الأراضي في القضارف.. الحرب على الفساد تشتعل
الهمس الذي طال أمده في مجالس القضارف عن تصرفات مشبوهة تشهدها وزارة التخطيط العمراني طوال خمس سنوات طفحت للسطح بقوة بعد أن أعلن وزير التخطيط العمراني حمد النيل محمد سعد عن توقيف موظفين يقومون بعمليات تزوير لقطع الأراضي والدكاكين بمدينة القضارف، لينتشر الخبر كالنار في الهشيم بالكشف عن أخطر عمليات فساد للأراضي شهدتها القضارف منذ العام 2013م.
بداية القصة:
وزير التخطيط العمراني بالقضارف حمد النيل محمد سعد كشف في حديثه لـ(السوداني) أمس، عن إلقاء القبض على مدير إدارة البيع التجاري وعدد من الموظفين بالوزارة، بالإضافة إلى ثلاثة متهمين من خارج الوزارة قاموا بإكمال عمليات التزوير من بينهم مجرم معروف بعمليات تزوير الأراضي، وأكد حمد النيل أن وزارته ومنذ رمضان الماضي قادت تحريات سرية عبر لجنة من الوزارة برئاسة مدير عام الأراضي مولانا د.أحمد يحيى ومدير إدارة المساحة ومدير إدارة التخطيط والجهات ذات الصلة، توصلت إلى أنه تم التلاعب في عدد ثمانية عقارات ببلدية القضارف، وتم تحديدها في خمسة قطع أراضي بمربع 16 الصناعات وثلاثة دكاكين بالسوق الكبير مربع 2 ليتم تحريك الإجراءات القانونية عبر الشرطة لتوقيف عدد من المتهمين بينهم نافذين ومديرين سابقين لإدارة الأراضي ومدير إدارة البيع التجاري بالوزارة وعدد من الموظفين والسماسرة.
وأشار وزير التخطيط العمراني إلى أن عمليات الكشف عن الفساد الذي طال الأراضي بالقضارف ما يزال مستمراً عبر اللجنة التي يترأسها مدير عام الأراضي ويشرف عليها وزير التخطيط العمراني المختص وترفع تقاريرها دورياً لوالي القضارف ميرغني صالح، وأضاف: “بدأنا عمليات المراجعة للسجلات منذ العام 2013م وحتى العام 2016م، وما تزال عمليات المراجعة مستمرة للكشوفات ولن نجامل في هذا الملف والوالي يتابع كل صغيرة وكبيرة في هذا الملف.
منع فساد جديد:
وحول الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الوزارة لإيقاف عمليات التزوير بالأراضي، كشف الوزير عن خطوات مبكرة اتخذتها حكومة القضارف بإيقاف البيع المباشر للأراضي، وأن يتم البيع عبر المزاد الحر منعاً للتلاعب في عملية تقييم الأرض التي أظهرتها التحقيقات إلى جانب إيقاف الإضافات لقطع مجاورة نهائياً، وكشف حمد عن أن عمليات التزوير وسرقة الأراضي تمت في القطع الشواغر بالمدينة، وأنه بناءً على ذلك تم تشكيل لجنة لحصر القطع الشواغر (سكنية أو تجارية) وأضاف: هنالك تنسيق كامل مع الجهاز القضائي ونقابة المحامين للتشديد على الإجراءات القانونية لإكمال عمليات المنح والتسجيل واستخراج شهادة البحث مستقبلاً، وسيتم اكتمال مشروع حوسبة الأراضي ببلدية القضارف قريباً لينتقل إلى بقية محليات الولاية.
وفي ذات الاتجاه كشف وزير التخطيط العمراني بالقضارف حمد النيل محمد سعد عن إيقاف الوزارة لإجراءات منح دكاكين بسوق محلية المفازة لظهور عدد من الإشكالات في مرحلة نشر الكشوفات والطعون، وأضاف: “هنالك شبهات حول عمليات المنح لهذه الدكاكين لذلك اتخذنا قراراً في الوزارة بوقف الإجراءات وإخضاع الكشوفات للمراجعة”.
