تحقيقات وتقارير

المالية تعترف بوجود أزمة حقيقية النقد الأجنبي .. مقترحات لسد الفجوة

رغم اعتراف وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بوجود أزمة حقيقية في النقد الأجنبي، إلا أن خبراء الاقتصاد يأكدون أن سياسيات وزارة المالية، تسببت في حدوث انهيار اقتصادي قبل أن يطالبوا في منتدى إقامه مركز البحوث والنشر والاستشارات بأكاديمية السودان للعلوم المصرفية والمالية أمس بعنوان أزمة النقد الأجنبي “الوضع الراهن ومقترحات سد الفجوة” بمعالجات عبر سياسات واضحة تتشارك فيها جميع الجهات .

وبرغم أن خبراء الاقتصاد المشاركين في الندوة أمس رسموا صورة قاتمة لمستقبل البلاد، إلا أن بعضهم يرى أن التفاؤل في ظل هذا الوضع الاقتصادي مطلوباً، واتفق كثير من المتحدثين على أن المخرج الوحيد لاقتصاد البلاد، هو الزراعة بقيمتها المضافة برغم تساؤل البعض عن الأموال التي صرفت في الزراعة عبر النفرات، إلا أن المفارقة جاءت من آخرين يرون أن موردي الذهب والنفط من الموارد الناضبة مطالبين مجدداً بتفعيل مبادرة الأمن الغذائي التي طرحها السودان. ولكن تظل مسألة الاستثمار في السودان تلقي بكاهلها على رجال الأعمال حيث قال الكاتب الصحفي محجوب عروة في ذات المنتدى أن البيروقراطية تهزم كل إصلاح مؤسسي حتى على مستوى المستثمر المحلي، ولذا يرى بأهمية تعديل القوانين والتي تعني تحديداً بوزارة الاستثمار.

زيادة فجوة

الندوة جاءت في ميقاتها الحادية عشرة صباحاً في الطابق الرابع بأكاديمية العلوم المصرفية فلم تتسع القاعة للحضور الذي كان وقوفاً أغلبهم من المصرفيين حيث أكدت الدعوة ترؤس وزير المالية محمد عثمان الركابي للجلسة على أن يعقب عليها على محمود رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان والبروفسور حسن بشير، إلا أن الجميع فوجئ بعدم حضور الوزير ورئيس اللجنة الاقتصادية، ولكن المنصة كانت بحضور وزير الدولة بالمالية طارق شلبي والجميع في انتظار معرفة ملابسات عدم حضور الوزير، ولكن شلبي ابتدر الجلسة قبل أن يغادر مسرعاً بكلمات سريعة، قال فيها إن فجوة النقد الأجنبي أثرت بصورة مباشرة على أسعار السلع وأدخلت البلاد في تحديات عميقة قبل أن يؤكد أن الحلول يجب ألا تترك لبنك السودان ووزارة المالية بل يجب إشراك الجهات ذات الصلة.

الوزير أشار في حديثه إلى أن السودان واجهته تحديات كبيرة وصفها بأنها أكبر من الحالية استطاع أن يتجاوز أزماتها، وقال سوف نتجاوز الأزمة الحالية في ظل وجود عزيمة للإصلاح الاقتصادي، وإصلاح مؤسسات الدولة التي تدير الشأن الاقتصادي واشترط أن تنعكس تلك الإصلاحات على أنشطة المواطن بتوفير حياة كريمة. واعتبر إيقاف السلع غير الضرورية احد المعالجات باعتبار انها غير ذات قيمة وقال نظل ننفق ملايين الدولارات في استيراد فواكه وخضروات عضوية قبل أن يطالب بمزيد من التدقيق في الإنفاق ورفع نسبة التصدير لتجاوز المشكلة الحالية.

