقها نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، للاحتجاج على ارتفاع أسعارها بصورة جعلتها بعيدة عن أيدي المواطنين.

وفي ظل غياب مراصد الإحصاء وقياسات الرأي العام، يصعب معرفة نجاح الحملة من عدمه. ولكن (الصيحة) مع ذلك اجتهدت وعبر جولة ميدانية في معرفة تأثيرات الحملة بصورة عامة، وتأثيراتها على بقية السلع.

وبعد أن ذاق السودانيون الأمرين، دون أن يتذوقوا طعم اللحوم التي تتراوح أسعارها بين (160-250) جنيهاً، اختار النشطاء الاحتجاج باستخدام سلاح المقاطعة، لمدة أسبوع، واتخاذ خيارات بديلة للحوم على أمل تراجع أسعارها في بورصة السوق.

تأثير طفيف

وافق يوم أمس (الأحد) تاريخ سريان بدء حملة أطلقها مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي، لمقاطعة شراء اللحوم التي شهدت أسعارها ارتفاعًا لم يسبق له مثيل، وسبق الحملة ترويج كثيف على الأسافير فيما ظل شعار (الغالي متروك) و(أنا مقاطع) يتصدران منشورات رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي ظلت السمة الغالبة على روادها، فيما يقول البعض إنهم مقاطعون مسبقاً لجهة عجزهم عن شراء اللحم في أسعارها قبل الارتفاع فما بالك بما جرى بعده.

وعملياً، يصعب قياس مدى نجاح الحملة في يومها الأول، لكن من خلال مشاهدات أولية والاستماع لآراء مواطنين وأصحاب ملاحم يمكن الخروج ببعض الاستنتاجات في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.

يقول “علام الضو” الذي يعمل بإحدى الملاحم بالخرطوم لـ “الصيحة” أمس إنهم على علم بالحملة وتوقيتها، مشيراً لتوجس بعض الجزارين من عدم إمكانية تصريف كميات اللحوم المعتادة لذلك عمدوا لتقليلها، وفي الوقت الذي أقر فيه بتلمسهم لأثر المقاطعة لكنه وصفه بالطفيف، وقال إن الحصص التي تطلبها المطاعم بالأسواق لم تتأثر ولكن قل الطلب من المواطنين.

أما المواطن التوم حامد، فقال إنه نفذ الحملة وقطع على نفسه وعدا بعدم شراء لحوم هذا الأسبوع على أمل خفض أسعارها، وقال إن معدل استهلاك عامة المواطنين تراجع أصلاً قبل الحملة بفعل الأسعار التي وصفها بالمبالغ فيها.

فيما تخوف بعض المواطنين من نتيجة عكسية للحملة، وقالوا إنه على ذكر محاربة الجشع فما الذي يضمن لهم عدم انتهاز تجار البقوليات والخضار للحملة لرفع أسعار الفول والعدس والخضروات.

سلاح الإضراب

تأريخياً يعد سلاح الإضراب عن شراء السلع من أقوى الأسلحة التي تحارب بها المجتمعات، وكثيرا ما تؤدي غرضها بتراجع الأسعار، وعلى قلة استخدام سلاح الإضراب بالسودان لكنها ليست غائبة تماماً عن واقع المجتمع، فقبل نحو “4” عقود نظم مواطنة مدينة عطبرة “شمالي البلاد” حملة مقاطعة مماثلة على ارتفاع أسعار اللحوم والسكر، وحينها امتنع المواطنون تمامًا عن شراء السلعة، فلم يكن من خيار أمام التجار سوى خفض التسعيرة وإعادتها لما كانت، وإلا فعليهم تكبد خسائر لا قبل لهم بها، أما عالمياً فالتجارب كثيرة ومتعددة، فكثير من الشعوب تتجنب تلقائياً شراء السلع التي ترتفع أسعارها بلا مبرر وتتجه مباشرة لأنسب بديل رخيص الثمن.

