تحقيقات وتقارير

ظلوا لعقود في انتظار تعويضهم متضررو الاحتلال الأثيوبي… مظالم تبحث عن العدالة

عشرات المزارعين فقدوا أراضي زراعية وممتلكات

وزارات تؤكد أحقيتهم بالتعويض وجهات تتنكر لهم

المواطن الرشيد أحمد علي يبحث عن ابتسامة مفقودة

“الزول ده كان شبعان شديد لكن من ضربة الحبش وقع الواطة”، وأنت تتجول في مدينة القضارف حاضرة أكبر ولايات البلاد إنتاجاً، تصل إلى مسامعك الكثير من الأحاديث التي تدور حول فلك تواري أسماء كثير من المزارعين عن الأنظار لخروجهم عن دائرة الإنتاج لأسباب مختلفة منها الإعسار، ويظل الاحتلال الأثيوبي واعتداءاته على أراض سودانية من أبرز الأسباب التي حولت منتجين كانوا ملء السمع إلى فقراء يبحثون عن تعويض ما تعرضوا له من خسائر. إلا أن كل المحاولات منذ عقدين من الزمان باءت بالفشل، بيد أن الأمل ما يزال يسكنهم بان يأتي يوم يشهد إنصافهم ورد الحقوق إليهم.

ابتلاع الفشقة

ما إن يأتي الحديث عن الأراضي السودانية التي يحتلها الأحباش، إلا وجاءت منطقة الفشقة في المقدمة، ذلك لأنها تمتلك أخصب الأراضي بالبلاد عطفاً على تعرض معظم المزارعين الذين كانوا يستثمرون فيها لخسائر فادحة بداعي الاحتلال، وفي غيرها من مناطق تعرضت لاعتداءات، والفشقة هي المنطقة المتاخمة للحدود المشتركة بين السودان وأثيوبيا، والتي تحد شمالاً بنهر ستيت، وشرقاً بنهر عطبرة، ويقصد بالفشقة الأراضي التي تقع بين عوازل طبيعية (مائية) كالأنهار والخيران والمجاري، وتبلغ مساحتها 251 كلم2.

تنقسم الفشقة إلى قسمين، الفشقة الكبرى، وتحد شمالاً بنهر ستيت وجنوباً ببحر باسلام وغرباً بنهر عطبرة.. والفشقة الصغرى: وهي المنطقة التي تحد شمالاً ببحر باسلام وغرباً بنهر عطبرة وشرقاً بالحدود المشتركة بين السودان وأثيوبيا، وتتخللها العديد من الجبال والخيران، والمنطقة محاطة بالأنهار داخل الأراضي السودانية من كل الجوانب باستثناء خط الحدود المشترك مع أثيوبيا، وهذا ما يفرض عليها العزلة التامة عن الأراضي السودانية المتاخمة لها خلال موسم فيضان هذه الأنهار، هذا فضلاً عن كونها تتميز بهطول الأمطار الغزيرة في فصل الخريف، فيما يميز موقعها هذا إغراء للإثيوبيين للاعتداء عليها متى ما شاءوا إذ لا يقف أمامهم أي مانع أو عازل يحول بينهم وبين الاستفادة من هذه الأراضي الخصبة، فهي أراضٍ متاخمة تماماً للأراضي الإثيوبية .