وجدد الوزير حرص الوزارة ووالي القضارف على إيقاف كل من تثبت إدانته في هذا الملف التزاماً بتوجيهات الدولة في محاربة الفساد، مشيراً إلى أن التقديرات الأولية لقيمة العقارات التي تم تزويرها والحصول عليها دون وجه حق من قطع أراضي ودكاكين لم يتم تحديدها بالصورة النهائية، بيد أنه عاد وقال إنها تقترب من مبلغ الأربعين مليار جنيه (بالقديم).
الحرب مستمرة
ميرغني صالح يبدو قدره أن يرث مجتمعاً سياسياً متناقضاً خلَّفته حكومات سابقة أفرزت تيارات ومجموعات تتصارع في اللاشيء وتسعى لتقديم قياداتها رغماً عن أنف المصلحة العامة، ويشير الصحفي المدون بالقضارف خويلد عبد العظيم في تعليقه على هذه القضية بأن والي القضارف نجح في تجاوز كل المطبات التي بدأت بالتسويق لبضاعة العزلة الاجتماعية على أهل القضارف، بفعل منتفعي السياسة وتجار الصراع؛ ففي لجة الخلافات السياسية وإوارها يجد هؤلاء القوم مصالحهم فتزدهر تجارتهم وتتسع بطونهم وتنتفخ أوداجهم. ولعل ما يعضد حديث خويلد عبد العظيم أن عمليات التحقيق في الأراضي، كشفت عن منح مدير سابق للأراضي قطعة أرض مميزة لنفسه بموقع متميز بالمدينة، إلى جانب منح نائب والي سابق قطعة أرض مميزة لشقيقه، بينما حصلت زوجة وزير مالية سابق على قطعتي أرض غرب السوق، بالإضافة لقطع أراضي بحي ود الكبير نالها وزراء ومعتمدون سابقون، الأمر الذي أثار جدلاً كثيفاً في الشارع العام بالقضارف..
من جانبه، يذهب رئيس المجلس التشريعي محمد عبد الله المرضي في معرض حديثه لـ(السوداني) أمس، بأن المجلس يتابع بدقة كافة الخطوات التي تمت لإيقاف شبكة التزوير لأراضي القضارف، معلناً عن اتجاه المجلس التشريعي لطلب وزير التخطيط العمراني مطلع هذا الأسبوع للإدلاء بإفاداته حول سير الملف دون المساس بالإجراءات القانونية وسرية المعلومات، وأضاف: “نريد الاطمئنان على سير التحقيقات لكشف هذا الفساد وهذه التجاوزات والخطوات الإدارية التي اتخذتها الوزارة لإيقاف كل المتورطين”. وأشار رئيس تشريعي القضارف إلى أنهم لا يمانعون إجازة أي مقترح يخص تعديل قانون التخطيط العمراني وقانون الأراضي تتقدم به الحكومة يساهم في إحكام الرقابة والتضييق على الثغرات التي تقود إلى سرقة الأراضي بالقضارف.
يشار إلى أن تشريعي القضارف كان قد اقترح من قبل تشكيل مفوضية خاصة بالأراضي وأن يترك للوزارة متابعة ملفاتها التنموية الأخرى في المياه والكهرباء.
قضية فساد الأراضي بالقضارف شغلت الشارع هناك وأعادت للأذهان سيرة والي القضارف الأسبق كرم الله عباس الشيخ وقوة قراراته في محاربة الفساد الذي منح القضارف المركز الأول في تقرير المراجع العام بخلوها من الاعتداء على المال العام، مما دفع الحكومة المركزية بتحفيز حكومة كرم الله في ذلك الوقت بمليار جنيه، ويبدو أن ميرغني صالح يمضي في ذات الدرب وبقوة بحسب الكثيرين، ليضع حدَّاً لتجاوزات عديدة كفيلة الأيام بكشفها في ملفات مسكوت عنها بالولاية، فهل ينجح صالح ويعيد للقضارف بريقها المفقود؟.
الخرطوم: محمد كبوشية
صحيفة السوداني.