البطالة .. ارتفاع أعداد أم تناقص فرص !! وزير: ربع القوى العاملة تمتهن مهناً هامشية
برامج التمويل الأصغر تُواجَه بهذه العقبات (…)
محللون: ضعف مناهج الجامعات أضر بالخريجين
مراقبون: مشاريع التمويل غير ذات جدوى
مختصون: تقود للجريمة.. وتقعد بالطموحات
قبل ثلاثة عقود من الزمان، كان دخول الجامعات السودانية يمثل عقبة للكثير من الطلاب حتى أصبح يمثل عنقاً للزجاجة.. الآن توفرت الجامعات بالمركز والولايات، حكومية وخاصة وصارت تخرج الجامعات السودانية عشرات الآلاف من الطلاب الذين يمثل لهم الحصول على وظيفة كالحصول على إبرة وسط (قش)، وصار الحصول على وظيفة هو عنق الزجاجة الذي لا يخرج منه للعيان إلى النزر اليسير إلى ساحات العمل.
نسبة عالية
كشفت وزارة التنمية والموارد البشرية عن ازدياد حالة البطالة في البلاد، والتي وصلت نسبتها إلى نسبة 20% بزيادة تقدر بنسبة 1% من العام قبل الماضي، وأشار وزير وزارة تنمية الموارد البشرية د. الصادق الهادي المهدي إلى وجود 2,500 مليون عاطل عن العمل بالمقارنة مع أعداد القوى العاملة بالبلاد والتي تبلغ أعدادها 12,500 مليون عامل مضيفاً بأن وزارته لها خطة مدروسة يتم إنفاذها عبر إدارات الوزارة، وأضاف المهدي في حديثه لـ”الصيحة” إلى أن 25% من القوى العاملة يعملون في مهن هامشية بالمدن الكبرى بجانب 18% يعملون في مجال التجارة والنقل، و42% يعملون في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، و15% يعملون في قطاع التعدين، بينما هناك حوالي 14% يعملون في وظائف حكومية، و11% يعملون في مجال التصنيع والقيمة المضافة وفقاً لآخر مسح للمورد البشري في السودان.
حكومي وخاص
وارتفعت نسبة القوة العاملة بالقطاعين الحكومي والخاص إلى 12 مليون و500 ألف شخص، بينما زادت نسبة البطالة إلى 20% كأحدث تقرير نشرته وزارة تنمية الموارد البشرية وفقاً لنتائج آخر مسح لقوة العمل فى السودان أجري العام الحالي بتمويل من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. إلا أن آخر إحصائية نشرتها وزارة العمل في مايو من العام قبل الماضي قالت إن نسبة البطالة بلغت 19% من أصل عمل بالقطاعين الحكومي والخاص 11 مليون شخص.
تركيز
وأضاف الدكتور الصادق الهادي بأن الدراسات الطبية والهندسية والقانونية والزراعية والتربوية ودراسات الحاسوب والتقانة تقود إلى مهن محددة تمثل 37% من مجموع المخرجات، وأن الدراسات الاقتصادية تمثل 48% من مجموع المخرجات (وقد يحتاج بعضها إلى تدريب تحويلي)، أما دراسات العلوم الأساسية والرياضيات فتقود إلى إنتاج باحثين يعملون في مجال المعرفة وتمثل الأخيرة هذه 15% من مجموع المخرجات.
مطالبة
وطالب المهدي بضرورة أن تركز مخرجات التعليم العالي على التعليم التقني والتقاني، وذلك لزيادة الإنتاج في السودان . وأكد على ضرورة العمل على زيادة نسبة العاملين في مجال التصنيع حتى تزداد القيمة المضافة للمنتجات الزراعية والتي تهدرحالياً بسبب كونها تصدر خاماً دون إضافة قيمة تصنيعية لها، مشيراً إلى أن ذلك التصنيع سيعود على البلاد بالنفع، لأنه سيوفر العملات الصعبة، ويحسن وضع الاقتصاد السوداني.
عقبات
يعزو محللون الزيادة المضطردة في نسبة البطالة في السودان إلى جملة سياسات انتهجتها الحكومة في معالجة المشكلة، مؤكدين بأن ضعف المناهج في الجامعات السودانية أضر بالكثير من الخريجين وأخرجهم خارج إطار دائرة المنافسات الخارجية أضف إلى ذلك انتشار بعض الممارسات والتي أضرت بالتوظيف مثل انتهاج سياسة التمكين والتي اعترفت بها الحكومة في وقت سابق، بالإضافة لانتشار المحسوبية للذين يحصلون على وظائف، إضافة لخفض نسبة الوظائف المطلوبة والتي يمكن أن تكون بأعداد قليلة جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ليتنافس عليها آلاف الخريجين للفوز بوظيفة، بالإضافة لتوقف عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية عن طلب حاجتها للعاملين لعدد من السنين لأن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لم ترفدهم بالمال اللازم للوظائف، إضافة إلى وجود مؤسسات تشترط أعماراً معينة للتوظيف، وبالتالي لا يتم توظيف من يحملون شهادات مضت عليها عدة سنوات ويفقدون فرصتهم في التعيين.