إنتاج كثيف

كذلك تتميز بإنتاجها الكثيف للسمسم والذرة والقطن قصير التيلة بجانب الصمغ العربي والخضروات والفواكه على ضفاف الأنهر الثلاثة عطبرة، ستيت، باسلام. وتم توضيح الحدود على الطبيعة لتكون معلماً طبيعياً بين السودان وإثيوبيا في تلك المنطقة، من علامة الحدود الواقعة في الضفة اليمنى من خور القاش جنوب جبل قالا ثم إلى جبل أبو قمل ثم تلال البرك، حيث وضعت علامة حدود في وسط صخرة ثم إلى جبل كورتيب ثم إلى جذع شجرة وسط حجارة وصخور ثم إلى جبل ثوار، وبالقرب من شجرة هجليج وضعت صورة من اتفاقية الحدود لسنة 1903م وعلامة، وكذلك وضعت علامة للحدود وصورة من اتفاقية سنة 1903م، في صخرة عالية في الضفة اليمنى من نهر ستيت حيث يتقاطع خور الرويان مع نهر ستيت. واعترفت أثيوبيا اعترافاً قانونياً في اتفاقية الحدود لعام 1902م وبروتوكول الحدود لسنة 1903م ، واتفاقية عام 1972م بأن منطقة الفشقة أرض داخل الحدود السودانية.

بحث عن تعويض

ومنذ أن تعرضت الفشقة للاحتلال الإثيوب،ـ فإن المزارعين المتضررين حاولوا طوال عقدين ويزيد من الزمان استرداد حقوقهم، إلا أن معظمهم عجز عن ذلك، وسعوا عبثاً مع الحكومة لتعويضهم بعد أن فقدوا الأمل في استرداد أرضهم المحتلة، وبالفعل تحركوا في كل الاتجاهات لإثبات خسائرهم، وهذا ما أوضحه خطاب صادر من اتحاد الزراعة الآلية بولاية القضارف كشف عن أسماء المزارعين الذين تضرروا من الاعتداء الأثيوبي وبلغوا 61 مزارعاً ومنهم حمزة عبد القادر عبد المحسن الذي فقد أربعة عشر ألف جوال ذرة وست آليات منها جرار ولوري، كمال عريبي وخسر ثمانية آلاف وأربعمائة جوال ذرة، بالإضافة إلى أحمد حمد النيل، محمد عبد المحسن، أعمال قوز رجب، أبوبكر عمر الدود، محمد عبد الله عبد المجيد، يونس محمد أحمد حسين، محمود العوض محمود، محمد جبريل والعقيد معاش حسن عبد الفراج الذي فقد يومها ألفاً ومائتي جوال ذرة، بالإضافة الى الذين فقدوا بساتين، وتطول القائمة بالمتضررين من المزارعين الذين فقدوا ما يربو على المائة وخمسين ألف جوال ذرة، بالإضافة إلى عدد كبير من الآليات، وفقدوا ما هو أكثر أهمية المتمثل في الأرض التي كانوا يفلحونها بذهابها منذ ذلك التاريخ إلى مصلحة المحتل الأثيوبي.

طرق الأبواب

حاول المتضررون الحصول على التعويض المادي بعد أن فقدوا المعنوي بغض الحكومة الطرف عن استرداد الأرض المحتلة وعقب شكوى دفعوا بها إلى وزارة الحكم المحلي جاء ردها في الحادي والعشرين من شهر أغسطس من العام 2007 مذيلاً باسم الوزير عبد الباسط سبدرات موضحاً أن تحويل الملف والمكاتبات الخاصة بقضية المتضررين من الحرب بشرق السودان بولاية القضارف إلى وزارة الرعاية الاجتماعية لتقصي الحقائق حول تظلمات المزارعين وسداد التعويض بشأنهم…

جهات على الخط

ويعتبر المواطن الرشيد أحمد علي من المزارعين الذين تعرضوا لخسائر فادحة، وظل منذ العام 2002 يسعى إلى الحصول على تعويض ووضع مستنداته منضدة عدد من الجهات، ومنها هيئة الحسبة والمظالم التي دخلت مبكراً علي خط هذه القضية، وكشفت في خطاب معنون الى حكومة ولاية القضارف إلى أنهم تلقوا تظلمات كثيرة تتعلق بآثار وأضرار حرب شرق السودان التي دارت في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي وحتى العام 2008 خاصة الاعتداءات التي نفذتها القوات الأثيوبية على منطقة الفشقة وتايا وقلقو وغيرها من المناطق، وقد خلفت هذه الاعتداءات أضراراً للمزارعين والتجار والرعاة، وتلفت هيئة المظالم الى التوجيهات الصادرة من رئاسة الجمهورية هي أن تتولى الولايات التحري في تظلمات المواطنين المتأثرين من الحرب والعمل على معالجتها عبر وزارات الشؤون الاجتماعية بالولايات، وأرفقت الهيئة الكشف بالمظالم ورأت ضرورة معالجة التظلمات التي تعضدها المستندات.