ولطالما بدأت الحملة من مواقع التواصل الإجتماعي، فلا غرو أن يكون “واتساب وفيسبوك” منصة للترويج للحملة وبث روح الأمل في نفوس المواطنين بأن بإمكانهم القيام بخطوة ما عوضاً عن البقاء عاجزين بلا رد فعل على توالي ارتفاع الأسعار.

وعلى موقع “فيسبوك” الذي شهد أمس نقاشات متواصلة حول القضية، نشر “عبد القادر محمد عثمان” في إحدى المجموعات المتخصصة يقول إن مقاطعة اللحوم تعتبر “الخطوة الأولى”، وبحول الله تعالى تتبعها خطوات متواصلة، منوهاً إلى أن المقاطعة ليست ضد الجزار ولا التاجر ولا صاحب الماشية، فهي على حد ما كتب “مقاطعة ضد الجشع محل ما يكون”، ولمزيد من الإبانة قال: لو كان الجزار يشتري رخيص ويبيع غالي، فنحن ضد الجزار حتي يترك الجشع، ولو كان التاجر يشتري رخيص ويبيع للجزار غالي، نحن ضد التاجر، ودعا كل شخص ليس طرفاً في هذا الجشع ليكون معهم ويقاطع.

جشع تجار

المغرد الإسفيري “عبد القادر” يجزم بأن المسألة يدخل فيها الجشع بنسبة كبيرة، ضارباً المثل بجوال السكر الذي يخرج من كنانة بـ “815” جنيها تقريباً، لكنه يصل للمواطن بسعر يتجاوز “1250” جنيهاً، بل ووصل في بعض الأحيان “1500” جنيه، متسائلاً ألا يعد هذا جشعاً.. وزاد، وليه يزيد وينقص للمواطن وهو ثابت في مصنع كنانة؟

ذأت الأمر قال إنه ينطبق على أسطوانة الغاز التي تخرج من المستودع بسعر 140 جنيها، لكنها تباع في محال الغاز حسب أمزجة أصحابها، فمنهم من يبيعها بـ “200” ومنهم من يرفع السعر إلي “250” جنيهاً.

معركة النفس الطويل

وقبل أن يختم منشوره سمى الحملة بـ “معركة النفس الطويل” كناية عن صعوبة المهمة وطالب المواطنين بالاجتهاد لإيصال صوتهم لكل المواقع على الشبكة العنكبوتية وفي الأحياء والفرقان ومواقع العمل، وفي كل مكان، وحذر من اليأس والثقة في الانتصار حتى وإن لم تنجح الحملة في تحقيق هدفها، فهذا لا يعني الفشل بقدر ما يعني خسارة جولة مع بقاء جولات أخرى حتماً سيكون النصر فيها.

وانضمت إلى الحملة الجمعية السودانية لحماية المستهلك وأعلن الدكتور ياسر ميرغني الأمين العام للجمعية تضامنهم مع حملة المقاطعة، وقال إن الجمعية تظل متمسكة بشعارها “الغالي متروك” وهو شعار يصلح لكل زمان ومكان، وقال “نحن نؤيد أي حملة لمقاطعة الغلاء” خاصة أن البديل للحوم موجود وبسعر مناسب، وطالب بحملات شعبية لتوعية المستهلك لرفض الغلاء، مبيناً أن الحملة تحتاج لتضامن ومناصرة لكبح جماح جميع الأسعار. وسجل الجمعية في حملات المقاطعة مشهود، فسبق وأن نفذت حملة لمقاطعة جميع أنواع اللحوم استمرت ثلاثة أيام تحت شعار “الغالي متروك” ورأى القائمون على أمر الحملة حينها أن الخرطوم فشلت في السيطرة على ارتفاع أسعار السلع بعد إقرار سياسة التحرير الاقتصادي في العام 2011م، إلا أن جمعية حماية المستهلك قالت إن الهدف هو لفت انتباه الحكومة إلى الرسوم والجبايات التي تفرضها بعض الولايات على وارد الماشية والرسوم المفروضة في نقاط العبور ما ساهم في ارتفاع أسعارها محلياً.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة.