صلاح الدين عووضة

(روح) حسين !!

*كانت ليلةً هي الأطول في حياتي..

*والأسوأ… والأبرد… والأغرب… والأشد إخافةً ؛ كذلك..

*كان بردها – في ذلكم الوقت من شهر كياه – لا يحتمل ؛ رغم الأغطية الصوفية..

*وكنت أقضي جانباً من دراستي الابتدائية هناك… في البلد..

*لم أنم – تلكم الليلة – حتى لحظة تنبيه مؤذن الجامع لصلاة الفجر..

*والريح ذات العواء المرعب لم تتوقف إلا في اللحظة ذاتها… أيضاً..

*وفوق رعب زئير الريح كان هنالك شيءٌ أشد إرعاباً..

*وأصل الحكاية أن من بين زملائي في الفصل توأمان ؛ حسن وحسين..

*حسين كان مصاباً بشلل الأطفال… حسبما سمعت..

*وساعده الأيمن الناحل اُمتص منه ماء الحياة… فبدا كالعرجون القديم..

*أما اليد – بأصابعها الرفيعة – فأشبه بمخالب طائر نافق..

*وهي أكثر ما كان يشد انتباهي من بين عجائب المدرسة كلها…وما أكثرها..

*ومنها أن عقوبة الجلد في فصل الشتاء لها طقوسها..

*فهي لا تستهدف إلا اليد ؛ ظاهرها بالمسطرة… وباطنها بفرع شجرة أعجف..

*ومنها جلب البطيخ والشمام من السوق نهار الخميس..

*ثم التهامهما بشراهة في المدرسة ؛ ولا أدري لم الخميس بالذات… ولم أسأل..

*ومنها تخصيص حصة صباحية لرياضة كرة القدم..

*فإذا بدأت حصص الدروس سال العرق – مع الحبر – على الكراسات..

*وكانت إدارة المدرسة تتكفل بإفطار التلاميذ بواسطة متعهد..

*كل خمسة منهم يتحلقون حول صحن كبير… فيمتلئ الحوش بالمتحلقين والصحون..

*وحسبته سوء حظ – وقتها – حين وجدت حسيناً في حلقتنا..

*أو بالأحرى هو الذي وجدني ضمن حلقته ؛ فهو الأقدم… وأنا (عابر فصول)..

*فما كنت أستسيغ الأكل لشيء في نفسي (العوَّافة)…آنذاك..

*ثم توفي حسين هذا فجأة ؛ مع مقدم شهر كياه… أو كياح كما ينطقه البعض..

*فبكته المدرسة… وأشجارها… وأحبارها… وعصافيرها…. وأنا..

*أنبني ضميري جداً… ثم جاء الليل بزمهريره – وزمجرته – فضاعف أحزاني..

*فمن أساطير منطقتنا أن عويل ريح كياه ما هي إلا روح ميت..

*ولم يمت يومها سوى حسين ؛ فهي – إذاً – روحه… وهي غاضبة مني ولا شك..

*فقد كانت نظراته تفضح إحساسه بشعوري المفضوح نحوه..

*وتفتأ الريح تعوي… وتصرخ… وتزمجر… ولا تبرح محيط منزلنا ؛ هكذا ظننت..

*بل وظننت أنني سمعت اسمي مراراً… كلما صفقت الريح شيئا..

*وحين طفق المؤذن ينبه لصلاة الصبح سكتت الريح فجأة… وسكنت (الروح)..

*أو لعلها سكنت بعد أن (سكت) عنها الغضب تجاهي..

*واستمدت روحي أنا من سوء الحظ ذاك حسن حظ بتعلم الدرس باكراً..

*درس عدم التأفف من أي (روح)…هي من (روح) الله..

*وشكراً (روح حسين !!!).

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة