تحقيقات وتقارير

(105) عمليات زائدة دودية أُجريت بمستشفى الهُدى.. حكاية مرض يفتك بقرية أبو عجب!!

“سراج أحمد عبد الرحمن” شاب في مُقتبل العمر يبلغ (16) عاماً، بلا مقدمات هاجمه ألم حاد جداً في المعدة (مغص) استمر معه لثلاثة أيام لم يذقه خلالها (طعم النوم)، وفي صباح اليوم الرابع شعر بـ(خَدَر) شديد في رجله اليُمنى، طوال هذه الفترة تسامى “سراج” فوق آلامه لكن عندما ازدادت الحالة تعقيداً أخبر والده بأنه غير قادر على الحركة نهائياً، فذهب به والده إلى مُستشفى الهُدى القريب من قريته (أبو عجب)، وبعد إجراء الفحوصات والصور اللازمة لم يتضح في الصورة أو الموجات الصوتية شيء يوحي بظهور (زائدة) لكن مع اشتداد الألم قام الطبيب بعمل مُعاينة يدوية حيث ضغط مكان الألم وأخبر “سراج” بأن ألمه هذا عبارة عن زائدة حتى ولو كانت من نوع آخر..

طبيب واحد ومرضى بالعشرات!!
وبعد المعاينة السريرية والفحوصات الدقيقة اتضح جلياً أن “سراج” يعاني من مرض الزائدة الدودية والتي سرعان ما تحوَّلت إلى مرض فتك بسكان منطقة (أبو عجب)، حيث أكد “سراج” الذي كان يرقد بمستشفى الهدى أن عدد المرضى الذين يأتون بحالات مستعجلة جداً لإجراء عمليات الزائدة الدودية يتراوح عددهم بين (7 إلى 8) يومياً، ويشير إلى انه مكث بالمستشفى (4) أيام في هذه الفترة شهد خلالها أكثر من (30) عملية جراحية لمصابي (الزائدة الدودية) وسط نقص كبير في الخدمات بالمستشفى، فكل هذا الضغط الرهيب يقابله طبيب واحد مُتفانٍ جداً في عمله ويقوم بمهام فريق طبي متكامل ولو على حساب صحته البدنية والذهنية والنفسية، فعدد المصابين الذين يتدافعون على مستشفى الهدى فوق طاقته، ولذلك كان على وزارة الصحة بولاية الجزيرة وحتى على مستوى المركز دعم هذا المستشفى في ظل تمدد هذا المرض.

حزمة محاذير

ويقول “ياسر سليمان” أحد المُرافقين لمريض بمستشفى الهدى لـ (السوداني) إنَّ عدد المرضى بالمُستشفى فاق الـ (100) حالة والذين تم لهم إجراء عمليات جراحية فوق الــ (60) حالة.. وقال “ياسر” بعد زيادة حالات الإصابة بالمنطقة وصلهم وفد من محلية المناقل التي ينتشر بها المرض برئاسة(مُدير الشؤون الصحية)، والذي وجَّه بإيقاف الذبيح، وشُرب المياه التي تعبأ داخل صهاريج (البيَّارات) التي يفوق عُمرها الإفتراضي فوق الـ (60) عاماً وأصبحت عبارة عن كومة صدئة مملؤة بمياه غير صالحة للاستخدام الآدمي، كما وجَّه الوفد بإيقاف تناول الفاكهة والخُضر غير المطبوخة وعدم تناولها لحين اكتشاف أسباب هذا المرض.

خراب مالطا

وحسبما أكد سليمان فإن الوفد عمل على أخذ عينة من مياه الصهريج لتحليلها في معامل بولاية الجزيرة للتأكد من صلاحيتها، وعاب الرجل على محلية المناقل وزارة الصحة بالولاية عدم تداركهم للموقف في بداية انتشار المرض للقضاء عليه بل وصل الوفد وغابت وزارة الصحة كأن الأمر لا يعنيها، أما وفد المحلية فقد وصل للقرية بعد (خراب مالطا) حيث فاق عدد المُصابين (45) حالة، مشيراً إلى أن البيئة الصحية بالمستشفى متردية وتنقصها الكثير من الخدمات بداية بتذبذب وانقطاع التيار الكهربائي ولإنقاذ الموقف لمواصلة العمليات تضطر إدارة المُستشفى لشراء برميل الجازولين بمبلغ (3) آلاف جنيه لإنقاذ حالة المصابين وعدم توقف العمليات حيث إن المولد في الساعة يحتاج لعدد (2) جالون من الجازولين.

ويقول مرافقون تحدَّثوا لـ(السوداني) إن تدافع الحالات الواردة إلى مستشفى الهدى المتواضع جداً من حيث الإمكانات بدءاً بالأَسِرَّة التي يرقد على الواحد منها ثلاثة مرضى أو مريضين على أقل تقدير، وطالبوا الجهات المختصة بزيادة عدد الأسرة واستنفار الكادر الطبي بولاية الجزيرة لإنقاذ الموقف لأن المستشفى به طبيب واحد فقط وهو نفسه خضع لعملية جراحية بالمملكة العربية السعودية ويحتاج لرعاية كحال المرضى.

خيار وفقوس

مرافق – فضل حجب اسمه – قال لـ (السوداني) إنهم يعانون أشد أنواع المعاناة حيث تم إصدار قرار من محلية الكاملين بمعالجة مرضى قرية (أب عجب) وإعفائهم من رسوم العملية بينما مرضى بقية القرى تدفع الرسوم، وقال نحن ليس لنا يد في هذا المرض وأن المستشفى ملك الجميع فلماذا تتعامل المحلية وإدارة المستشفى بنظرية (الخيار والفقوس)، مبيناً أن رسوم العملية تبلغ ألف جنيه لكن بعد العلاجات والمكوث فترة أربعة أيام بالمستشفى تصل التكلفة (4) آلاف جنيه ويجد الكثير منا صعوبة في توفيرها حتى يضطر الأهل للقيام بـ (كشف من الأقارب) لتغطية رسوم المستشفى، مُشيراً إلى أن الوضع بالمستشفى مزرٍ ولا يُطاق خاصة لحظة انقطاع التيار الكهربائي فتحدث لحظتها ربكة للمرضى وكل الموجودين بالمستشفى لأن العمليات بالمستشفى متواصلة منذ الثامنة صباحاً حتى الثانية من صباح اليوم التالي.

إدارة مستشفى الهُدى تشرح الحاصل

من ناحيته قال المدير الإداري لمستشفى الهدى “علي محمد أحمد” لـ (السوداني) إن حالات الإصابة بالمنطقة بدأت فردية في الأول من يوليو الجاري حيث تظهر حالة واحدة في الأسبوع، مؤكداً أن الحالات بدأت في ازدياد متواصل وبلغ عددها يتراوح مابين ثلاث إلى أربع حالات يومياً، وقال الرجل إنه بعد ارتفاع أعداد المصابين أبلغ محلية المناقل بانتشار المرض لتدارك الموقف، فأرسلت محلية المناقل وفداً مكوناً من مدير الشؤون الصحية بالمحلية، المدير التنفيذي بالمحلية، ومدير هيئة المياه، هذا الوفد عمل على أخذ عينات من مياه الصهريج الذي يمد القرية بمياه الشرب، وأيضاً تم أخذ عينة من الزائدة التي يخرجها الطبيب من (بطن) المريض بعد العملية، على أن يتم فحصها في معامل جامعة الجزيرة ، مشيراً إلى أنه لم تظهر نتيجة التحليل المعملي حتى الآن. وقال المدير الإداري لمستشفى الهدى إن مُعظم المصابين من الإناث وتبلغ نسبتهن 98% مقارنة بالذكور حيث لا تزيد أعمارهم عن الـ (15) عاماً وهذا مؤشر خطير – على حدِّ قوله -، وعن المعالجات التي تمت من قبل رئاسة ولاية الجزيرة تم مد المستشفى بعربتي إسعاف لإنقاذ المصابين ونقلهم لمستشفى المناقل حيث تم تحويل (7) من المصابين وبلغ عدد العمليات الجراحية بمستشفى الهدى (105) عمليات، وبسؤالنا له عن ترادف المرضى في الأُسرَّة بالمستشفى أقر باستلقاء مريضين أو ثلاثة في سرير واحد عازياً ذلك لنقص الأَسِرَّة، واستدرك بقوله إن صِغَر أحجام مرضى الزائدة الدودية والذين جُلَّهم من الأطفال يجعلنا نستغل السرير الواحد لحالتين أو ثالث عند الضرورة.

صحيفة السوداني.