تحقيقات وتقارير

بعد أن سدَّت القاهرة أبوابها الصادق المهدي… أين الوجهة القادمة؟

إغلاق القاهرة أبوابها أمام رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي الأسبوع الماضي حمل العديد من المؤشرات المحلية والإقليمية عن نجاح الحكومة السودانية في حصار معارضيها والتضييق عليهم عبر العواصم ودفعهم دفعا نحو العودة إلى الخرطوم للبحث عن تسوية. المهدي بحسب بيان سابق لحزب الأمة بقي لساعات في مطار القاهرة لدى وصوله قادماً من “برلين” بعد مشاركته في اجتماعات تحالف (نداء السودان) بعدها توجه إلى بلد آخر وصفه البيان بـ”الصديق”.

تسريبات ووجهات

لاحقا ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للمهدي برفقة كريمته مريم وسكرتيره محمد زكي تطمئن الجميع بأن المهدي بخير، إلا أنها لم تعلن عن مكانه ولا وجهته سواء كانت لندن أو غيرها.
غير أن تسريبات أشارت إلى أن المهدي استقر في دولة الإمارات بتسهيلات مصرية بموجب تأشيرة سياحية لشهر واحد، ريثما تكتمل إجراءات تأشيرته إلى لندن، فيما اشترطت السلطات الإماراتية على المهدي عدم التحدث عن مصر والسودان. ولم يتسَنَّ التأكد من صحة الاتفاق من حزب الأمة أو أي مصادر رسمية.

الصادق المهدي المقيم في القاهرة منذ مارس الماضي، وسمحت له السلطات المصرية بالسفر والتنقل خلال هذه الفترة، وقع ضحية للتقارب الأمني بين الخرطوم والقاهرة مؤخراً.
مصادر مصرية أشارت إلى أن رئيس جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة، أبدى تعجبه لمسؤول مصري كبير من ترْك المجال مفتوحًا أمام المهدي، على الرغم من انضمامه لتنظيم مسلح، وهو نداء السودان.
في أبريل الماضي وبعد أن تصاعدت المواجهة بين زعيم حزب الأمة الصادق المهدي والحكومة بعد تحريك إجراءات جنائية بحقه تصل لحد الإعدام على خلفية تحالفه ترؤسه لتحالف (نداء السودان) الذي يضم حركات مسلحة. وتساءل الناس عن عودة للخرطوم وما يحدق بها من مخاطر قانونية.
المهدي أعلن من فوره أنه سيعود للخرطوم غير آبهٍ بما ينتظره، إلا أنه لم يحدد موعداً بعينه رابطاً ذلك بجملة التزامات خارجية يدرك أنه لن يوفي بها إن وصل السودان مع ظروف الاعتقال والمحاكمة. فقال في بيان صحفي: “سوف أبقى في الخارج في مكان مناسب، قبل أعود إن شاء الله وليفعل النظام ما يشاء”.
حزب الأمة القومي أعلن دعمه لزعيمه مُصعِّداً نبرته المُعارِضة. وتشير مصادر مطلعة للحزب إلى أن المهدي كان ينتوي العودة للخرطوم ومغادرتها لاحقاً تبعاً لارتباطاته الدولية والإقليمية، إلا أنه تلقَّى نصائح تُشير للتعقيدات التي تكتنف قضيته وما يتبعها من اعتقال لا تجدي معه الكفالة على عكس قضيته السابقة (الدعم السريع)، فيما أشارت مصادر مقربة من المهدي إلى أن ارتباطات رئيس حزب الأمة الخارجية توقع لها أن تنتهي منتصف يونيو في المملكة المتحدة.
وبحسب قانونيين، فإن هناك اختلافاً بين الوقائع الحالية وما حدث قبل أربعة أعوام، إلا أن القاسم المشترك هو العقوبة في حالة الإدانة والتي تصل حد الإعدام والسجن المؤبد بجانب الحرمان من إطلاق السراح بالأمانة، فيما لفتوا إلى أن قرار عودة المهدي للخرطوم شأنٌ حزبيٌّ وليس قانونياً يخضع لتقديرات حزب الأمة والصادق المهدي.

أسباب ودوافع

اعتبر حزب الأمة أن سبب منع المهدي من دخول القاهرة يرجع إلى مطالبة السلطات المصرية له بعدم المشاركة في مؤتمر المعارضة السودانية في برلين، الأمر الذي رآه المهدي “إملاءات خارجية في الشأن الداخلي السوداني”.
وقالت الأمينة العام لحزب الأمة سارة نقد الله: “إن هذا الإجراء العدواني غير المسبوق من كل الحكومات المصرية المُتعاقبة.. يدفع إلى الاستنتاج بأن الحكومة المصرية تسبح عكس التيار ولا تكترث بعلاقات الشعوب الباقية، وإنه لمن المؤسف أن يشتري النظام المصري رضا قلة فاشلة خصماً على حساب رضا الشعب السوداني الذي لن يرحل ولن يزول”.
الصحفي المهتم بالشؤون المصرية عبد الواحد إبراهيم، يرى أن خطوة القاهرة بإبعاد المهدي تأتي بعد التنسيق الأمني بين الخرطوم والقاهرة. ويلفت إبراهيم إلى أن خيارات المهدي والقوى المعارضة عموما باتت ضيقة في مواجهة الحكومة من خلال إمكانية استقطاب إقليمي ودولي لصالح مشروع المعارضة بعد الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي أبرمتها مع العواصم الإقليمية الكبرى وعلى رأسها القاهرة والرياض، فضلاً عن التنسيق والتعاون مع مشروع مكافحة الإرهاب الأمريكي.