عرض وطلب

الدكتورعبد المنعم محمد الطيب رئيس أكاديمية الدراسات المالية والاقتصادية بوزارة المالية قدم ورقة علمية احتوت على دراسة تعريفية وواقع ميزان المدفوعات وواقع وتوقعات الميزان التجاري واستعرض أسباب الفجوة والتي قال إنها تتعلق بفرص العرض والطلب، مؤكداً أن الفجوة بسبب خروج نفط جنوب السودان وضعف الصادرات وتراجع تحويلات المغتربين وانخفاض الاستثمارات الأجنبية مع تهريب وتسريب الذهب. مشيرًا إلى أسباب أخرى من بينها استخدام الدولار كمخزن للقيمة وزيادة استيراد السلع مع تزايد تحويلات العمالة الأجنبية والشركات الأجنبية. وأقر بأن كل تلك المؤشرات أدت إلى انخفاض احتياطي النقد الأجنبي وتزايد في فجوة الموارد الأجنبية، وضعف الاستدانة الخارجية وزيادة الاستدانة من النظام المصرفي المحلي وارتفاع الأسعار. وأكد أنه ومنذ العام 2012م وحتى 2017م كل مؤشرات الميزان التجاري كانت سلبية. وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تغيرات حال ظهرت اكتشافات نفطية جديدة وزيادة في صادرات اللحوم والذهب توطئة للحصول على فوائض نقدية بحلول العام 2024م. وقدر الدكتور الفجوة المتوقعة في النقد الأجنبي بحلول العام 2019-2025م بحوالي 97 مليار دولار داعياً إلى النهوض بالقطاع الزراعي وتفعيل مبادرة الأمن الغذائي، قائلًا إن الذهب والنفط موردان ناضبان مع التركيز على السلع الرأسمالية في مشتريات القطاع الخاص وتقييد استيراد السلع غير الضرورية وضبط الصرف الحكومي، واعتبر السوق الموازي لاعباً أساسياً في توفير نسبة مقدرة من العملة الأمر الذي يجعل من انفلات الأسعار واقعاً دون قيود مطالباً بتغيير شكل العلاقات الخارجية باعتبار أن رفع العقوبات الجزئي إلى الآن لم يخدم رغبة الاقتصاد السوداني.

أزمة وليست فجوة:

أما برفيسور حسن بشير الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية يرى أن ما يمر به السودان أزمة حقيقية وليس فجوة في النقد الأجنبي، وأرجع ذلك إلى ضعف القاعدة الإنتاجية وضعف تنافسية القطاع الخاص والاستثمار والتمويل الأجنبي، الأمر يجعل هذه الأسباب تتخطى الاقتصادية إلى السياسية، مطالباً بمراجعة سياسات النقد الأجنبي، وقال إن محاولات ترشيد السيولة أفقد المصارف صدقيتها كما أن عدم تخصيص الموارد بالموازنة للإنتاج أدى إلى ضمور اقتصادي وتسبب في أزمة هيكلية مطالباً بجهود لإعفاء الديون لفتح قنوات تمويل، كما أن عقبة رعاية الإرهاب تعتبر من الأسباب .واعتبر ما قامت به وزارة المالية من جهود ساهم في خلق وتوتر الأزمة، حيث رفعت الدولار الجمركي ورفعت الدعم عن القمح في ظل وجود عجز بالموازنة، كيف يتم تمويله كما أن توحيد سعر الصرف دون وجود مصادر حقيقية تسبب في مشاكل اقتصادية، كما أن تحجيم السيولة والهيمنة المالية تؤثر على الاستثمار وتؤدي إلى اضعاف الأصول التمويلية.

أما صلاح محمد عبد الرحيم، مدير بنك الشمال فيرى أن التفاؤل مطلوب في ظل الوضع الراهن، مبيناً أن للمصارف دوراً إلا أن هنالك معايير دولية تنسف جهود المصارف المحلية مؤكداً أن مجهودات البنك المركزي أفرزت إيجابيات وسلبيات خاصة فيما يتعلق بفك الارتباط بين المستورد والمصدر وعائد الصادر وفتح الحساب بالعملة الحرة وتقييده، مبيناً أن السلع الواردة تمثل 40% من موارد النقد الأجنبي. أما المصرفي عثمان التوم فقد أقر بوجود عدة مراكز لإدارة الاقتصاد بعضها علنية وأخرى مستترة، ويقول: في هذا الجو يصعب على متخذ القرار الوصول إلى سد الفجوة.

وتساءلت آمنة أحمد سعد من وزارة المالية بقولها: إذا كان بنك السودان يشتري الذهب بالسعر العالمي، فلماذا إذاً يهرب الذهب؟.

الخرطوم: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة