تحقيقات وتقارير

منعدمو الجنسية حرمان في الحاضر وغموض في المستقبل


أفرزت تداعيات انفصال جنوب السودان، وقضية اللجوء في شرق وغرب البلاد بعض المشاكل الاجتماعية، من بينها قضية الأشخاص عديمي الجنسية والهوية، وحسب تقديرات الأمم المتحدة بالسودان فأن عددهم تجاوز (1,5) مليون شخص، فيما تقدر الأمم المتحدة عدد عديمي الجنسية حول العالم بـ(5) ملايين شخص.
حسب تعريف الأمم المتحدة فأن الأشخاص عديمي الجنسية يتكونون من عدة شرائح من المكونات الاجتماعية المختلفة، وهم الأشخاص الذين لا ينتمون لأي دولة بعد فقدانهم جنسية أوطانهم الأصلية، ورسم خبراء قانونيون خلال مخاطبتهم ورشة مشروع حماية الأشخاص المهددين بخطر انعدام الجنسية بالسودان، التي نظمتها منظمة التنمية والبحث بالقضارف، بالتعاون مع مكتب المندوب السامي بكسلا، رسموا صورة قاتمة لمستقبلهم، وإن هنالك جملة من المخاطر تواجه الأشخاص عديمي الجنسية بالسودان الذين تقدر أعدادهم بـ(1,5) مليون يتمركزون في عدد من مدن السودان في الشرق والعاصمة وعدد من الولايات الأخرى، وأجملوا تلك المخاطر بأن حياتهم تظل عُرضة لعدم الأمن والاستقرار، وأن مستقبلهم غامض، وتزداد معاناتهم في مسايرتهم للأوضاع الحياتية والمعيشية اليومية، بسبب فقدانهم للجنسية خاصة شريحة الأطفال المحرومين من التعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن أنهم عُرضة للاتجار بالبشر، والإجبار على الأعمال الخطيرة، والاستغلال الجنسي، خاصة الأطفال في معسكرات اللاجئين، والمشردين في الأسواق.
ويرى المتحدثون في الورشة، أن معالجة حالات انعدام الجنسية تمثل خطوة أساسية لضمان خروج ملايين الأشخاص والأطفال في السودان من دائرة التهميش، إلى فضاءات حياتية أفضل تشكل شخصيته، وتحفظ حقوقهم الإنسانية لبناء مستقبلهم،
وأوضح الخبير القانوني “يوسف محمد” أن حالات الأطفال عديمي الجنسية تأتي نتيجة لعوامل وأسباب عدة، مثل حالات الزواج بين أشخاص من جنسيات مختلفة، أو الهجرة، فينشأ خلاف بين قوانين الجنسية لجهة الوالد أو الأم بشأن انتماءاتهم لدول مختلفة، يكون الطفل رهين تلك القوانين، ويصبح عديم الجنسية، وتابع: أن العديد من الأطفال يرثون حالات انعدام الجنسية من آبائهم، على سبيل المثال إذا كان الطفل ينتمي إلى جماعة عرقية معينة حيث تعرف بعض الدول مواطنيها على أساس الانتماء العرقي، هذه الحالة تؤدي إلى منع أعداد كبيرة من المواطنين من الحصول على الجنسية في تلك الدولة التي يعيشون فيها، فضلاً عن أن هنالك بعض الحالات بسبب قوانين الجنسية التمييزية في بعض الدول التي تحرم الأمهات من الحق في نقل جنسياتهن إلى أطفالهن في حالة الزواج من أجنبي، وأفاد أن بعض الأطفال يخسرون جنسياتهم عندما تتغير حالة الأرض التي ولدوا فيها وتتحول إلى دولة أخرى، كما هو الحال في دولة جنوب السودان الوليدة، التي انفصلت عن الدولة الأم جمهورية السودان، إذ يسقط القانون الجنسية السودانية عن أۑ مواطن جنوبي بما في المواطنين من أم جنوبية وأب سوداني أو العكس، ولفت إلى أن هذا الوضع خلف وراءه أعداداً كبيرة من مواطني دولة جنوب السودان، بدون جنسية خاصة حالات الزواج المختلط. وأشار إلى أن هنالك حالات أخرى للأطفال عديمي الجنسية، وهم الأطفال اللقطاء نتيجة لتخلي والديهم عنهم بسبب الوصمة، الأمر الذي تترتب عليه صعوبات في إثبات روابطهم الأبوية وعدم تمكنهم من التقييد في سجلات المواليد في السجل المدني وختم حديثه بأن هنالك حالات أخرى للأطفال عديمي الجنسية خاصة في معسكرات اللاجئين بالشرق، وذلك بدخول أعداد كبيرة من الأطفال اللاجئين بدون والديهم.
وروى الخبير القانوني قصة الطالبة “سارة” التي ولدت من أم سودانية وأب جنوبي سوداني، تفاجأت عقب الانفصال برفض السلطات السودانية منحها الجنسية السودانية، بعد نيلها الشهادة السودانية، وكانت قد حققت نسبة نجاح عالية في الشهادة السودانية بلغت 85% ففقدت فرصة القبول في الجامعات السودانية بسبب عدم منحها الجنسية السودانية في أعقاب الانفصال، وأشار إلى أن قضية “سارة” تبنتها إحدى مراكز العون القانوني، بالطعن في قانون الجنسية السودانية أمام المحكمة الدستورية وأصدرت المحكمة الدستورية قراراً ببطلان الطعن باعتبار دستورية قانون الجنسية، وأنه يتعين عليها الذهاب للجهات الإدارية لكنها لم تفعل ولجأت للمحكمة الأفريقية بسبب رفض السلطات المختصة بالسودان منحها الجنسية، وتم تصعيد القضية ورفعها إلى المحكمة الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي التي استمعت بدورها لوفد السودان وطلب الوفد منحه مدة ثلاثة أشهر لمنحها الجنسية، ورفض محاموها العرض المقدم من الوفد السوداني، ومن المفترض أن يصدر الحكم في قضية “سارة” في شهر أكتوبر القادم، وحال صدور الحكم سيمهد الطريق أمام كثير من المحرومين من الجنسية السودانية، وقال إن هذه القضايا تعتبر من القضايا الإستراتيجية التي ربما تفتح منفذاً لكثير من الأشخاص عديمي الجنسية لنيل الجنسية السودانية.

وأفاد الخبير القانوني “إسماعيل خالد” في حديثه مع (المجهر) إن كل الإجراءات التي اتخذت لمعالجة المشكلة من قبل الحكومة السودانية لاستيعاب الأشخاص عديمي الجنسية في المنظومة الخدمية بمنحهم بطاقة الخدمات لم تكن مجدية لإصلاح أوضاعهم، وارجع ذلك إلى عدم تفعيل بطاقة الخدمات وإن كثيراً منهم تفاجأوا بتوقف العمل بالبطاقة، إضافة إلى أن الحكومات لا تستطيع الخروج بقانون الجنسية من سياقه، لدوافع سياسية إلى سياق القانون الإنساني ليتوافق مع القوانين الدولية كبعض الدول التي تمنح الجنسية بصورة واسعة لكافة المواطنين المقيمين فيها دون تمييز، وأشار إلى أنه ليس بالإمكان الضغط على الحكومة السودانية لمنح الجنسية للأشخاص عديمي الجنسية لجهة أن مسألة الجنسية قضية سيادية، بيد أن هناك تطمينات ووعود من المجلس الوطني السوداني لإجراء تعديلات في قانون الجنسية من خلال الورش التي عقدت لنواب المجلس في الفترة السابقة، وأشار إلى إقرار النواب بأن قانون الجنسية فيه بعض الهنات .وكشف عن إجراءات شرع فيها البرلمان لتعديل بعض المواد في قانون الجنسية، على أمل أن تسهم في إزالة بعض العوائق لمعالجة قضية الأشخاص عديمي الجنسية بالسودان لتمكينهم من ممارسة حياتهم بصورة طبيعية والتمتع بحقوقهم.

المجهر