صلاح حبيب

لماذا الحنين إلى الماضي؟!


نلاحظ كثيراً من خلال الفيديوهات التي تنشر عبر التواصل الاجتماعي، تحمل الكثير من الأشواق إلى الماضي من خلال المادة المنشورة التي تحمل أغاني أو أسواق أو مساكن أو غيرها من ماضٍ اندثر، هل الإنسان سأم حياة هذا الزمن ولم يحس بطعم الحياة للظروف الاقتصادية التي يعيشها أم أن الزمن الذي عاش فيه لم يتحمل فيه المسؤولية؟، إن كان طالباً فكانت المصاريف الدراسية تأتيه من الوالد أو من العم أو الخال أو أي أحد من أقرباء الأسرة، ولم يعرف كيف تم الحصول على المال الذي دفع إليه، حتى المصاريف اليومية التي يدفعها الوالد لشراء الطعام، لا أحد من هذا الجيل كيف كان يتم الحصول إليها، فالحياة في الماضي لم تكن رغدة أو ميسرة، ولكن لأننا لم نتحمل المسؤولية، جاء إحساسنا بأن الماضي كان أجمل وأحلى وحتى لو عدنا إلى الماضي، نجد التلاميذ أغلبهم كانوا يعملون ليوفروا مصاريف الدراسة..

فالحياة كانت شاقة لأب لديه أكثر من ولد وبنت في المدارس، ولديه أكثر من أخ يريد أن يصرف عليهم، ففي الماضي كانت المسؤولية تقع على الابن الأكبر وهو الذي كان يتحمل مصاريف البيت والمدارس، فإذا نظرنا إلى القرش في الماضي، الآن يساوي مائة جنيه، والحصول عليه ليس سهلاً رغم أن القرش يمكن أن تشتري به الكثير، أما الأسواق التي تظهر مقاطعها في القروبات وهي تحكي عن الزمن الجميل، الآن جل البيوت تختلف عن الماضي فقد انتهت المنازل المبنية بالطين والمكسوة بالزبالة، فالآن معظم المنازل مبنية من الطوب والبلوك ومغطاة بالسراميك، فانتهى عهد التراب في المنازل، ففي الماضي لم تتوفر الثلاجات بأنواعها المختلفة: الديب فريزر وثلاجة المياه وغيرها من الأشكال والأنواع التي ظهرت حديثاً في حفظ الطعام، عكس ما كان موجوداً في الماضي فأي منزل كان به زير أو اثنين للماء، أما المكيفات إلا في بيوت الأفندية الكبار، وحتى المراوح لم تنتشر بما هو موجود الآن، إن الماضي الذي نجتر ذكراه اليوم ونعده الأفضل ربما الضغوط الاقتصادية في الماضي كانت أقل وطموح الناس أقل أيضاً، وسكان الريف لا يبارحون قراهم إلا للعلاج إذا استعصى ولم يتوفر في الإقليم المعني، وحتى سكان الولايات لم يكونوا راغبين في المدن الكبيرة أو العاصمة، ولكن الظروف الاقتصادية دفعت الشباب الآن إلى ترك مناطقهم بحثاً عن وضع أفضل، ولذلك تحولت العاصمة الآن إلى ريف، لأن معظم سكان الريف الآن في المركز، ولم يجبرهم على شيء إلا الظروف التي تعيشها البلاد، ولكن الماضي فعلاً أحلى في الريف، حينما كان الريف هادئاً وبدون ضغوط على الناس، لا ننكر أن الماضي جميل وأحلى بناسوا، فمعظم المقاطع المرسلة للقروبات تحكي عظمة الماضي، كلنا نحس بها ونتمنى أن يعود الماضي، ولكن هذه سُنة الحياة، فكلما يتقدم الإنسان في العمر يشعر بحنين إلى الماضي وإلى الزملاء، فانظروا إلى القروبات التي تنشأ نلاحظ أولاد الدفعة هم الأكثر انفعالاً بها، وإذا التقوا يحاولوا أن يتذكروا أيام الدراسة والأساتذة والفصول والطابور وغيرها من الذكريات التي يحاولون من خلالها إعادة الماضي، ولكن الماضي لا يعود ولا النضارة ولا الشباب، فكلها تصبح ذكرى فإذا نظر الإنسان إلى صوره التي التقطها في وقت مضى يتحسر على ذلك، لأن اليوم لن يكون مثل الأمس، فهذه الذكريات نتركها إلى الأجيال القادمة، أما تحسرنا على الماضي فلن يفيد، فقد عشنا أيامنا، ونترك الأجيال القادمة هي التي تتذكر ماضينا.

صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي