جعفر عباس

بي بي سي أرغمتني على مواكبة العصر


في عام 1994 طلبت هيئة بي بي سي صحفيين عرب لتدشين قناة تلفزيونية عربية، وخضعتُ مثل غيري من الراغبين في الالتحاق بها، لاختبارات تحريرية وشفهية )إنترفيو(، وكنت ضمن من اجتازوا تلك الاختبارات بنجاح، وفازوا بوظائف في القناة الجديدة، ولكنهم ذكروا في الرسالة الأولى التي بشرتني باجتيازي للاختبار التحريري، وتبلغني بالتوجه إلى البحرين في تاريخ معين، لإجراء مقابلة شخصية )إنترفيو(، أنني لم أوضح في استمارة طلب الوظيفة سرعتي في الطباعة على الكمبيوتر، وكنت قد تعمدت ذلك لأن سرعتي في الطباعة كانت خرافية، لأنها كانت دون الصفر بمسافة بعيدة، وكنت وقتها أعمل في شركة الاتصالات القطرية )كيوتل(، وكان هناك كمبيوتر ظل جالسا على مكتبي نحو ثلاث سنوات دون أن أمد يدي نحوه، فقد فرضوه علي، رغم رفضي له لعدة أسباب، من بينها عقدة لا تزال تلازمني تجاه التكنولوجيا بصفة عامة، وأذكر يوم أهداني صديق تليفونا جوالا »نوكيا«، وقال لي إنه »متقدم جدا«، ولا أعرف حتى هذه اللحظة كيف كان متقدما جدا لأنه -في تقديري الشخصي- كان مثل غيره من الهواتف يوصل وينقل الكلام والرسائل، بمعنى أنني لم أشغل نفسي بمحاولة استكشاف عناصر »تقدُّمه« ولا الخاصيات التي جعلته مميزا عن رصفائه، وفجأة »تأيفنت« أي صار عندي آيفون، وظللت أسبوعا كاملا عاجزا عن تلقي وإرسال المكالمات والـ»مسجات«، ثم صرت وبمرور الزمن وبفضل الدروس الخصوصية على يد أصغر عيالي أعرف استخدام بعض تطبيقاته في المكالمات والرسائل، خصوصا تلك التي ببلاش.

المهم أنني وبسبب خوفي من التكنولوجيا لم ألمس ذلك الكمبيوتر خوفا من أن يفضحني بطريقة أو بأخرى، وكنت قد قرأت كثيرا عن ذكائه وعن أنه »يصيح« عند الخطأ في استخدامه، ولكن السبب الرئيس الذي جعلني أضع الكمبيوتر في نفس الدرجة التي أضع فيها فاروق الفيشاوي، هو ما سمعته عن أنه يستطيع ان يترجم النصوص من لغة إلى أخرى، وهذه مسألة مرعبة، إذا كانت مهنتك هي الترجمة، وتقول سيرتك الذاتية أنك قمت بتعريب كتب حول صناعة النفط، وفي الاقتصاد والجغرافيا، بعبارة أخرى فإنني اعتبرت وضع كمبيوتر على مكتبي تحذيرا وتذكيرا لي بأن مستقبلي المهني في خطر، ومن ثم ظللت طوال بضع سنوات سيئ الظن بالكمبيوتر.

أرسلت إلى بي بي سي رسالة تفيد بتواضعي بقبول العمل لديهم، وأن سرعتي في الطباعة على الكمبيوتر تبلغ 25 كلمة في الدقيقة، وكانت تلك كذبة بَلْقاء، ولكنني قررت على الفور الشروع في تعلم الطباعة على الكمبيوتر، وبالطبع لم يكن واردا ان استخدم كمبيوتر المكتب تجنبا للفضائح، بل اشتريت كمبيوتر »صخر«، كان مزودا ببرنامج لتعليم الطباعة، وفي اليوم الأول لعنت خاش بي بي سي والبيبسي والبيتزا، لأنني اكتشفت ان أصابعي أضعف من الشعيرية و»تطقطق« كلما حاولت تحريكها على لوحة المفاتيح )الكيبورد(.. الإصبع الصغير )البنصر( بالذات »فشلني« وخذلني لأنه كان عاجزا عن ملامسة أي حرف، وخاصة في الصف الأسفل من لوحة المفاتيح، وكانت أمامي مهلة ثلاثة أسابيع قبل المعاينة )الانترفيو( في البحرين، لأمسح الكذبة المتعلقة بسرعتي في الطباعة، وبانتهاء تلك المهلة كانت سرعتي في الطباعة 25 كلمة صدقا وحقيقة.

ولولا بي بي سي لظل صاحبكم إلى يومنا هذا يكتب مقالاته بالقلم ويرسلها بالفاكس، وكنت أفعل ذلك وأنا أكتب مقالا أسبوعيا في مجلة »المجلة«، واستغرب رئيس تحريرها وقتها لماذا أتكبد كلفة الفاكسات وبإمكاني إرسال المقالات بالايميل عبر الإنترنت، وظل أحد أصدقائي يخصص لي يوميا ساعة لتعليمي كيفية استخدام الإنترنت، وبسبب ذكائي الفطري، لم يستغرق ذلك طويلا، فبعد نحو ستة أو سبعة أشهر من تلك الدروس صرت ماهرا في استخدام الإيميل، )لا داعي للاستخفاف بي فقد دخلت عصر الإنترنت قبل ظهر قوقل/ غوغل/ جوجل(.

زاوية غائمة
جعفر عبـاس