12 ألف مواطن، يتشردون في الطرقات، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء..!
نصف كمية الأمطار السنوية هطلت في أربع ساعات فقط…!
أحياء بكاملها بمدينة النهود تتحول إلى ركام….!
المعتمد : الولاية تسعى لبناء غرفة لإيواء أي شخص متضرر
لم يدر بأذهان الكثيرين من مواطني أحياء (أبو دقل، أبو رنات والشايقية) بمحلية النهود بولاية غرب كردفان الذين يعيشون في منازلهم التي شيدوها منذ سنين عدداً تقيهم المطر والبرد وحرارة الطقس، أن يأتيهم يوم ما ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويجدون منازلهم أصبحت ركاماً.. والآن ومع استمرار هطول الإمطار، يتمسك المواطنون بمنازلهم المنهارة ويقيمون فيها في النهار وفي الليل وتنقلون بين الحين والاخر وسط الأقارب والأصدقاء ،على أمل أن يصلهم ما يعينهم على الكارثة.. وعلى الرغم من أن المنطقة شهدت مع بداية فصل الخريف شحاً في الأمطار ،طيلة شهر يوليو، لكن في نهايته كانت الأمطار الغزيرة التي تسببت في الكارثة الطبيعية التي تعيشها مدينة النهود حالياً.
ومنذ أن حلّت الكارثة، ظل الجميع في غرب كردفان يجتهدون لتقديم ما باستطاعتهم لأشقائهم في مدينة النهود، وتضافرت الجهود، بيد أن الواقع لا يزال كما هو، بل يتحول في كل يوم يمضي ،إلى الأسوأ ما يتم الحل الجذري، والتحدي الأكبر يتمثل في إعادة إعمار المدينة، لتلافي ما يمكن أن يحدث مستقبلاً.
{ تضافر الجهود
في هذه المحنة تداعى عدد من الصحافيين من أبناء مدينة النهود وبقية السودان لوضع خطة إعلامية مدتها (عام كامل)، لنقل الواقع الذي يعيشه المنكوبون.. فتم الاتصال بقيادات أبناء مدينة النهود لانطلاقة العمل، فكان والي غرب كردفان أول من لبى النداء في لقاء ضم إلى جانبه رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق “إبراهيم الشيخ عبد الرحمن” ورئيس لجنة درء آثار السيول والأمطار ،رئيس رابطة أبناء منطقة دار حمر بالخرطوم البروفيسور “عبد الرحيم أحمد سالم”، ومدير إدارة الموارد والعلاقات الخارجية بمنظمة الدعوة الإسلامية، دكتور “زكريا آدم أحمد”، والدكتور “إحسان حسين بابكر” وعدد من قيادات المنطقة والزملاء الإعلاميين، مشرِّفين منبر نداء النهود، الذي نظمه عدد من الصحافيين بمقر (التيار)، (الثلاثاء) الماضي، الرابع عشر من أغسطس الحالي.
{ معالجة العرض
والي غرب كردفان “أحمد عجب الفيا” قال إن الأمطار التي هطلت على النهود، وتسببت في انهيار المنازل كانت بمعدل (152) ملم ،وارتفاعها متراً، مشيراً إلى أن نصف كمية الأمطار السنوية هطلت في (4) ساعات فقط، وعدّ الحلول الحالية مجرد معالجة لعَرَض، وتابع: (الآن نعالج الأعراض، وليس جذور المشكلة.. لدينا 12 ألف مواطن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وهمنا إعادة الإعمار)، وكشف عن توفير زي مدرسي لـ(2.500) طالب.
{ الصخرة المائلة
ووصف الوالي طبيعة مدينة النهود بالصخرة المائلة لتدفق المياه من كل الأنحاء عليها، مشيراً إلى وجود اتفاق بين حكومته مع وزارة الكهرباء والسدود لإدخال المدينة ضمن مشروعات حصاد المياه لتخزين المياه المتدفقة ، لتساهم في توفير مياه الشرب للحيوانات ويستفيد منها المواطنون في زراعة الخضروات، إضافة للاستزراع السمكي، مبيناً أن ولاية غرب كردفان تشهد معدلات هطول أمطار بنسب عالية.. ففي جنوب الولاية تصل إلى (790) ملم في السنة وفي شمال الولاية تصل لـ(320) ملم.