تثبيت حقوق

بعد المخاطبات الاتحادية لحكومة ولاية القضارف، فإن وزارة الزراعة والري ممثلة في إدارة البساتين أجرت دراسة حالة للمواطن الرشيد علي أحمد لتحديد أضراره والتي تمثلت في الإنتاجية المتوقعة للفدان في العام والتي تبلغ 48 طناً بمتوسط 300 جنيه لسعر الطن ، بعائدات كلية تبلغ أربعة عشر ألفاً وأربعمائة جنيه، وأشارت الدراسة إلى أن صافي العائدات بمساحة خمسة فدان لمدة خمسة أعوام تبلغ مائتين وعشرة آلاف جنيه، وكشفت الوزارة أن المواطن المتضرر قد سدد رسوم القطعة رقم 1076 بمساحة 15 فداناً بجهة جزيرة الدود بتاريخ الرابع عشر من شهر نوفمبر من العام 2000، وعلى ذات طريق تثبيت حقوق المواطن الرشيد علي أحمد، فقد كشفت وزارة الرعاية الاجتماعية بالولاية عن خسائره التي تعرض لها المتمثلة في بستان بمساحة خمسة عشر فداناً، مائة شجرة ليمون، خمسة فدان موز، طلمبة مياه، ألف شتلة موز، بالإضافة إلى برميلين جازولين، ومن الجهات التي أكدت وقوع أضرار على المواطن الرشيد شعبة الاستخبارات العسكرية والأمن بالفرقة الثانية مشاة بالقضارف، التي شهدت بأنه يمتلك مشروعاً زراعياً بمنطقة جزيرة الدود وأنه قد تضرر من الاعتداء الأثيوبي في العام 2001.

الإدارة القانونية تترافع

واتخذت هذه القضية مسارات متعددة بحثاً عن حلول، وفي هذا الصدد، وضع المواطن الرشيد علي أحمد مظلمته منضدة المستشار القانوني لوزارة الرعاية الاجتماعية بولاية القضارف الذي أشار إلى أن المواطن الرشيد من المتضررين من الاعتداء الأثيوبي على جزيرة الدود، وأن حكومة الولاية شكلت لجاناً لحصر المتضررين وتحديد حجم الضرر الذي حاق بهم، وأن المواطن الرشيد من ضمن المتضررين، موضحًا كل الإجراءات والتي تم اتخاذها في هذا الصدد جاءت تنفيذاً لقرار رئاسة الجمهورية وهيئة المظالم والحسبة، مبيناً أنه وبعد الدراسة القانونية، فقد وضح أن المذكور من ضمن المتأثرين من الاعتداء الأثيوبي، ونوه إلى ضرورة تنفيذ التوجيهات الصادرة من رئاسة الجمهورية والعمل على إنزال خطاب هيئة المظالم والحسبة على أرض الواقع، مؤكداً على أنه لا يوجد قانونًا ما يمنع من العمل برؤية مدير عام الوزارة المتعلقة بتعويض المتضررين.

