الطيب مصطفى

ولكم في القصاص حياة!


تنفَّس المواطنون الصعداء جراء الحكم الرادع الذي قضت به إحدى محاكم الخرطوم بإعدام ذلك الوحش البشري الذي اغتصب ثلاثة أطفال أشقاء، وبعدها بيوم قضت إحدى محاكم القضارف بذات الحكم الرادع على وحش آخر اغتصب (11) من تلاميذه، لكن جريمة القضارف كانت مروّعة، وربما لا سابق لها، فقد كان ذلك الحيوان الآدمي شيخ خلوة استودعه أهل أولئك الصغار أطفالهم ليقوم بأعظم مهمة دينية وأخلاقية ألا وهي تعليمهم القرآن الكريم، فقام على العكس من ذلك تماماً بارتكاب أفظع الجرائم وأقبحها وأشنعها.

أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، فقد شفى ذلك الحُكم الصارم صدور قوم مؤمنين، وأرعب أصحاب القلوب المريضة، ولا أشكّ لحظة واحدة في أنه سيكون له تأثير بالغ على أمن البلاد وسلامها الاجتماعي، وفي تأمينها من شياطين الإنس ومن غيرهم من الأشرار الذين تجرّدوا من كل القيم الإنسانية وأتوا من الجرائم ما تعف عنه حتى الحيوانات.

كتبتُ قبل أيام عن أهمية تسريع إجراءات التقاضي، وطلبتُ من مولانا رئيس القضاء حيدر دفع الله، ومن النائب العام مولانا عمر أحمد محمد، المسؤول عن رفع الدعاوى أمام القضاء، أن يقوما بمبادرة (من خارج الصندوق) لتسريع إجراءات التقاضي، وإذا كان القضاء الإنجليزي والغربي بصفة عامة والذي لا يزال يُمسك (بحلقوم) إجراءات العدالة في نياباتنا وقضائنا، يقر بأن تأخير العدالة ظلم Delayed justice is a denied justice بالرغم من أن إجراءات التقاضي المتّبعة، بدءاً من محكمة الموضوع إلى مرحلة المراجعة مروراً بمحكمتي الاستئناف والعليا، ثم أساليب كثير من المحامين في التأخير والتعويق والتي يتعمّدها معظمهم لزيادة أتعابهم من موكِّليهم، أقول إذا كان القضاء الإنجليزي يقر بعدم عدالة نظامه العدلي جراء التأخير الذي يشوب إجراءات التقاضي، فماذا ننتظر، ولماذا لا نُحدِث ثورة تكنس تلك الإجراءات العقيمة ونقيم مقامها نظاماً عدلياً يستصحب الموروث الإسلامي الذي يقف شاهداً عليه تجربه شريح القاضي وغيره من أعمدة القضاء الإسلامي، وكذلك الموروث السوداني العريق الذي برع فيه عمد ومشايخ سارت بسيرتهم العطرة الركبان؟

أقولها ثقة في الرجلين اللذين يتوليان اليوم منظومة العدالة بشقيها النيابي والقضائي إن أمامهما فرصة حقيقية ليحققا ما عجز عنه السابقون وليرضيا الله تعالى بفعل سيؤجران عليه إلى يوم الدين، وذلك بتأصيل النظام العدلي من خلال إخراجه من أسر القضاء الغربي القائم على مفهوم التعاطُف مع المجرم والتماس العذر له سواء بالحق أو بالباطل من خلال انتهاج أساليب غريبة وعجيبة يُحشَر فيها الطب النفسي وغير ذلك من البدع التي تؤخر إنفاذ حكم القانون وتجهض العدالة.

كثيرًا ما يُتوفّى المدّعون والمتّهمون قبل أن يصدُر الحكم، وقد عشت تجربة مريرة استمرت ثلاث سنوات ونصف اضطرتني إلى فقدان الثقة في القضاء واللجوء إلى التسوية مع المُدَّعى عليهم سيما وأن بعض المتقاضين ماتوا (كمداً) في انتظار الحكم الذي لم يأت ولن يأتي بعد أن لجأتُ إلى تجرّع السم والقبول بالتسوية.

أقترح أن تُعقد ورش حول الأمر يتداول فيها العلماء وأهل القانون، ويمكن أن يشارك فيها خبراء من الخارج، وليت لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني تُدلي بدلوها وتتحرك في هذا الشأن بالتنسيق مع المؤسسات العدلية .

لقد عانى والد الأطفال الثلاثة وذوو أطفال القضارف طويلاً، وهم ينتظرون الشهور الطوال بعد الصدمة التي فجعتهم، ولكن يحمد لقضاء القضارف تحديداً أن حسم الأمر سريعاً، بالرغم من أنني أرى أن الأمر ما كان محتاجاً إلى أكثر من جلسة واحدة كالتي كان يقيمها الفقيه والعالم النحرير شريح بن الحارث الكندي في أيام حكمنا الإسلامي الراشد.

أما الشق المتعلق باهتزاز الثقة في شيخ الخلوة، فقد كتبتُ أننا نحتاج إلى علماء بأكثر من حاجتنا إلى حفظة قرآن وحبذا لو كان الحافظ عالماً لأن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، سيما وأن الحافظ بلا علم يمكن أن يكون حماراً يحمل أسفاراً لا يدري معانيها أو مغازيها، كما يمكن أن يقترف من الآثام أبشعها، ثم ذكَّرت بالتلاميذ الذين يحفظون للامتحان وينسون ما حفظوه فور انتهاء الامتحان ولذلك طالبتُ بتعديل منهج الدراسات الإسلامية بما يجعل بناء القناعات في نفوس التلاميذ هدفاً يُبتغَى من خلال منهج منتقى يحقق تلك الغاية بدلاً من الحفظ غير المجدي.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة