تحقيقات وتقارير

المواصلات.. قطاع مُستعْصٍ على المعالجات “20” ألف حافلة خرجت من الخدمة بمواقف الخرطوم لهذا السبب !!


مواطنون : توجد فوضى وزيادات مبالغ فيها للتعرفة دون تدخل السلطات

طراحون: النقابة لها نصيب الأسد في المبالغ المتحصلة بالمواقف

نقابة الحافلات: التحصيل ممنوع بقرار وزاري.. وهذا القرار سبب النكبة

مختص في النقل : التاريخ أثبت فشل التجربة منذ ميلادها ولابد من… !!

رحلة البحث عن حلول جذرية لأزمة المواصلات التي تعاني منها ولاية الخرطوم لم تصل إلى محطتها الأخيرة، بالرغم من المحاولات المستمرة من قبل المسؤولين بالولاية لمعالجة الأزمة التي تتزايد بشكل مستمر، حتى أصبحت مواكب الباحثين عن ” كرسي” في مركبة عامة خلال أوقات الذروة أمراً لا يثير التساؤلات بعد فشل بعض التجارب السابقة لحل الضائقة التي ألمت بهذا القطاع الحيوي المهم .. ويبقى السؤال ما هي أسباب الأزمة؟ وكيف يمكن معالجتها؟

أرقام حاضرة

تكشف آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة من وزارة البنى التحتية والمواصلات بولاية الخرطوم، أن عدد المركبات العاملة في النقل بالولاية تضم (133.590) مركبة، منها (872) ميني بص و(20138) حافلات و(14750) أمجاد ـ و(10445) تاكسي و(100000) تاكسي، وأوردت نقابة الحافلات بولاية الخرطوم إحصائية أخرى تحصلت ” الصيحة ” عليها تفيد بأن عدد الحافلات قبل عشر سنوات كان “45” ألف حافلة تعمل دون توقف ، وحالياً يتراوح عدد العاملة منها في الخطوط بمختلف مواقف محلية الخرطوم بين ” 22 ـ 25″ ألف حافلة، هذا بخلاف عربات ” الهايس ـ استايركس ـ البصات “، وهناك حوالي ” 20 ” ألف حافلة أخرى خرجت من الخدمة بسبب التدهور والأعطال والإهمال.

وبحسب تقارير الخبراء والمختصين يصل عدد الخطوط بالولاية ” 63″ خطاً متجهة إلى الخرطوم والعكس ” 44″ خطاً، وخطوط المواصلات المتجهة إلى مركز الخرطوم بحري والعكس ” 8″ خطوط ، والخطوط المتجهة الى أم درمان ” السوق الشعبي ـ إستاد الهلال ” ” 11 ” خطاً، حيث يزيد عدد الركاب الذين يستقلون النقل العام عن الـ” 1,146,250″ .

تعدد الخطوط

وبينت ورقة عمل للخبير في مجال النقل د. ” شرف الدين بانقا ” أن إحصائية شركة المواصلات من عام ” 2011 إلى 2017م ” ذكرت أن هنالك زيادة في أسطول الشركة من (200) بص في 2011 إلى (387) في 2016م والإيرادات ارتفعت من أكثر من (44) مليون جنيه إلى (57) مليون جنيه في 2016، لكن بالمقابل زادت تكلفة التشغيل من أكثر من (49) مليون جنيه إلى أكثر من ” 70 ” مليون جنيه، ووصلت الخسائر في ذات العام أكثر من (13) مليون جنيه مقارنة بـ(4) ملايين جنيه، بينما تقلص عدد الموظفين من (260) في 2011 إلى (172) في 2016 والسائقين من (1045) في 2011 إلى (340) في 2016 والمتحصلين من (1039) في 2011 إلى (263) في 2016م ، وما زالت الولاية تشهد انعداما للمواصلات في الذروة.

تعرفة مريضة

واتهم عدد من الركاب، أصحاب المركبات الخاصة بإيقاف العمل ساعات الذروة مما يفتح الباب واسعاً للآليات الأقل سعة والتي تقوم بفرض تسعيرة نقل باهظة، وقال بالرغم من رضا القطاع الخاص بتعريفة النقل الحالية إلا أنها لا تشبع جشعهم المادي، حيث يعمدون إلى ابتكار الكثير من الطرق غير القانونية أو الأدبية لابتزاز الركاب لأجل التحايل على هذه (التعرفة المريضة) على حد قولهم ، وأشارت شكوى لبعض السائقين إلى أن مبلغ ” عشرة ” جنيهات يتم تحصيلها من كل عربة ” حافلة ـ هايس ” أو غيرها ، وتعرف برسوم دخول الموقف، يقف عليها عدد من الأفراد، فيما أوضح ” هاشم النعمان ” مدير موقف السكة حديد أن سعر الرسوم تبلغ ” خمسة ” جنيهات فقط في اليوم بواسطة عقد شراكة بينهم ومحلية الخرطوم ، وهي تصب في مجال تخطيط المواقف من حيث النظافة والإنارة وغيرها، أما ما يأخذه الطراحون يتبع لنقابة الحافلات وهو عمل تضافري بينهم.

زيادة عشوائية

الزيادة العشوائية في تعرفة المواصلات سياسة يتبعها أصحاب الهايس والكريز وعدد من أصحاب الحافلات بخطوط ” ليبيا أمدرمان ـ الخرطوم “، ” كرور والعاشرة ـ الخرطوم ” ، وهي غير منطقية بالرغم من الارتفاع الكبير جدًا للإسبيرات كما يقول ” عبد الرحيم حاج الزين سائق حافلة ” تعمل في خط ” شعبي أمدرمان ـ عربي الخرطوم ” بتعرفة لا تزيد عن الـ” 3″ جنيهات فقط ، وأكد عدم اهتمام النقابة بحالهم وأوضاعهم المعيشية قائلاً: ” والله ناس النقابة ما بدونا ولا رطل سكر”، ويرى أن ارتفاع مدخلات القطاع أثرت على العمل وخلقت الأزمة التي يشكو منها الجميع ، فلا بد من تدخل الدولة بشكل جدي بعيداً عن المؤتمرات والتصريحات النائمة لأنها لا تجدي، والعمل على دعم القطاع للنهوض به.

عناصر في الخط

وتعكس مشاهد متفرقة وقفت عليها ” الصيحة ” بموقف الاستاد كيفية تحكم الطراحين في تعرفة المواصلات وزيادتها إلى ضعفين بعد الاتفاق مع السائق عند مدخل الموقف، مما يثير مشاجرات وانتقادات من الركاب إلى الطراح فيما يلتزم السائق الصمت ، وهذا ” سليمان الشريف ” يعمل ” طراحاً” منذ “6” سنوات متنقلاً بين المواقف ، أكد لـ” الصيحة ” إنهم يوردون كل المبالغ لناس النقابة ونصيبه في اليوم يبلغ (10) جنيهات فقط وذلك يتم في خط واحد، وأردف: ” الخط كعب شديد ” ولا تأتيه مركبة بعد الثالثة ظهرا!، هروباً من مبلغ ” شحن العربية ” الذي يتحصله ، ويشير أن كل الطراحين هم فئات فقيرة لا عمل لهم ولا يملكون قوت يومهم، وهناك صغار في السن ولجوا المجال وفي قت سابق كانوا مشردين وبائعي ” مياه الشرب ” ضاقت عليهم الظروف فوقفوا لشحن العربات.

قسمة مشتركة

واتفق الطراح ” مكي عثمان ” يعمل بخط ” الكلاكلة ـ العربي ” بموقف جاكسون مع حديث الطراح السابق فيما يتعلق بتوريد المبالغ التي يأخذونها من السواقين إلى النقابة، وهي محددة بثمن راكب واحد، وتتفاوت في اليوم حسب الوضع والازدحام، والتقط خيط الحديث طراح آخر ـ فضل حجب اسمه ـ مضيفاً أن الرسوم تتوزع على الخدمات والبوليس الذي ينظم الموقف والطراحين، وعزا غياب وسائل المواصلات في أوقات الذروة المعروفة لرسوم الدخول للموقف و”حق ” الطراح، ويرى وجود فوضى كبيرة في القطاع فشلت كل التجارب في معالجته، وحتى تعالج القضية بشكل جذري يجب إتباع قطاع المواصلات لمجلس الوزراء بكل مباشر.

معاناة أكبر

وكشف أحمد علي سائق هايس أن التحصيل غير الرسمي للمبالغ في المواقف وانتشار الطراحين يعيق عمل المواصلات ، ويجعل السواقين يهربون الى الشوارع الفرعية، وتظل المواقف خالية لساعات طويلة، نظراً لأنهم غير مستفيدين من الأموال المتحصل عليها، وشكا من ارتفاع تكاليف التشغيل وأن أغلب الاسبيرات الموجودة في الأسواق مستعملة ورديئة الصنع ولا حل أمامهم سوى الشراء في ظل الظروف الضاغطة والارتفاع المتزايد في كل شيء، إلى جانب الضرائب والجمارك وغيرها من المطلوبات التي تعتبر لب القضية والسبب الأول والأخير في حدوث الأزمة، وطالب بالنظر الى قطاع المواصلات بعين الاعتبار مع دعمه بالكامل فعلاً وليس قولاً، وإدخال القطاع الخاص للاستثمار فيه.

منع بالقانون

التدهور الذي أصاب القطاع بدأ عقب قرار ” منع التحصيل غير القانوني” بالمواقف العامة بالولاية غير المدروس، الصادر من لجنة التحصيل غير القانوني إلى جانب قلة دخل العاملين فيه وتجاهل الحكومة له، وفقًا لإفادة “عبد الله الإمام إبراهيم ” الأمين العام المكلف لنقابة الحافلات بالولاية، وعليه منعت النقابة تحصيل أي مبلغ من الطراحين كما كان في السابق، فهذه المبالغ كانت في السابق تسهم في صيانة العربات المتوقفة عن العمل، وقال لـ” الصيحة ” الشغلة في المواقف ” بقت جايطة ” لدرجة لا يمكن تحملها وذلك يعود لتكوين سواقين بعينهم لجاناً تتحصل الرسوم من المواقف وتتلاعب في التعرفة يقومون بمحاربة النقابة وتعطيل عملها وإذا علم السواقون أن الطراح من طرف النقابة يتم رفضه ومحاربته، وأشار لدخول عدد كبير من الشماسة والمشردين المجال والنقابة لا دخل لها، وهي بريئة من الهمجية التي تعيشها مواقف المواصلات المركزية بوسط الخرطوم، نافياً استلامهم أي فلس من الطراحين المنتشرين في جاكسون والاستاد وغيرهما، وكل ما يتم تحصيله عبارة عن رسوم اشتراك عضوية فقط تبلغ ” 3 ” جنيهات شهرية للسواقين الأعضاء والبالغ عددهم ” 400 ” سواق ولا علاقة لهم بالطراحين .