وبحسب إبراهيم، فإن خيار المهدي والمعارضة يتعلق باللجوء في هذه المرحلة للعواصم الأوروبية لندن وباريس وبرلين ومحاولة استقطاب الدول الأوروبية والجماعات الحقوقية والشركات الكبرى لصالحهم. ويرى إبراهيم أن ذلك لن يكون فعالاً طالما ظلت المعارضة ممزقة بين عدة تحالفات وجماعات أبرزها نداء السودان والإجماع الوطني والسودان العريض والحركات الشبابية، فضلاً عن إثبات قدرتها كبديل للنظام السوداني فيما يتعلق بحفظ الأمن والسلم الإقليمي ومحاربة الإرهاب والتصدي للاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية.
غير أن أستاذ العلوم السياسية د.الواثق كمير يرى أن عودة المهدي للخرطوم هي الخيار الأنسب مهما كان الثمن، ويشرح كمير الأمر أكثر في مقال صحفي ويقول: “إن وجود المهدي في الخارج يمثل خصماً سياسياً كبيراً لاعتبارات تتعلق بكونه زعيماً جماهيرياً قبل أن يكون رئيساً لحزب الأمة”.

حصار إقليمي

نجاح الحكومة في نسج شبكة علاقات سياسية وأمنية بهذا الشكل لم يكن متوقعاً في ظل إقليم مضطرب ومصالح متغيرة ومتناقضة، لذلك فإن الاستناد على الخارج جزء أساسي من استراتيجية المعارضة السودانية في مواجهة الإنقاذ منذ وصولها للسلطة في نهاية يونيو 1989.
يرى الخبير الاستراتيجي د.عصام بطران، أن المعارضة افتقدت السند الداخلي قبل أن تفتقده من المجتمع الإقليمي والدولي بعد تمكّن منطق الجهوية السياسية والقبلية. ويشير بطران إلى أن المعارضة فشلت في تقديم بديل إصلاحي للجماهير.
وبحسب بطران، فإن المعارضة لم تعد تمتلك خيارات تذكر بعد فشلها في الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، فيما قضت الخلافات السياسية الداخلية في صفوف المعارضة على فرص استقطاب مؤيدين لها وتخوف المواطنين من وصولها للسلطة.

في مقابل ذلك، يقول المحلل السياسي مدني عباس، إن ضغط الحكومة على المعارضة ومحاصرتها إقليمياً غير مفيد في حل الأزمات السودانية، بل ربما يكون خصماً عليها من حيث لا تدري عبر دعم تيار المقاومة والتغيير في السودان وجعل عمل الأحزاب وأجندتها أقرب للجماهير.
ويمضي عباس في تحليله ويرى أن تضييق الحكومة على المعارضة في العواصم الإقليمية يوضح طبيعة نظرة المجتمع الدولي للسودان والتي تتحكم فيها قضاياه بطبيعة الحال وليس القضايا المحلية مثل الهجرة والحرب على الإرهاب والصراع في الخليج، غير أن عباس يستدرك أيضاً أنه ليس هناك مجتمعٌ دوليٌّ واحد ذو أهداف ومطالب منسجمة وبذلك تصبح مسألة اللعب على تحقيق مصالح المجتمع الدولي لعبة خطرة كما ظهر إبّان أزمة السعودية والإمارات مع قطر، أو التغيير الجديد في سياسة إثيوبيا الخارجية أو حتى ضغوط الإيقاد والمجتمع الدولي على فرقاء دولة جنوب السودان.
على كلِّ حال، يمكن القول إن مصر تتعامل مع الملف السوداني باعتباره ملفاً أمنياً، لذلك ظل موقفها من المعارضة السودانية رهيناً بعلاقاتها بالخرطوم. المهدي سيفضل الابتعاد عن الخرطوم في هذه الفترة لا سيما مع حالة الغضب والرغبة في الصدام مع الحكومة التي تعتري قواعد حزبه، وهو ما يقلص حجم المناورة السياسية وفرص الحوار مع الحكومة بشكل يُفضي لتعزيز الحريات والتحول الديمقراطي لإحداث تغيير داخلي يؤدي لانفتاح سياسي أو عبر اللجوء لخيار الثورة الشعبية في حال فشل الخيار الأول، فيما ستراهن الحكومة على قوتها الأمنية وستناور بكروت الملاحقة الجنائية لخفض سقوفات المهدي وإبقائه في مربع الحصار مسنودة بدعم إقليمي ودولي بحكم شبكة مصالح دولية تفرض على أطراف المشهد السياسي ضرورة التوصل لتسوية تنهي الاحتقان والاحتراب.

الخرطوم: محمد عبد العزيز
صحيفة السوداني.