الرعاية تبرئ ساحتها

في الحادي عشر من شهر يوليو من العام 2016 فإن وزارة الرعاية الاجتماعية والإرشاد بولاية القضارف أشارت في خطاب معنون إلى وزيرة الرعاية إلى أن قضية تعويضات التعديات وحسب دراستها، فإن الوزارة ترى وضع ميزانية تعويض للمتضررين في موازنة العام 2017 حسب حصر اللجنة، بالإضافة إلى مناقشة هذا الأمر في مجلس أمناء الزكاة وكيفية جبر الضرر، وفي العاشر من شهر أغسطس فإن وزارة الرعاية خاطبت وزارة المالية مشيرة إلى أنه وبالتشاور مع الجهات التنفيذية والقانونية، فإنها ترى أهمية إدراج التعويضات ضمن موازنة الولاية، كما خاطبت وزارة الرعاية والي الولاية بذات الخصوص.

المالية تبتعد

بعد ذلك خاطب وزير الرعاية بالقضارف نظيره وزير المالية في ذات العام أي 2016، وجاء رد وزارة المالية والاقتصاد في السابع عشر من شهر أغسطس مستنداً على خطاب وزارة الرعاية، مشيراً إلى قرار رئاسة الجمهورية الذي وجه بإجراء معالجات عبر وزارة الرعاية لقضية المتضررين من الاعتداء الأثيوبي على الأراضي السودانية، ونوهت وزارة المالية في خطابها إلى عدم إمكانية تضمين مثل هذه التعويضات في ميزانية الولاية للعام 2016.

اللجوء للمركز

وحينما لم يجد المتضرر الرشيد إنصافاً بولاية القضارف رغم المخاطبات الرسمية بين المركز وحكومة الولاية التي أكدت أن له حقوقاً يجب أن ينالها، غير أن يعود أدراجه مجدداً إلى الخرطوم، حيث الحكومة الاتحادية وحرر خطاباً مباشراً إلى وزير مجلس الوزراء أشار خلاله إلى أنه أحد الذين تضرروا من الاعتداء الاثيوبي علي جزيرة الدود بولاية القضارف، مبيناً أن الحكومة الاتحادية شكلت لجنة لدراسة هذا الملف وتعويض المتضررين وحملت قضيتهم ملف تعويض رقم 24 بمجلس الوزراء الذي حوله الى حكومة القضارف ممثلة في وزارة الرعاية الاجتماعية التي خاطبت والي الولاية، ولكن لم يضع حداً لمشكلتهم عبر تعويضهم، ملتمساً في مظلمته إنصافه.

مجلس الوزراء يعتذر

في التاسع والعشرين من شهر يوليو من هذا العام فإن الأمانة العامة لمجلس الوزراء خاطبت المواطن الرشيد أحمد علي بتوقيع الأمين العام عثمان حسين عثمان الذي أوضح أنه وبعد فحص الطلب الذي تقدم به المواطن والاطلاع على المستندات المرفقة وإجراء الدراسة القانونية المتأنية فقد وضح عدم وجود سلطة لمجلس الوزراء على الولايات، مبينًا أن رئاسة الجمهورية سبق وأن أصدرت قرارات وتوجيهات متعلقة بتعويض المتضررين، مبيناً أن هذا حدث من قبل وزارتي المالية والتخطيط الاقتصادي بخطاب من رئاسة الجمهورية.

وفي خاتمة الخطاب أشار الأمين العام إلى أنه واستناداً على ما تم ذكره، فقد اعتذرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء عن الاستجابة لطلب المواطن الرشيد وأسدت له النصح بتقديم طلبه إلى رئاسة الجمهورية لأنها جهة الاختصاص.

في انتظار أمطار السماء

إذاً حتى الآن فإن المواطن الرشيد أحمد علي مثل غيره من المتضررين من الاعتداءات الأثيوبية لم يتمكن من الحصول على تعويضات أقرت بها جهات حكومية ولا يعرف الرجل الذي يتملكه حزن عميق متى تعود الابتسامة إلى محياه وتتسللت الفرحة إلى دواخله، فهو كان وسيظل في انتظار أن تمطر له سماء الحكومة أموالا تعوضه خسائره.

القضارف: صديق رمضان
صحيفة الصيحة.