تقديرات غير صحيحة

ويشير “عبد الله ” إلى استغلال جهات كثيرة جداً لقرار منع التحصيل لمصالحهم الخاصة وهو يعتبر أحد أسباب الأزمة، وحالياً هناك عمل مشترك بينهم ولجنة مولانا ” قشي ” وهو رئيس لجنة التحصيل غير القانوني لمتابعة الأمر، وعاد ليقول أضر القرار بالقطاع وخلق فوضى في المواقف وأن اللجنة أرادت حسم مشكلة معينة لكنها خلقت فوضى حقيقيةـ والشاهد أن التحصيل ما زال موجوداً ومبالغاً فيه، وأكد عدم رضى النقابة عن المشاكل التي أصابت مجال المواصلات، وأن العربات المعطلة بسبب الديون كثيرة جداً، واقترح “عبد الله ” لمعالجة الأزمة ضرورة دعم المواصلات من الدولة من خلال تخفيض رسوم التراخيص والضرائب ومدخلات التشغيل والجمارك على الاسبيرات، وإعفاء الإسبيرات وإطارات “لساتك ” العربات من الجمارك، مما يسهم في إصلاح حال النقل، لافتاً إلى أن بعض السواقين يلجأون للاسبيرات الرديئة والرخيصة وهذه قصيرة العمر أو استجلاب قطارات لدعم القطاع .

أثر سالب

وبالرجوع إلى التجارب السابقة للنهوض بالقطاع سبق وأن بدأت حكومة الولاية في تنفيذ ما تسميه بالمرحلة الثالثة من مراحل البحث عن حلول للضائقة أو التخفيف من حدتها، معتمدة في ذلك على خطوط السكة حديد ومياه النيل بعد استجلاب القطار المحلي والبص النهري للتقليل من الأثر السالب الذي خلفه الاعتماد على البصات والحافلات في حل القضية، وكان من المفترض أن يعمل القطار المحلي في خطين شمال وجنوب الخرطوم بينما حددت الولاية ” 13″ مرسى للبص النهري في ” الوابورات بحري ـ شمبات ـ حلة كوكو ـ الموردة ، بيت المال ـ أبوسعد ـ الحتانة ـ نادي الزوارق ـ قاعة الصداقة ـ المنشية ـ ومراسي في الشجرة ـ الكلاكلة وجبل أولياء” ، وكان مدير الإدارة العامة للنقل والمواصلات بوزارة التخطيط والتنمية العمرانية “صلاح عبد الله ” كشف أن عدد القطارات التي ستعمل في نقل الركاب بالولاية ” 6 ” قطارات، وأكد وصول القطارات ودخولها الخدمة.

كلام ساي

وكان هناك حديث يشير إلى أن المرحلة الأولى لتسيير القطار تبدأ بمنطقة ” الرويان شمال بحري إلى الخرطوم، والثانية من الشجرة مروراً بالاحتياطي المركزي إلى جبل أولياء جنوب الخرطوم، والمرحلة الثالثة من سوبا وصولاً الى الكاملين شرقاً بولاية الجزيرة بحكم تبعيتها لمواصلات الولاية، وكانت قد اكتملت إجراءات السلامة للقطارات للسير في خطوط الجزء الشمالي، وكان قد تم الكشف عن البدء في أعمال البنية التحتية للأرصفة ومراسي البصات النهرية، وكان هناك حديث عن أن الخطوات جارية لتشييد محطات الربط الرئيسية والفرعية ” كرري ـ أمبدة ـ سوق ليبيا ـ السوق الشعبي أمدرمان ـ السوق المركزي بحري ـ وجبل أولياء “، غير أن الحديث ذهب في الهواء الطلق وأضحى مثله مثل التجارب والسياسات السابقة التي وضعت لحل الضائقة.

وبحسب دكتورة “رؤى أحمد” خبيرة في مجال النقل الوضع الراهن يؤكد فشل التجربة منذ ميلادها لجهة وجود المواصلات في مركز الخرطوم، وأن الأمر يتطلب وجود الخط الدائري الذي أثبت فعاليته ونجاحه في كثير من الدول.

أخيراً

يتضح مما سبق سرده تعدد أسباب أزمة المواصلات التي يعاني منها المواطن بشكل يومي، وأن الأمر مازال مرهوناً بالتدخل الجاد من الجهات المختصة لحسم الفوضى الآنية، واستبعاد كل التجارب والدراسات والخطط السابقة لأنها أثبتت فشلها، والاستعانة بخطط جديدة مستوحاة من التجارب العالمية الناجحة.

الخرطوم: إنتصار فضل الله
صحيفة الصيحة