{ رقم حساب للمساهمات
أكد “الفيا” في حديثه ضرورة إعمال مبدأ الشفافية في توزيع وتسلُّم الإغاثة التي تصل إلى المنكوبين وفتح حساب ببنك الخرطوم فرع النهود (1899957) يستقبل التبرعات كافة بالعملتين المحلية والأجنبية، فضلاً عن تكوين لجنة مجتمعية برئاسة “مبارك محمد سليمان” و”مستور بليلة الفائق” للإشراف على توزيع الدعم المجتمعي للمتضررين، مؤكداً أن الولاية تسعى لبناء غرفة لأي شخص متضرر للإيواء، وقطع بتنفيذ النتائج التي تصل إليها الهيئة الاستشارية الهندسية لجامعة الخرطوم وتطبيقها على أرض الواقع بإزالة جميع العوائق، بجانب خططهم لإعادة إعمار المدينة وتخطيطها مرة أخرى.
{ قلع الجلابيب
كما أكد “الفيا” أن صندوق إعمار المدينة بلغت حصيلة النفرة الأولى فيه (10) ملايين جنيه، وأضاف: (مهمتنا تتمثل في الكيفية التي عبرها يتم توصيل صوتنا للجميع بحجم الضرر الذي وقع)، مؤكداً تفويض الهيئة القومية للطرق والجسور لتقييم أداء شركة (البرجوب) في الطرق الداخلية، وما إذا كانت المتسبب في الأمر أم لا، موضحاً أن اللجنة المجتمعية لإعمار النهود من كل ألوان الطيف السياسي وأضاف: (خلعنا كل الجلاليب ولبسنا جلباب النهود ونسعى للوصول لغاية واحدة).
{ مستقبل مظلم
رسم الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني “إبراهيم الشيخ عبد الرحمن” صورة قاتمة للأوضاع بالأحياء المنكوبة، وقال: (وقفت عليها بنفسي وتلقيت شكاوى مباشرة من المتضررين إبان زيارتي للمدينة تتمثل في عدم توفر الإيواء الذي يمثل المعضلة الحقيقية التي يواجهها الجميع). وأضاف “الشيخ”: (استطعت الوصول إلى غالب المتضررين جراء كارثة السيول والأمطار وهناك أضرار بالغة ودمار بالكامل في الأحياء الشمالية، الرديف، أبوسنون، الصفاء والشايقية، بلغ حصرنا لها 951 منزلاً، ولم يتبقَ شيء بهذه الأحياء، ليتوزع المواطنون على الأشجار والطرقات، وفي الأحياء الجنوبية: أب دقل، أبو رنات، المناصرة والنصر.. هناك انهيار كامل لكنه أقل مما حدث بالأحياء الشمالية وتجاوزت الإحصاءات التي قمنا بها الـ500 منزل).
{ مشكلة السكن.
وتابع “إبراهيم الشيخ”: (لا توجد حاجة الآن للأكل أو الشراب وحجم الإغاثة الذي وصل بقدر مناسب، وحسب إحصاءات الوالي يكفي لشهر)، مشيراً إلى أن الشكوى الوحيدة التي وردت لهم خلال تطوافهم بالمدينة وخلال الهاتف تتمثل في الإيواء والسكن، وأضاف: (عند تجوالنا لم تكن هناك خيام ولا حمامات، ومن ثم أحضر الجيش بعض الخيام وأيضاً استقبلنا حوالى 1300 خيمة وقمت بتوزيعها على المتضررين). وأشار إلى أن بعض المواطنين لجأوا لإنشاء مساكن تقليدية بالجهد الذاتي تتمثل في الرواكيب والكرانك، ونوه إلى أن المشكلة الحقيقية التي يعاني منها الناس الإيواء، ولا يزال الخريف مستمراً، وقال: (هناك مشكلة أخرى إثر تحطم كل الحمامات وهناك بعض المنظمات تعمل على حفر حمام لكل 50 نسمة، والاحتياج العاجل لناموسيات وحتى الخيام ضيقة لا تكفي الأسرة الواحدة، عطفاً على سخانتها ووصلتني شكاوى بذلك).
