لينا يعقوب: فقه السترة والتحلل الذي أُسدل الستار عليه ولو “مؤقتاً”، يخرج قضايا كبيرة
أجندة الفساد!
قبل أشهر، بعد أن نشرتُ خبراً في إحدى الوسائل الإعلامية عن اعتقال “مدير بنك” شهير، تحدث معي أحد الذين أثق بهم، أننا ننفذ أجندة الآخرين دون أن نشعر وأننا نتحيز لطرف على حساب آخر.
سألته إن كان يُشكك في المعلومة الأصل وهي “الاعتقال” فأجاب بالنفي، لكنه اعتبر أن الأطراف التي تقف ضد مدير البنك ومن داخل البنك نفسه هي المُسربة للخبر.
قلت حينها: ما المشكلة إذن؟.. لا توجد مشكلة، فلولا اختلاف الناس لما ظهرت الأخبار!
يعتقد البعض أن الصحافة تنفذ أجندة الجهات المُسربة للأخبار، وينسون سهواً أو يتناسون عمداً أن المعايير والأخلاق الصحفية، تسمح بذلك، إن كانت المعلومة “حقيقية” وليست مضللة، ويظنون وبعض الظن إثم، أن الصحفي ليس سوى مُتلقٍّ يَسهُل خداعه وتمرير الأجندات عبره، كأنه آلة لا يفرق بين الخطأ والصواب، ولا يملك مساحات ذهنية للتفكير.
ومع ذلك، نحن لا نتمسك بآراء قاطعة غير مرنة أو قابلة للأخذ والرد.
خلال الثلاثين عاماً الماضية كان الحديث عن الفساد يتمحور في ثلاثة أجزاء: الأول نظري (إما بالحديث عنه دون أدلة ومستندات، أو عن أهمية مكافحته عبر طرق وآليات، أو إنكار وجوده من الأساس)، والثاني كان في تقارير المراجع العام، والتي تمر سنوياً مرور الكرام، دون ذكر أسماء أو إيقاع عقوبات، والثالث تمثل في الصحف التي كانت تورد من قضايا الفساد “مقتطفات” لكنها تُحارب وتصادر وتُتهم بالنيل من الناس بالباطل.
لا أذكر أحداً، سُمح بنشر اسمه وتمت محاكمته سوى “كبش الفداء” أزهري التيجاني وزير الإرشاد الأسبق حينها، الذي برأته المحكمة، بعد أن وجدت البينات غير كافية ولا تمثل تهمة.
فقه السترة والتحلل الذي أُسدل الستار عليه ولو “مؤقتاً”، أخرج قضايا كبيرة وأسماء معروفة إلى العلن في ومع ذلك هناك يشكك ويتساءل: “لماذا هذه القضايا بالتحديد؟”، ويذهب في ذات النهج “إشمعنا الناس ديل تحديداً”؟!
أولئك إما يريدون أن تقتح ألف قضية فساد في وقتٍ واحد، ويلقى القبض على متهميها في ذات الساعة والدقيقة، أو أنهم يفضلون وضع غطاء على الفساد لأن “العدالة” وفق مفهومهم تتطلب ذلك.
نعم.. المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، لكن الصحافة في كل العالم، لا تنتظر أن تصل القضايا للمحكمة حتى تُعلن عنها وتُبرزها.
ما يتم في المضابط الرسمية لا يُوجد ما يمنع نشره، وإن كنا كصحافة نُفضل استصحاب الطرف الآخر “المتهم” أو “المعتقل” عبر محاميه أو أسرته أو أصدقائه أو حتى بعد خروجه، لكنهم خيارهم عادةً ما يكون غير ذلك.
من الطبيعي أن لا تكون “طريقة مكافحة الفساد” سياسياً وإعلامياً وربما “عدلياً” مرضية للجميع، لكنها قابلة للتعديل والتصحيح وليست قابلة لما دون ذلك.
لينا يعقوب