ضحايا (موية النار) .. ما بين التشويه والانتقام العاطفي
كثرت في الآونة الأخيرة وبصورة مُكثّفة جرائم لم يكن متعارفاً عليها في المُجتمع السُّوداني حتى كادت أن تَصبح بمثابة ظاهرة مُرعبة تقشعر لها الأبدان نسبةً لفظاعتها، وذلك باستخدام المُجرّم لماء النار المُتاحة في الأسواق أو استخدام مادة الأسيد الحارقة التي تُستخدم لأغراضٍ مُختلفةٍ!
تختلف أسباب ارتكاب تلك الجريمة ما بين الغِيرة والحَسد والانتقام والشرف التي يتم من خلالها إيذاء الضحية وتشويهها، ودائماً ما تكون الضحية أنثى وقليلاً ما يَكون الضحايا رجالاً، لأنّ الغرض هو تَشويه المَعالم الجمالية للوجه.
بالرغم من علاقة الحُب التي رَبَطت بينهما، وقرّرا تتويجها بالزواج، إلا أنّ الأمور انقلبت رأساً على عقب، وذلك عندما نشب خلافٌ بسيطٌ بينهما بسبب تحديد مَوعد الزواج الذي طالب من خلاله الزوج بتمديد الفترة، الأمر الذي لم يرق لخطيبته (حواء) نسبةً لتكرار ذات الطلب، فوصفته بالمتماطل فأنهت العلاقة التي بينهما، ما جعل خطيبها يضمر لها شراً ليواعدها في مكانٍ ما بأحد شوارع الحي بأن تُسلِّم له دبلة الخطوبة ليُفاجأها بحملها قارورة (كريستال) مُمتلئة بـ(موية النار) ويسكبه على وجهها في غفلة منها دُون مُقدِّمات ويطلق ساقيه للريح لتكون (حواء) أولى ضحايا النار بتلك القرية في ولاية سنار.
وقتها حكت حواء مأساتها لـ(كوكتيل) عن مُعاناتها النفسية وآلامها بتشويه وجهها وبقية جَسدها بماء النار بنفسيات منهارة بعد أن تغيّرت كثير من ملامحها الجميلة، وقتها زارت (كوكتيل) التي بدورها لفتت نظر الخيِّرين للتكفُّل بعلاجها وحدث ما أردنا لتتعافى، إلا أنّ مُعاناتها النفسية مُستمرة!
(1)
قبل سنوات مضت، ضَجّت الدنيا بحادثة ضحية (خام موية النار) سناء الأمين، كانت الحادثة وقتها دخيلة على المجتمع السوداني بعد أن تم الغدر بها وتشويه وجهها بالكامل وضاعت كل ملامحها الجميلة وذلك بعد رفضها لزوجها، الذي أكرهت من والدها الزواج به.. تعاطف الجميع مع سناء وتم تداول قصتها في كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة نسبةً لغرابة الجريمة وإنتهاكها لآدمية الإنسان بتلك الصورة الانتقامية المُؤذية، ليتكفّل بعدها عَدَدٌ من الأشخاص بعلاجها لتُغادر إلى أمريكا وتُخضع لعَدَدٍ من العمليّات التّجميليّة لتتعافى من حُرُوقها، إلا أنّ قوة عزيمتها والعامل النفسي كانا خير معين لتجاوزها المحنة، لتتزوّج هناك في أمريكا حيث تقطن حتى الآن وتنجب الأطفال وتعيش بهُدُوء بالرغم من الألم النفسي والمعنوي الذي سبّبه لها طليقها.
حسب ما ورد في عددٍ من المواقع، أنّ سناء استثمرت وجودها بأمريكا ودرست اللغة الإنجليزية وأجادتها تماماً، وأنّها ستتحوّل لناشطة حُقُوقية تُسخِّر كل وقتها وجهدها للدفاع عن حُقُوق النساء، خَاصّةً فيما يتعلّق بزواج القصرات أو المكرهات وستقود في سبيل ذلك حملة توعوية كُبرى وسط الآباء والأمهات، خَاصّةً في الريف لعدم إجبار بناتهم الزواج من أشخاص لا يرغبن فيهم، وتبصير الفتيات في القرى بحُقُوقهن الشرعية والقانونية في اختيار أزواجهن دُون إكراهٍ أو غصبٍ من أحدٍ.
(2)
كذلك أوردت (السوداني) قبل أشهرٍ قصة المرحومة (المقام) تلك الفتاة التي كانت تتعافى بمستشفى النيل الأبيض ببحري بعد أن قام طليقها بسكب ماء النار على وجهها غفلةً وذلك أثناء نومها في حوش المنزل مع أسرتها مُنتقماً منها بعد أن طالبته بالطلاق، إلا أنّه كان رافضاً للفكرة ما جعلها تفقد بصرها وتُصاب بجُرُوح عميقة جداً تسبّبت في وفاتها بالرغم من عمليات التجميل والتّرقيع التي أُجريت لها وقتها لإنقاذ حياتها، إلا أنها غادرت الدنيا وتركت الأسى والحسرة في قلوب والديها، خَاصّةً أنّها كانت وحيدتهما.
نسبة للآثار العضوية التي تتسبّب فيها تلك المواد الحارقة، أوضح د. أشرف أحمد أمين أستاذ الجراحة العامة والتجميل والحروق، أنّه في جميع الأحوال، المواد الكيماوية لها تأثيرٌ مُدمِّرٌ وأنّها تُسَبِّب حروقاً عَميقة تُدمِّر ثلاث طبقات للجلد وتحتاج لتدخل جراحي من ترقيع جلد من الفخذ أو أيِّ مكان غير ظاهر بالجسم حتى تلتئم الجروح ثم تأتي مرحلة التجميل سواء بتصليح الندبات المُشوّهة أو بالكريمات أو الليزر وما شابه ذلك، مُبيِّناً: (إلا أن هناك تأثيراً على أجزاءٍ حَيويةٍ في الجسم مثل العين وهذا علاجه صَعَبٌ جداً، بل ومُستحيلٌ لأنّ المادة الكاوية تتسبّب في تآكل قرنية العين وهي طبقة شفّافة، بل وتخترق طبقات العين لتُؤثِّر على عصب العين ويكون علاجها مُستحيلاً وتُسبِّب آثاراً مُدَمِّرة كما هو في حالتي المقام).
(3)
من جانبها، حول الموضوع، أوضحت د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع، أنّه لا بُد من أن تحدّد العلاقة بين زيادة العُنف في المُجتمع وجريمة التشويه بماء النار، وقالت: (هناك دائماً علاقة واضحة بين انتشار العُنف ونوعية الجريمة مِمّا يُؤكِّد أنّ انتشار العُنف أصبح ظاهرة في المُجتمع، فقد أصبحت العلاقات تقوم على المصلحة الذاتية والمادية، كما انخفضت العلاقات المبنية على الحُب والتّعاون والتّنازل، مُضيفةً: (فإذا ما جئنا لجرائم التشويه نجد أنّ مُعظمها انتقامٌ عاطفيٌّ والانتقام بالتشويه لا يقتل، بل يترك الضحية تَتَعَذّب مَدَى الحياة ولا أحدٌ يقبلها فهو انتقامٌ مُزدوجٌ)!
(4)
في الوقت الذي طَالَبَ فيه الغالبية العظمى بأخذ الحيطة والحذر حتى لا يتم ارتكاب مثل هذه جرائم مع توفير الحماية لكل من يَستشعر بوقُوع خَطرٍ عليه مع التشديد على إيقاع أقسى أنواع العُقُوبات لكل من يَرتكب مثل هذه جرائم حتى يكون عِظةً لغيره.
تقرير: محاسن أحمد عبد الله
صحيفة السوداني