{ إشادة بجهود الوالي
ورهن “الشيخ” الحل النهائي في إعادة الإعمار وتوفير الزنك ومواد البناء، إضافة لتوفير مصانع لصناعة طوب البلك حتى يتم بناء المدينة بنمط جديد، وما يحمد للولاية استماعها لجهات الاختصاص ممثلة في الهيئة الهندسية لجامعة الخرطوم وقامت بتنفيذ قراراتها فوراً، والوالي قام بإزالة العوائق التي تعترض مجاري المياه وهو ما دعانا للإشادة به، وهناك ارتياح واسع من قبل المواطنين لما قام به، وتفاؤل من قبل المواطنين.
{ إعفاء الجبايات
ودعا “إبراهيم” إلى توفير الأسمنت بسعر الإنتاج من الولايات المنتجة سواء من النيل الأبيض أو نهر النيل، بجانب مساهمة الولايات التي يمر عبرها المنتج بإعفاء الجبايات إكراماً للمتضررين، وقال: (سعر الطن بلغ 7 آلاف جنيه بالنهود وهناك جشع واستغلال قبيح جداً لحاجة المواطنين، وإذا تمت المعالجات آنفة الذكر يمكن أن يصل السعر الرسمي للطن على الأقل إلى 4 آلاف جنيه، والمشكلة الكبيرة التي تواجه الناس تتمثل في رفع الأنقاض، وهذا الأمر يحتاج لآليات)، وتابع: (هناك انتشار كبير للذباب والبعوض مع عدم استقرار التيار الكهربائي وكذلك المياه، نحن يدنا فوق يد الوالي وبنخلع كل الجلابيب الخاصة وبنلبس جلابية واحدة اسمها النهود).
{ مطالبات للحكومة
وقال رئيس اللجنة العليا لدرء آثار السيول والأمطار بالنهود البروفيسور “عبد الرحيم أحمد سالم”: (الكارثة التي ضربت النهود هي همّ قومي وعالمي)، وشدد على ضرورة أعادة تخطيط المدينة على نسق جديد.
وطالب “سالم” بضرورة تقديم الدعم الأكبر لإعمار المدينة (عايزين الحكومة تدينا من عندها)، لأن عطاء المحسنين يعني رزق اليوم باليوم، والمدارس التي سقطت موجودة منذ أمد بعيد وأضحت تاريخية، مثلاً مدرسة الشرقية الأم درس فيها د. “الترابي”، وأضحت تراثاً تاريخياً، لذا لابد من التفكير في كيفية بنائها، وعلى الحكومة أن تقوم ببنائها وما يتبقى منها لمساهمة المواطنين، لذا نريد أن تقوم النهود على أسس ورؤى علمية نحن لا نستعجل لكن نفكر جدياً في بناء المدينة وفق رؤى علمية.
{ مؤتمر دولي
من جهته، دعا مدير إدارة الموارد والعلاقات الخارجية بمنظمة الدعوة الإسلامية دكتور “زكريا آدم أحمد” إلى ضرورة تبني الولاية بالشراكة مع الحكومة الاتحادية لمؤتمر دولي للمانحين من أجل إعمار مدينة النهود، مبيناً أن أبناء مدينة النهود منتشرين في جميع أنحاء العالم وحان الوقت لتلبيتهم نداء المدينة، داعياً أبناء السودان بالداخل والخارج والمنظمات الدولية إلى تقديم يد العون للمنكوبين بمدينة النهود.
الخرطوم – وليد النور
المجهر السياسي.