عواقب وخيمة
الأكاديمية وأستاذة علم الاجتماع بجامعة النيلين أسماء جمعة، عددت في حديثها لـ”الصيحة ” أمس العواقب الوخيمة التي تحدثها البطالة في المجتمع ومنها أنها تقود للإحباط واليأس من الحياة، كما تقود للجرائم بأنواعها المختلفة ومنها السرقة والإدمان الذي يسببه الفراغ ومحاولة ملء الوقت بأي شيء، كما تؤدي لجرائم التحرش والاغتصاب والقتل، والانتحار، مضيفة بأن نسب الانتحار زادت عن الماضي في السودان بسبب ارتفاع معدلات البطالة، مضيفة بأن البطالة تؤدي إلى أن يفقد الشخص الأمل في الحياة وتخنق طموحاته. وشككت أسماء في النسبة التي أعلنتها الحكومة مضيفة بأن النسبة أكبر من ذلك، إذا أخرجنا قطاع المسنين والأطفال، فنجد أن نسب البطالة تكاد تغطي نصف المجتمع، مضيفة بأن البطالة أدت إلى الهجرة غير المشروعة، وأدت إلى خروج قطاع عريض من الإنتاج ليدخل في دائرة العمل الهامشي وهو نوع أيضاً من البطالة المقننة والتي لا تستفيد منها البلاد، حيث يترك قطاع عريض مناطق الإنتاج ويتجهون للمدن ليعملوا في مهن هامشية، وأضافت بأن السياسات الحكومية ساعدت في زيادة معدلات البطالة، حيث خرجت العديد من المصانع من دائرة الإنتاج وشردت معها السواعد الشابة، فيما ضيقت البنوك على قطاع الإنتاج عن طريق شح السيولة مما دفع الكثيرين للوقوف مجبرين ليصنفوا ضمن صفوف البطالة.
مشاريع الخريجين
اتجهت الحكومة لحل مشكلة البطالة عن طريق تقديم مشاريع التمويل الأصغر للخريجين، وأشارت وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي مشاعر الدولب، إلى أن وزارتها أفردت مساحة كبيرة لقضية معالجة البطالة وذلك من خلال المشروعات الصغيرة، مضيفة بأن تمويل البنوك حتى الآن وصل 5%من حجم المال المخصص، إلا أننا من خلال مصرف الإدخار أوصلناه إلى 25%، إلا أن الخريجين الذين التقتهم “الصيحة” قللوا من حجم المال الذي يمنح لهم باعتبار أن فوائده عالية جداً، إضافة لأهمية المشاريع التي تمنح أموالاً وجدواها في العجلة الاقتصادية.
ويرى مختصون أن نسبة البطالة بالبلاد في تزايد رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها وزارة تنمية الموارد البشرية بتخصيص 50 ألف فرصة عمل للخريجين وعزوا ارتفاع النسبة إلى فشل البرامج التي وضعتها الدولة من أجل التوظيف. ويعاني الشباب من ندرة فرص العمل خاصة حملة الشهادات العليا مما جعل الحكومة تعمل على توفير الفرص من خلال زيادة التمويلات المصرفية وتشجيع المشاريع الصغيرة. وبينما تعمل الحكومة على توفير الفرص من خلال زيادة التمويل المصرفي وتشجيع المشاريع الصغيرة إلا أنه لا يبدو أن جهودها قد أفلحت حتى الآن في حل المشكلة بشكل جذري، إذ تظل الإجراءات المتخذة غير كافية في نظر مختصين. وبلغت نسبة البطالة بين الشباب حوالي 34% وبين الخريجين 48% وبين الشابات 45% وبين حملة الشهادات الجامعية 25% وفقاً لنشرة وزارة تنمية الموارد البشرية.
منح أموال
وحول هذه الأسئلة، أجاب المحلل الاقتصادي د. محمد سر الختم بأن معظم المشاريع الصغيرة التي تمنح أموالاً تكون دون دراسة جدوى حقيقية، مما يعرض أموال البنوك للخطر، مضيفاً بأن هناك من منح مشاريع تمويل أصغر، ولكنها كانت مشاريع مظهرية لأناس أرادوا الحصول على نقد عبر بضاعة يتم تخزينها واحتكارها، وطالب بأن تكون مشاريع الخريجين حسب خطة مدروسة وأن تكون عبر تخطيط في المجالات التي تتكامل في الاقتصاد مثل مشاريع الزراعة، الصناعة وغيرها من المجالات التي تعود بالنفع على الدولة، فإذا أنتج الشخص مثلاً فستقابله عقبة التصدير، ونجد أن الاقتصاد السوداني تقابله عقبة الاحتكار، لذلك لابد أن تعالج الدولة هذه المشكلة.
وشدد سر الختم على ضرورة تحرك القطاع الخاص مع الحكومة وأن تكون المشاريع تبادلية ” تصدير، تسمين عجول، تصنيع” حتى تكون عجلة الإنتاج دائرية، وقال إن الخريجين دائمًا ما يلومون البنوك في شروطها، ولكن أموال البنوك هي أموال الجمهور لأن البنوك في الأصل ليس لديها أموال، وعن عقبات السداد التي تواجه الخريجين، قال إن العقبات عادة ما تكون عندما لا ينجح المشروع، مضيفاً بأن الضمانات المقدمة من أصحاب المشاريع تكاد تكون ضمانات شفهية، وقال: إذا تمت مراعاة مثل هذه الأشياء فستكون مشاريع الخريجين مشاريع حقيقية وذات نفع على البلاد وذات جدوى اقتصادية.
وكانت الحكومة قد عولت على برنامج التمويل الأصغر الذي يخصص من خلاله البنك 12% من رأس ماله لتوفير تمويل أصغر للخريجين في شكل مشروع تسدد على أقساط بربحية 12% في العام الواحد. إلا أن تلك البرنامج ووجهت بعقبات الضمانات والتسويق والرسوم الحكومية وغيرها بجانب ممانعة البنوك في تمويل تلك المشروعات التي ترى فيها تجربة جديدة غيرة مأمونة العواقب.
الخرطوم: نجاة إدريس إسماعيل
صحيفة الصيحة